الصومال اليوم

“الصومال اليوم” يفتح ملف علاقة إيران بحركة الشباب الصومالية وتنامي العلاقة بين طهران والحركة “الدوافع والتداعيات”

تزايدت في الفترة الأخيرة المؤشرات على تنامي العلاقة القائمة بين طهران وحركة الشباب الصومالية، على نحو عكس تطلعات طهران التوسعية التي تستهدف مد نفوذها إلى منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر وفرض نفسها قوة فاعلة فيها من خلال توثيق صلاتها ببعض الحركات والتنظيمات الصاعدة، مثل جماعة الحوثيين في اليمن وحركة الشباب في الصومال، وتوظيفهما لتحقيق أهدافها الاستراتيجية الرامية إلى خلق حالة من التوازن مع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة هناك، وهو ما يمثل تهديدًا واضحًا لأمن واستقرار هذه المنطقة وللمصالح الاستراتيجية للقوى الإقليمية والدولية الأخرى، الأمر الذي يفرض عليها تنسيق جهودها من أجل فك الارتباط بين طهران وحركة الشباب تحديداً خلال المرحلة المقبلة، والحيلولة دون المزيد من الاضطراب وعدم الاستقرار في القرن الأفريقي والبحر الأحمر.

مؤشرات تطور العلاقة بين طهران والحركة

ترى إيران في التعاون مع الفواعل من غير الدول مثل حركة الشباب الصومالية وجماعة الحوثي اليمنية جزءًا لا يتجزأ من سياستها الخارجية الهادفة إلى توسيع تأثيرها الجيوسياسي في المنطقة[1]. فثمة تحالف خفي بين طهران وحركة الشباب المجاهدين الصومالي، تسعى من خلاله الأولى إلى خلق بؤرة استخباراتية وشبكة سرية تابعة لها لتنفيذ وتحقيق أهدافها ودعم مصالحها في الشرق الأوسط وأفريقيا. وتبرز أهم مؤشراته ودلالاته في الآتي:

– بالرغم من الاختلافات الأيديولوجية والدينية المذهبية، إلا أنه من الناحية النظرية، ربما يضع الجانبان خلافاتهما جانبًا من أجل النفعية والمصلحة، كما أن كليهما يتصرف بواقعية وبراجماتية. فعلى سبيل المثال، نجحت إيران وتنظيم القاعدة في تجاهل الصراع السني الشيعي بينهما في مراحل زمنية مختلفة بهدف التركيز على مواجهة الخصوم المشتركين لهما، وتحديداً الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية. فقد كان أول تعاون بين الحرس الثوري الإيراني وتنظيم القاعدة في البوسنة خلال الفترة ما بين 1992 و1995 حينما قدمت قوات الحرس الثوري الإيراني تحت غطاء الصليب الأحمر الإيراني تدريبًا عسكريًا لمقاتلي تنظيم القاعدة، وهو ما كشف عنه سعيد قاسمي قائد الحرس الثوري السابق في مقابلة تليفزيونية في أبريل 2019. وفي العراق مولت إيران تنظيم القاعدة هناك من أجل قتال القوات الأمريكية في الفترة ما بين 2003 و2011. ومن ثمّ، يمكن لإيران مهاجمة وتهديد المصالح الأمريكية في البحر الأحمر وأفريقيا من خلال علاقاتها المباشرة مع ذراع تنظيم القاعدة في القرن الأفريقي، أي حركة الشباب المجاهدين الصومالية، والتي اضطلعت بنقل شحنات أسلحة إيرانية إلى حركة حماس في غزة[2].

– ترتكز العلاقة بين طهران وحركة الشباب الصومالية على مبدأ “الكل رابح”، خاصة أن هناك عوامل جذب لدى الطرفين؛ ففي الوقت الذي تقدم فيه طهران الدعم المادي واللوجستي للحركة، تقوم الحركة في المقابل بمساندة طهران في برنامجها النووي من خلال تزويدها باليورانيوم من المناجم التي تسيطر عليها، أضف إلى ذلك إمكانية توظيفها في تهديد وتعطيل الملاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر[3].

