الصومال اليوم

أطماع آبي أحمد في صوماليلاند تغذي التوترات في القرن الأفريقي

تتخطى أطماع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الحدود، وهو لا يتوانى عن خلق أزمات جديدة بغية تحقيق طموحاته التي يتداخل معها الشخصي بالقومي. ويقول الباحث الأميركي مايكل روبين إن آبي أحمد مستعد لفعل كل شيء في سبيل الحفاظ على السلطة وهذا ما قد يقوده إلى فتح جبهة جديدة مع صوماليلاند.
يبحث رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عن ذرائع تاريخية لانتزاع ميناء “زيلع”، وهو ميناء خامل، شمالي جمهورية صوماليالاند (أرض الصومال)، بهدف الحصول على منفذ بحري، كما أن للمسعى حسابات شخصية في علاقة بإلهاء الشعب الإثيوبي عن أزماته الداخلية.
ويدرك آبي أحمد أن استمراره في السلطة رهين بقاء إثيوبيا في حالة مفرغة من الصراعات والأزمات، حيث أن أي استقرار قد ينتهي به خارج المعادلة الحالية التي كلفته إلى حد الآن أثمانا باهظة.
وكان الجيش الإثيوبي على شفا الهزيمة قبل شهر، قبل أن يتلقى جسرا جويا من المساعدات الخارجية التي شملت طائرات مُسيرة وذخيرة، وهو ما قلب الموازين لصالح رئيس الوزراء، الذي خاض صراعا مريرا مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.
وعرضت الأزمة التي اندلعت مع إقليم تيغراي آبي أحمد، صاحب نوبل للسلام إلى ما يشبه العزلة الدولية، حيث أن الأعمال الانتقامية وعمليات العقاب الجماعي التي انتشرت على نطاق واسع أضرت كثيرا بصورته كما أنها أصابت النسيج العرقي في إثيوبيا بضرر واسع يصعب علاجه.
ويرى مايكل روبين الباحث المقيم بمعهد “أميركا إنتربرايز”، والمتخصص في شؤون إيران وتركيا وما يعرف باسم الشرق الأوسط الكبير، أن استمرار آبي أحمد في السلطة يفرض عليه البحث عن إثارة أزمة جديدة، وقد تكون البوابة هذه المرة صوماليلاند.
ويوضح روبين في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأميركية أنه إذا أراد آبي أحمد الاحتفاظ بالسلطة، عليه أن يبقي على إثيوبيا في وضع أزمة لا ينتهي. ولكن حرب تيغراي أبرزت موطن ضعف آخر ألا وهو أن إثيوبيا بحاجة إلى ميناء، فقد حرم استقلال إريتريا، وانتصارها في الحرب ضد إثيوبيا – أديس أبابا من منفذ على البحر الأحمر، ولهذا لجأت إثيوبيا إلى جيبوتي.
وقد دعمت الاستثمارات الصينية مشروع إقامة خط حديدي وطريق سريع، وتستقبل جيبوتي حاليا 95 في المئة من واردات إثيوبيا. ورغم ذلك، عندما اتسع القتال إلى خارج حدود تيغراي، قطعت القوات الخط الحديدي والطريق.
ومن أجل إصلاح الموقف، وإلهاء الشعب بأزمة جديدة، يعدّ آبي أحمد الساحة لانتزاع ميناء “زيلع”، وهو ميناء خامل، شمالي جمهورية صوماليالاند على بعد حوالي 17 كيلومترا من حدود جيبوتي. وبدأ مؤيدو رئيس الوزراء الترويج لسابقة تعود إلى قرون مضت، عندما كان الميناء يخدم مدينة هرار الإثيوبية. كما يشكل “زيلع” نقطة رئيسية في النقاش الذي يثار بين الحين والآخر بشأن إنشاء أسطول إثيوبي جديد، وهو أمر ليس له معنى لدولة حبيسة.
وإثيوبيا عملاق أفريقي، بعد نيجيريا، وهي أيضا أكبر دول القارة من حيث عدد السكان، ولكن صوماليلاند أصغر بكثير من حيث الحجم أو السكان. كما أن ميناء زيلع معزول نسبيا، حيث تقع أقرب مدينتين فيه، بروما وبربرة، على بعد حوالي 150 ميلا و170 ميلا على التوالي. وقد يستغرق الأمر ساعات، وربما أيام، من صوماليلاند لحشد قواتها وصد غزو إثيوبي للميناء. ورغم أن القوات الإثيوبية، ستواجه أيضا أراضي وعرة وقاحلة فإنها ستقطع 160 ميلا فقط بالمركبات للوصول إلى زيلع.
ويرى الباحث روبين أن ما يزيد من تعقيد عزلة ميناء زيلع أمر يعود إلى الجغرافيا السياسية. ففي حين أن صوماليلاند من أكثر الدول ديمقراطية في أفريقيا، ما زال انفصالها عن الصومال في عام 1991 لا يحظى باعتراف دولي. وهي تشكل اليوم، مثل تايوان، أكثر دولة فعالة غير معترف بها في العالم، تتمتع بقدرات أكبر ومعدل فساد أقل.