– أكد مجلس الأمن الدولي على مدار الثلاث سنوات الأخيرة منذ 2017 على ضلوع إيران في إرسال شحنات من الأسلحة إلى الصومال، وتحديدًا إلى حركة الشباب في مقابل تسهيلها حصول طهران على كميات كبيرة من اليورانيوم. وتعد ولاية “بونت لاند” بمثابة المدخل الرئيس للتدفقات غير المشروعة من الأسلحة في الصومال.

ويشير فريق الرصد الدولي في الصومال في تقرير نُشِر في عام 2017 إلى أن هناك مسارين لتهريب الأسلحة حتى تصل إلى بونت لاند، المسار الأول؛ تأتي الشحنات من ساحل مكران الإيراني وتنتقل بواسطة مراكب شراعية عابرة للمحيطات، والمسار الثاني؛ تنتقل الشحنات من اليمن في زوارق صغيرة إلى ولاية بونت لاند. كما أن هناك مسارًا ثالثًا يبدأ من منطقة “فندلا” إلى “ألولا” على طول ساحل بونت لاند الصومالية. وتجدر الإشارة إلى أن هناك شحنة من تلك الشحنات تتجه إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في منطقة “باري” بولاية بونت لاند[4]. فيما أشار تقرير أممي آخر صادر عن لجنة الأمم المتحدة لمتابعة حظر السلاح المفروض على الصومال في عام 2017 إلى تمكُّن سفينة فرنسية من ضبط سفينة إيرانية تحمل شحنة أسلحة قادمة من كوريا الشمالية ومتجهة إلى الصومال في مارس 2017 في المحيط الهندي[5]. ومن ثمّ، تعتبر منطقة القرن الأفريقي بمثابة خط اتصال بين إيران والصومال واليمن، حيث تتزايد تحركات طهران في نقل كميات كبيرة من الأسلحة إيرانية الصنع عبر الصومال إلى اليمن وبعض التنظيمات الإرهابية في أفريقيا[6].

– وسبق أن دعت الحكومة الفيدرالية الصومالية الإدارة الأمريكية في أغسطس 2017 إلى تحرك عسكري عاجل لمنع نقل المزيد من اليورانيوم عبر حركة الشباب المجاهدين التي تعد من أبرز مُصدّرِيه إلى طهران[7]. وذلك بعد تأكيد وزير الخارجية الصومالي السابق، يوسف جراد عمر، في رسالته لإدارة ترامب بشأن قيام الحركة بتزويد إيران باليورانيوم من بعض المناجم التي تسيطر عليها الحركة في منطقة جلمدغ الصومالية، حيث يشير البعض إلى أن الحركة تقوم بتوريد نسبة 10% من احتياجات إيران من مادة اليورانيوم المستخدم في برنامجها النووي[8].

– يعد الحرس الثوري الإسلامي، بحسب مسؤولين صوماليين، المنظمة الإيرانية الرئيسية العاملة في الصومال، ويقيم فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني علاقات مع بعض الشبكات الإجرامية التي يستخدمها في تهريب النفط الإيراني إلى الصومال، وتصريفه لاحقاً إلى بعض الدول الأفريقية بهدف الالتفاف على العقوبات الأمريكية، كما يُوزِّع الفيلق بعض العائدات لدعم المسلحين في اليمن والصومال. وتستخدم طهران حركة الشباب في نقل الأسلحة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن، ونقلها أيضًا إلى بلدان أفريقية أخرى مثل كينيا وتنزانيا وجنوب السودان وموزمبيق وأفريقيا الوسطى[9].

– أشار مسؤولون عسكريين بوزارة الدفاع الصومالية إلى احتمالية استخدام الأموال والأسلحة الإيرانية في هجمات حركة الشباب التي نفذتها خلال عامي 2019 و2020 في الصومال وشمال كينيا ضد القواعد العسكرية الأمريكية، واستهداف القوات العسكرية التابعة للاتحاد الأوروبي في مقديشو، خاصة بعدما أعلنت حركة الشباب في وقت سابق أن المصالح الأمريكية والأمريكيين يمثلون أهدافًا لعملياتها حول العالم[10]. فقد اكتشف بعض القوات العسكرية الصومالية، التي تواجه حركة الشباب في مناطق تمركزها، حصولها على أسلحة وقنابل ومعدات كيميائية مصنوعة في إيران. ومع تزايد هجمات حركة الشباب خلال السنوات الأخيرة، فإن هناك من يرجع تزايد قدراتها العسكرية إلى حصولها على الأسلحة من مصدر أجنبي، لاسيما من إيران وبعض الأطراف في اليمن.

– ذكرت تقارير تابعة للأمم المتحدة أن حركة الشباب تستخدم إيران نقطة عبور لتصدير الفحم الصومالي بطريقة غير مشروعة. فقد كشف تقرير أممي صدر في أكتوبر 2018 بشأن انتهاك طهران للعقوبات الأممية المفروضة على حركة الشباب منذ عام 2012 بحظر تجارة الفحم لتجفيف منابع تمويلها، استغلال الحركة للأراضي الإيرانية كنقطة تجمع لوجستية لشحنات من الفحم الصومالي تمهيدًا لتصديره لعدد من الدول باستخدام علامة تجارية إيرانية[11]. وجدير بالإشارة، في هذا السياق، أن القيمة الإجمالية لتجارة الفحم غير المشروعة في الصومال تصل إلى نحو 150 مليون دولار سنويًا[12]، واستطاعت حركة الشباب جعل هذه التجارة المصدر الرئيس لدخلها من خلال فرض الضرائب غير الرسمية على نقاط التفتيش عند حواجز الطرق والموانئ بما يدر عليها دخلًا يتراوح بين 8-18 مليون دولار سنويًا، وفق بعض التقديرات[13].

دوافع تنامي العلاقة بين طهران والحركة

الدوافع الإيرانية:

– اختراق الداخل الأفريقي وتعميق الوجود الإيراني في القرن الأفريقي، في إطار السياسة الإيرانية الرامية إلى ضمان التأثير الجيوسياسي على نطاق واسع عالميًا، والخروج من العزلة المفروضة عليها بزيادة حجم التجارة والاستثمارات الإيرانية في القارة[14]. ومن ثمّ، فهي تسعى إلى تعزيز حضورها البحري في البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب من أجل السيطرة الاستراتيجية هناك، مما يمنحها القدرة على التأثير في اثنين من أهم المضائق في العالم إلى جانب مضيق هرمز. وذلك اعتمادًا على توظيفها بعض التنظيمات المسلحة، مثل جماعة الحوثي في اليمن، وحركة الشباب الصومالية[15].

– تجنيد حركة الشباب وربطها ببعض الحركات التابعة لها في غرب أفريقيا، وتحديدًا في نيجيريا، وتوظيفها قاعدةً للعمليات وشن الهجمات ضد المصالح الإسرائيلية والأمريكية والغربية في المنطقة وأفريقيا ككل. ففي عام 2019 كشف بعض التقارير أن الحرس الثوري الإيراني يعمل على زرع خلايا إرهابية في عدد من الدول الأفريقية مثل السودان وتشاد وغانا والنيجر وجامبيا وأفريقيا الوسطى[16].

– الرغبة في خلق علاقة ارتباطية وتحالفات مزدوجة بين التنظيمات المسلحة السنية والشيعية النشطة في المنطقة (حركة الشباب وجماعة الحوثي) لتعزيز نفوذها في المنطقة من خلال توظيفها لذراعين عسكريتين في المنطقة تقوم بتحريكهما بالتزامن مع الأزمات والضغوط التي تواجهها[17]، وهو ما لا تتمتع بها قوة أخرى على الساحة الإقليمية، وذلك بهدف مد النفوذ الإيراني على نطاق جغرافي واسع من الصحراء الكبرى حتى السواحل الصومالية مرورًا بخليج عدن وباب المندب، مما يمنحها نقطة عبور مهمة للأسلحة الإيرانية إلى التنظيمات المسلحة التي توليها اهتماماً في قارة أفريقيا وكذلك بعض الحكومات الأفريقية، وتعزيز حضورها في الساحات البحرية المهمة، مثل البحر الأحمر.