ولا تقل التحالفات أهمية عن الجغرافيا السياسية. وقد دفع غضب آبي أحمد من الانتقادات المتواصلة لملف بلاده الحقوقي، رئيس الوزراء إلى أن يعطي ظهره للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لصالح الصين وتركيا وإيران وإريتريا.
بالمقابل ذهبت صوماليلاند في الاتجاه العكسي، حيث توجد مكاتب تابعة لبريطانيا والدنمارك وكينيا في العاصمة هرجيسا، كما يتواجد الاتحاد الأوروبي هناك بشكل متكرر. وبدلا من أن تقبل رشوة من بكين، كما فعلت دول أفريقية أخرى، اتجهت صوماليلاند إلى تايوان بسبب القيم التي تتشاركها الدولتان. وقد أرسلت بكين وفدا إلى هناك، سعى إلى تقديم رشى من أجل أن تغير هرجيسا سياستها، ولكنه عاد خالي الوفاض.
وهناك أسباب تجارية لانزعاج الصين من صوماليلاند، حيث أن التوسعات الجديدة في ميناء بربرة تنافس ميناء جيبوتي بشكل متزايد. كما أن “المحور” الإماراتي من الميناء، والذي يمر من خلال مطار جديد تموله أبوظبي، حتى حدود إثيوبيا، يجعل بربرة أكثر جاذبية. ويرى روبين أن آبي أحمد يتوقع أن يحظى بدعم الصين حال تحركه صوب زيلع، إذا لم يكن لمعاقبة تايوان، فليكن لدعم الاستثمارات الصينية في جيبوتي.
وأعلن وزير الخارجية الصيني وانغ يي الخميس خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الكيني في مومباسا أن بكين ستعين مبعوثا خاصا لها في القرن الأفريقي، في خطوة تعكس مدى اهتمام بكين بهذه المنطقة.
ويقول الباحث الأميركي إن آبي أحمد، كما هو دأبه، يخلط الواقع بالأمنيات، فالتوترات العرقية بين الصوماليين الذين يحكمون البلاد، وأبناء عرقية العفر المسيحية، ليست بالأمر الغريب على جيبوتي. وأي تحرك في صوماليلاند من شأنه أن يفاقم هذه التوترات، حيث إن صوماليي جيبوتي لهم أقارب هناك، كما أن العفر لهم أهل في إثيوبيا. وبذلك، من شأن أيّ هجوم إثيوبي على زيلع أن يشعل فتيل التمرد وأن يزعزع استقرار جيبوتي.
وبحسب روبين، يرى الكثيرون في أميركا أنه لا يجب أن يكون لواشنطن مصلحة في القرن الأفريقي، ولكنهم على خطأ، حيث أن ميناءي زيلع وجيبوتي يشرفان على مضيق باب المندب، حيث يتدفق جزء كبير من التجارة البحرية العالمية والأميركية.
ويقول روبين إن زعزعة الاستقرار في صوماليلاند وجيبوتي، أكثر دولتين استقرارا في القرن الأفريقي، من شأنه أن يطلق العنان لموجات هجرة جديدة في الشرق الأوسط وعبر البحر المتوسط، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار الدول وتعزيز الإرهاب.
وعلى أيّ حال فإنه إذا ما قررت إدارة الرئيس الأميركي أن تتحرك بشكل استباقي، قد تساعد الدبلوماسية الحكيمة في تجنب اندلاع أزمة. ويقول روبين إنه منذ تعيين جيفري فيلتمان مبعوثا خاصا للخارجية الأميركية للقرن الأفريقي قبل حوالي ثمانية أشهر، لم يذهب الرجل إلى صوماليلاند، بدعوى أنه ليس لديه وقت.
ويرجّح روبين أن السبب هو أن فيلتمان لا يريد أيّ إشارة قد تفسر على أنها اعتراف أميركي بصوماليلاند، ولكن هذا سبب هش، حيث أن زيارته لن تفعل ذلك، فالدبلوماسيون الأميركيون يزورون تايوان رغم كل شيء. وحتى الآن، أعرب مستشار سابق للأمن القومي الأميركي وثلاثة مساعدين لوزراء خارجية لشؤون أفريقيا علنا عن أسفهم لأنهم لم يعطوا صوماليلاند قدْرها. ويردد آخرون نفس المعنى، سرا.
كما أنه لا يجب تغليب الحساسية الدبلوماسية على فرص تجنب اندلاع حرب، فإسقاط وزير الخارجية بلينكن وفيلتمان صوماليلاند من الدبلوماسية الأميركية ستكون له عواقب حقيقية إذا ما فسر آبي أحمد والرئيس الصيني شي جين بينج تجاهل إدارة بايدن على أنه ضوء أخضر لشن عدوان جديد. ويقترح روبين أن يقوم فيلتمان بزيارة زيلع عبر هرجيسا، فذلك من شأنه أن يحول الضوء الأخضر إلى أحمر، وأن يؤكد أن أميركا تقر بثبات حدود صوماليلاند، فلقد آن الأوان لأن تكون “الدبلوماسية أولا”.

Exit mobile version