– غلبة دافع الربح لدى طهران باعتبار منطقة القرن الأفريقي إحدى المنافذ المهمة لتجارة السلاح وتهريبه إلى دول أخرى وتنظيمات مسلحة أخرى في شرق ووسط أفريقيا ومنطقة البحيرات العظمى، وكذلك إلى اليمن عبر البحر الأحمر[18]. ومن ثم إمكانية استغلال الصومال كنقطة عبور لمبيعات الأسلحة الإيرانية لمختلف التنظيمات في أفريقيا. فضلًا عن استخدامها كقاعدة لتدريب التنظيمات والعناصر الإرهابية لزعزعة استقرار المنطقة وتهديد المصالح الاستراتيجية للدول العربية والخليجية والقوى الدولية.

– الحفاظ على تهديد الملاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر لإجبار الولايات المتحدة الأمريكية على نقل جزء من أسطولها البحري في مضيق هرمز لتأمين منطقة باب المندب[19].

– ضمان استمرار تدفق وتصدير النفط والغاز الإيراني إلى دول أفريقية مثل كينيا وتنزانيا بطريق غير مباشر، بهدف الالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على الدول التي تواصل التجارة مع طهران. فعلى سبيل المثال، تعد كينيا أحد أبرز المستوردين للغاز المسال الإيراني منذ عام 2016 [20].

– معاقبة بعض دول القرن الأفريقي في خضم قطع علاقاتها مع طهران خلال السنوات الخمس الماضية مثل الصومال وجيبوتي والسودان، وكذلك المشاركة ضمن التحالف الإسلامي في عاصفة الحزم بقيادة السعودية ضد الحوثيين في اليمن[21].

– يمثل التنافس الأيديولوجي بين إيران والسعودية بمثابة القوة الدافعة الرئيسية لإيران لاستعادة نفوذها في القرن الأفريقي. بالإضافة إلى سياسة إيران التي تنطوي على مبدأ شد الأطراف بالنسبة للدول الخليجية ومصالحها الاستراتيجية في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، والسعي نحو تطويقها وتعطيلها في ضوء التقدم الذي تحرزه الدول الخليجية لا سيما السعودية والإمارات على الصعيد الأفريقي.

– تهديد المصالح الإسرائيلية في المنطقة، في ضوء التوتر الدائر بينهما في منطقة الشرق الأوسط، وتهديد إسرائيل لها باعتبارها أكبر تهديد في العالم[22].

– استهداف المصالح الأمريكية والغربية في الصومال ومنطقة القرن الأفريقي انتقامًا لمقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني السابق، الذي لقي مصرعه في غارة جوية أمريكية في العراق في يناير 2020 [23]. فقد أدت التوترات بين الجانبين إلى جعل الطرفين على شفا صراع مفتوح بالوكالة في ظل عدم سعي الطرفين إلى حرب شاملة[24]، خاصة بعدما تعهدت الحكومة الإيرانية بالانتقام لما وصفته بالعمل الإجرامي، وتحذيرها باستهداف كافة القواعد العسكرية الأمريكية التي استهدفت المصالح الإيرانية[25].

– تُظهر طهران تحديًّا للقوى الكبرى في ظل التزاحم الإقليمي والدولي في منطقة القرن الأفريقي، وبالتالي هناك فرصة أمام طهران لإدارة الصراع في إطار مساعيها لتصفية الحسابات السياسية عبر وكلائها في المنطقة إذا قررت الانتقام من القوى المناوئة لها مثل واشنطن من خلال تقويض مصالحها الاستراتيجية في المنطقة[26]. وذلك لتجنب المواجهة المباشرة لكونها ذات تكلفة باهظة وبالتالي حرب الوكالة تكون أرخص في كثير من الأحيان، كما أنها تنطوي على قدر من السرية يسمح بمساحة معتبرة من المساومة.

دوافع حركة الشباب:

– ترى حركة الشباب أن تقوية وتعزيز علاقاتها مع إيران ربما يكون عاملًا مهمًا في إحداث تفوق نوعي لها في مواجهتها لتنظيم “داعش” في الصومال، والساعي إلى تنشيط خلاياه والتسلل إلى المنطقة بشكل أكبر وبناء نفوذ قوي في المنطقة على حساب تنظيم القاعدة[27].

– ضمان تدفق الموارد المالية والأسلحة إليها بهدف مواصلة نشاطاتها في الصومال والمنطقة. وهو ما يعزز من مكانتها باستقطاب المزيد من العناصر الجديدة الموالية، وانخفاض حالات الانشقاق والهروب من الحركة للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في الصومال. بالإضافة إلى توسيع الرقعة الجغرافية لمناطق سيطرة الحركة في وسط وجنوب الصومال في ضوء هشاشة الأمن وضعف الجيش الصومالي.

– تسهيل تجارة الفحم غير الشرعية من خلال استخدام الأراضي والموانئ الإيرانية كنقاط عبور، والاستفادة من السفن والغطاء الإيراني لتهريبه وبيعه.

– تَزعُّم الإرهاب في شرق أفريقيا باعتبارها أكبر شبكة نشطة لتنظيم القاعدة في أفريقيا. وتحقيق تفوق نوعي في مواجهة القوات الأفريقية والصومالية؛ مما يكسبها المزيد من الشهرة والجاذبية على الصعيدين الإقليمي والدولي.

– خلق روابط وتشابكات متقاطعة مع عدد من التنظيمات المتطرفة، سواء في أفريقيا أو في مناطق الجوار الجغرافي مثل جماعة الحوثي اليمنية وحزب الله اللبناني.

– اكتساب حلفاء إقليميين جدد في المنطقة، والاستفادة من تدريب عناصر الحركة على يد الحرس الثوري الإيراني في مراحل مقبلة.

– الانتقام من تصاعد الهجمات الجوية الأمريكية ضد معاقلها وقياداتها في مناطق سيطرتها، واستهداف المزيد من القوات الأجنبية والمصالح الاستراتيجية الدولية في الصومال والمنطقة.

– زيادة القيمة الاستراتيجية للحركة إقليميًا ودوليًا، في ضوء قدرتها على تغيير المعادلة الأمنية في منطقة القرن الأفريقي، بناءً على قدراتها وتصاعد نشاطها وعملياتها الإرهابية ضد بعض دولها والمصالح الدولية.

– توجيه رسالة إلى العالم بقدرة حركة الشباب على التأقلم والاستمرار والتحالف، خاصة بعد عقد من الضغوط الأمنية عليها من جانب أكثر من طرف دولي وإقليمي.

المواقف الأفريقية والدولية

الموقف الأفريقي:

يرفض معظم دول القرن الأفريقي التحركات الإيرانية في المنطقة نظرًا لكونها تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي، ويَدُل على ذلك استمرار قطع بعض الدول مثل جيبوتي والصومال والسودان وإريتريا العلاقات الدبلوماسية مع طهران منذ عام 2015. كما أن هناك تخوفًا أفريقيًّا من التعاون مع إيران -بشكل علني ومباشر- اتقاءً للعقوبات الأمريكية، فيما يزداد القلق لدى بعض الدول مثل كينيا من أن تكون ساحة لتصفية الحسابات السياسية بين طهران وواشنطن على خلفية مقتل قاسم سليماني في أوائل 2020، كونها ترتبط بعلاقات ثنائية جيدة مع الطرفين. في المقابل، يستعين بعض الدول مثل الصومال بالولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة التغلغل الإيراني من أجل منع تهريب اليورانيوم إلى طهران من خلال حركة الشباب المجاهدين الصومالية.

الموقف العربي: ثمة توافق عربي على رفض التهديدات الإيرانية والتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للبلدان العربية في الشرق الأفريقي (الصومال والسودان وجيبوتي)، حيث شرع البرلمان العربي منذ 2019 في تدشين استراتيجية عربية موحدة للتعامل مع إيران[28].

الموقف الدولي:

تخشى القوى الدولية تهديد إيران لأمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر والرغبة في السيطرة الاستراتيجية على مضيق باب المندب الذي يمر به حوالي 12% من إجمالي حجم التجارة الدولية، لاسيما النفط[29]. أضف إلى ذلك، تمويل التنظيمات الإرهابية والمتطرفة في القرن الأفريقي والقارة الأفريقية، وتزايد قوة الحوثيين في اليمن نتيجة الدعم الإيراني، لما تشكله من تهديد واضح للمصالح الاستراتيجية للقوى الدولية الفاعلة في المنطقة[30]، وهو ما يدفعها إلى تكثيف الوجود في المنطقة بهدف التصدي للتهديدات الإيرانية ومواجهة التنظيمات الإرهابية وضمان تأمين أمن البحر الأحمر وانسيابية مرور التجارة الدولية.

الانعكاسات والتأثيرات

حركة الشباب:

كما شرحنا أعلاه، تتعدد أوجه استفادة الحركة من علاقتها بطهران؛ فمن ناحية تساعدها مثل هذه العلاقة على إبراز نفسها بوصفها حركة محلية ذات أهداف إقليمية تتمتع بعلاقات ومصالح مع قوى إقليمية. ومن ناحية أخرى، تعيد نفسها إلى خريطة “الجهاد” العالمية بهجماتها على مصالح القوى الدولية وقواتها العسكرية المنخرطة في المنطقة. ومن ناحية ثالثة، تحصل على المزيد من الدعم المادي واللوجستي لتعزيز موقفها ونفوذها في الصومال والقرن الأفريقي، واستقطاب المزيد من العناصر الموالية، وتطويق تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في الصومال.

الصومال:

تتأثر مقديشو سلبيًا من التدخل الإيراني في الشأن الداخلي، والذي يمثل تهديدًا للأمن القومي الصومالي على الرغم من استمرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ عام 2016 [31]. ويسهم التمويل الإيراني لحركة الشباب المجاهدين وتزويدها بالسلاح والمال باختلال في توازن القوة بين الحركة والجيش الصومالي لصالح الأولى، ومن ثمّ الفشل في القضاء على حركة الشباب. كما يترتب على تلك العلاقة بين طهران والحركة تحوُّل الصومال إلى ساحة إقليمية للحرب بالوكالة بين إيران ووكلائها والأطراف الإقليمية والدولية الرافضة للوجود الإيراني في المنطقة. أضف إلى ذلك، فإن أنشطة السفن الإيرانية غير القانونية في المياه الإقليمية الصومالية التي تستغل عدم قدرة الحكومة الفيدرالية الصومالية على تأمين كامل شريطها الساحلي على البحر الأحمر، من شأنها تهديد الثروة السمكية، وتهديد الأمن البحري والأمن الغذائي للدولة الصومالية، خصوصًا بعد رصد السلطات الصومالية لأكثر من 100 سفينة إيرانية تقوم بالصيد غير القانوني خلال الفترة ما بين يناير 2019 وأبريل 2020 [32].

منطقة القرن الأفريقي:

تُعرِّضُ التحركات الإيرانية أمن دول البحر الأحمر ومضيق باب المندب والملاحة الدولية للخطر[33]. ومن المحتمل أن تتزايد الأنشطة العسكرية، وربما تندلع صراعات مستقبلية بين أطراف إقليمية ودولية بهدف ضمان حماية أمن البحر الأحمر والدول المطلة عليه. وفي نفس الوقت، ربما تخلق تلك التحركات في المستقبل حالة من الانقسام السياسي بين دول المنطقة بين مؤيد للوجود الإيراني ورافض له في ضوء المتغيرات الإقليمية المستمرة والمتباينة. كما تظل منطقة القرن الأفريقي رهينةً للتهديدات الإرهابية ونشاط التنظيمات المتشددة، لاسيما حركة الشباب المجاهدين في الصومال وبعض دول الجوار، في ظل استمرار تدفق التمويل والدعم لها، واستمرار هشاشة بعض الجيوش العسكرية والأجهزة الأمنية في هذه المنطقة.

القوى الدولية الفاعلة:

تتمثل أهم التأثيرات في تهديد مصالحها الاستراتيجية في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، واستهداف قواتها العسكرية المشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب وحفظ السلم والأمن في بعض دول المنطقة. كما تتزايد المخاطر في ظل احتمالية انجرار بعض القوى الدولية إلى صدام خشن مع إيران، أضف إلى ذلك استمرار خطر التهديدات الإرهابية في القرن الأفريقي خلال المرحلة المقبلة.

مستقبل العلاقة بين إيران وحركة الشباب

ستظل إيران تنظر إلى منطقة القرن الأفريقي باعتبارها منطقة ذات أهمية استراتيجية لأجندتها الأمنية، وتمثل أحد نقاط التمركز المحورية في مواجهة القوى الإقليمية والدولية المناوئة لها مثل الولايات المتحدة والسعودية وتركيا وإسرائيل. ومن ثم، فإن طهران لن تتردد في محاولة تشكيل تحالفات إقليمية في هذه المنطقة، بهدف توظيفها لخدمة مصالحها الاستراتيجية وتعزيز حضورها ونفوذها الإقليمي.

سوف تعمل حركة الشباب على استمرار تنامي علاقاتها مع طهران، بهدف ضمان استمرار تدفق التمويل الإيراني المادي والعسكري، وذلك لضمان تفوقها النوعي وديمومتها في شرق أفريقيا والتغلب على نقص الموارد والتمويل، رغم أن توثيق العلاقة بين حركة الشباب وطهران قد يتسبب في فقدان جزء من مصداقية الحركة على المستوى المحلي السُّني في مجمله.

برغم حالة الرفض الأفريقي للتحركات الإيرانية في منطقة القرن الأفريقي وتنامي مؤشرات تحالفها الخفي مع حركة الشباب المجاهدين المتطرفة، فإن التحركات الأفريقية المضادة ستظل مرهونة بدعم أكبر من قبل القوى الدولية والإقليمية الفاعلة وأخذ زمام المبادرة في هذا الشأن.

تمثل التحركات الدولية ضد تنامي التحركات الإيرانية في القرن الأفريقي والعمل على فك الارتباط بين طهران وحركة الشباب الصومالية، أمران في غاية الأهمية خلال المرحلة المقبلة، من خلال استهداف تجفيف منابع تمويل إيران للحركة، والحيلولة دون وصول أي دعم مادي أو لوجستي إليها، وتوسيع نطاق العقوبات الدولية ضد الأفراد والجماعات والتنظيمات التي تساعد في تيسير أنشطة إيران في الصومال. بالإضافة إلى تشديد حالة المراقبة على البحر الأحمر والسواحل الصومالية، ومنع أي سفن إيرانية من توريد السلاح لحركة الشباب وتهريبه بعد ذلك إلى اليمن والداخل الأفريقي. علاوة على دعم جهود الحكومة الصومالية في تعزيز حجم وقدرات الجيش الصومالي لمواجهة حركة الشباب.


الهوامش

[1] Mareike Tranfeld, Iran’s Small Hand in Yemen, Carnegie Endowment for International Peace, 14 February 2017, available at: https://bit.ly/2ORrVlO [2] Yossi Mansharof, Iran’s Transnational Terrorist Networks, The Jerusalem Institute for Strategy and Security, 25 November 2019, Available at: https://bit.ly/2Efl6s7 [3] صهيب عبد الرحمن، لماذا تخرق إيران حظر السلاح وتدعم الإرهابيين في الصومال؟، حفريات، 2 أغسطس 2018، متاح على: https://bit.ly/30FZxsk [4] صهيب عبد الرحمن، مرجع سبق ذكره. [5] مركز مقديشو للبحوث والدراسات، الأمم المتحدة تتهم إيران بتسليح جماعات مسلحة في الصومال، 15 نوفمبر 2017، متاح على: https://bit.ly/39sG4PS [6]  Martin Plaut, Trump’s assassination of Iran’s general: repercussions for the Horn, Eritrea Hub, 3 January 2020, available at: https://bit.ly/2ZUutWE  [7] Robier El-Fares, Iran recruited Somalia’s Al-Shabab to smuggle weapons to Houthis: Study, The Reference, Paris, 19 December 2018, available at: https://bit.ly/3jAVzK8 [8] صهيب عبد الرحمن، مرجع سبق ذكره. [9] Muhammad Fraser-Rahim, In Somalia, Iran Is Replicating Russia’s Afghan Strategy, The Foreign Policy, 17 July 2020, available at: https://bit.ly/30JC49v [10] صهيب عبد الرحمن، مرجع سبق ذكره. [11] Asharq Al-Awsat, Iran is a Trade Transit Point for Somali Terrorist Movement, 10 October 2018, available at: https://bit.ly/2E4Nj4D [12] Idem. [13] محسن حسن، تجارة الفحم بين الاقتصاد والمناخ والأمن الإقليمي.. الصومال أنموذجًا، مركز مقديشو للبحوث والدراسات، 19 أغسطس 2019، متاح على: https://bit.ly/32Rze4Z [14] SMT Studies Center, Turkey and Iran … And the influence of conflicts in the Horn of Africa, 21 January 2018, available at: https://bit.ly/2OShazE [15] Anthony Chibarirwe, Callum Wood, Ethiopia-Eritrea Accord: Iran’s Opportunity?, Watch Jerusalem, 6 August 2018, Available at: https://bit.ly/32Ns1Tx [16] Idem. [17] هشام النجار، حركة الشباب الصومالية توثق علاقاتها بإيران على حساب تركيا، صحيفة العرب اللندنية، 20 يناير 2020، متاح على: https://bit.ly/39tC9C0 [18] Anthony Chibarirwe, Callum Wood, Ibid. [19] Robier El-Fares, Iran recruited Somalia’s Al-Shabab to smuggle weapons to Houthis: Study, The Reference, Paris, 19 December 2018, available at: https://bit.ly/3jAVzK8 [20] Allan Olingo, Kenya and Tanzania fear impact of sanctions, stop Tehran oil, gas imports, The East African, 29 September 2018, available at: https://bit.ly/2OS43ya [21] Hassan Al Mustafa, Saudi diplomacy distances Iran from Horn of Africa, Al Arabiya, 20 May 2020, available at: https://bit.ly/2CWKW3x [22] Africa news, Iran is the world’s greatest threat, says Netanyahu, 18 February 2018, available at: https://bit.ly/3eNITvO [23] International Crisis Group, The Urgent Need for a U.S.-Iran Hotline, Briefing 77, Washington, 23 April 2020, available at: https://bit.ly/2Edl2sR [24] Idem. [25] Aggrey Mutambo, US-Iran hostility recipe for instability in Horn of Africa, The East African, 12 January 2020, available at: https://bit.ly/2OLHHhY [26]  Martin Plaut, Trump’s assassination of Iran’s general: repercussions for the Horn, Eritrea Hub, 3 January 2020, available at: https://bit.ly/2ZUutWE [27] المرجع السابق نفسه. [28] مركز مقديشو للبحوث والدراسات، البرلمان العربي بصدد إعداد استراتيجية عربية موحدة للتعامل مع التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية، 7 مارس 2019، متاح على: https://bit.ly/32W8UXp [29] صهيب عبد الرحمن، مرجع سبق ذكره. [30] European Eye on Radicalization, Maritime Terrorism: A Rising Threat from Al-Qaeda and Iranian Proxies, 14 May 2019, available at: https://bit.ly/32RnoI2 [31] Muzeyen Hawas Sebsebe, The Turmoil in Yemen and its Long-term Implications on Iran’s Horn of Africa policy, ANKASAM, available at: https://bit.ly/2WQnQm7 [32] Christian Fernsby, Horn of Africa: Somalia flagged more than 100 Iranian ships fishing illegally, Post Online Media, 25 June 2020, available at: https://bit.ly/30IUKpJ [33] Michael Connell, Farzin Nadimi, and John Miller, Iran’s Asymmetric Naval Response to ‘Maximum Pressure’, The Washington Institute for Near East Policy, 10 June 2020, available at: https://bit.ly/3fPPlnj
Exit mobile version