الصومال اليوم

تطور الجهادية السلفية في شرق أفريقيا.. صعود حركة الشباب الصومالية

عرض وترجمة: أحمد بركات

في فبراير 2007، فوضت الأمم المتحدة “بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال” (أميسوم) كجزء من استراتيجية خروج القوات الإثيوبية من الصومال، ومع دخول أول قوات أوغندية تابعة لـ “أميسوم” إلى البلاد كانت الحكومة الفيدرالية الانتقالية تتخذ من بلدة صغيرة بالقرب من الحدود الإثيوبية مقراً لها وتسيطر على جزء صغير من مقديشيو التي مزقتها الصراعات.

خاضت قوات “أميسوم” أربع سنوات من حرب المدن، فيما يمكن وصفه بـ “معركة ستالينجراد القرن الحادي والعشرين”، واستمر هذا الوضع حتى انسحبت “حركة الشباب” الإسلامية الصومالية من المدينة في أغسطس 2011.

منذ ذلك الحين، تخوض “أميسوم” معركة ضارية لمكافحة التمرد تحت لافتة “مهمة حفظ السلام”.

وفي عام 2014، توسعت “أميسوم” إلى قوة بلغت ذروتها، حيث بلغ قوامها 22 ألف مقاتل من ست دول.

على الجانب الآخر، غزت قوات كينية جنوب الصومال في أكتوبر عام 2011، على المستوى الظاهري، كان هذا الغزو يستهدف وقف غارات المتشددين الصوماليين العابرة للحدود، ولم يمض على هذا الغزو ستة أشهر حتى انضمت كينيا رسميا إلى (أميسوم)، ثم  تبعتها إثيوبيا في عام 2014. كانت المشاركة في “أميسوم” الممول من مانحين غربيين وسيلة منطقية اتخذتها كل من نيروبي وأديس أبابا لضمان التواجد العسكري الذي كان من المحتمل أن يلجآ إليه بشكل مستقل على أي حال (حتى اليوم، تحتفظ إثيوبيا بقوات إضافية في الصومال منفصلة عن “أميسوم”).

رغم ذلك، أثار الوجود العسكري الكيني والإثيوبي جدلاً كبيراً، حيث عزز سردية “حركة الشاب” بأن “أميسوم” تمثل أداة استعمارية جدية تهدف إلى تفكيك الصومال.

منذ أيامها الأولى، سعت قيادة “حركة الشباب” إلى الاندماج رسميا مع تنظيم القاعدة، لكن ابن لادن حث على عدم اتخاذ هذه الخطوة في إطار رغبته في المحافظة على درجة من “سياسة الإنكار” بين الجماعتين. كان ابن لادن يخشى من أن يؤدي الاندماج الرسمي بين التنظيمين إلى توجيه الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب صوب القرن الأفريقي، مستشهدا بتعرض جماعات موالية في الجزائر والعراق لضغوط متزايدة بعد إعلان بيعتها. إضافة إلى ذلك، كان ابن لادن يأمل في إقناع رجال أعمال خليجيين بدعم مشروعات التنمية في الصومال، وخشي من أن يؤدي الربط بين تنظيم القاعدة والمتمردين الصوماليين إلى صرف المانحين عن متابعة هذا العمل الخيري. رغم ذلك، كان خليفة ابن لادن، أيمن الظواهري، أقل تخوفاً من سلفه إزاء هذا الاندماج، ومن ثم، فقد أعلنت قيادة “حركة الشباب” بيعتها للظواهري في 9 فبراير 2012، مما عزز دور الحركة في الشبكة العالمية للقاعدة.

وفي العقد الثاني من هذه الألفية، شرعت “حركة الشباب” في تنفيذ عمليات خارجية بهدف إجبار الدول المشاركة بقوات في “أميسوم” على سحب قواتها من الصومال، ففي يوليو 2010، قام مقاتلو الحركة بقصف حفلة لمشاهدة كأس العالم في كمبالا بأوغندا مما أسفر عن مقتل 76 شخصاً، لكن هذا الهجوم جاء بنتائج عكسية، حيث دفع بأوغندا إلى الانتقال إلى العمل العسكري داخل الصومال. وفي عام 2014، هاجم انتحاريان من الحركة مطعماً في جيبوتي، مما أسفر عن مقتل مواطن تركي وإصابة العديد من الجنود الأوربيين. وفي عام 2016، قام مقاتل من حركة الشباب بتفجير قنبلة مزروعة في جهاز “لاب توب” على متن رحلة متجهة إلى جيبوتي من مقديشيو، مما أدى إلى حدوث فجوة في جانب الطائرة، لكنه لم يتمكن من إسقاطها في النهاية.

لكن أبرز هجمات “حركة الشباب” كانت ضد كينيا المجاورة، ففي سبتمبر 2013، تمكنت الحركة من لفت انتباه العالم بقوة عندما قام أربعة من مسلحيها باقتحام مركز تسوق “ويستجيت مول” الشهير في نيروبي، مما أسفر عن مقتل 67 شخصا، من بينهم العديد من الأوربيين. علاوة على ذلك، قامت الحركة بنشر تفاصيل الهجوم عبر بث مباشر على “تويتر” للجماهير في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى إحراج السلطات الكينية التي كانت تحاول إخفاء بعض التفاصيل المتعلقة باستجابتها المتأخرة وغير الفعالة. وفي أبريل 2015، قتلت الحركة 148 شخصا في حصار مروع امتد لعدة ساعات لجامعة جاريسا في شرق كينيا. وفي يناير 2019، نجح مقاتلو الحركة مجددا في استهداف إحدى المنشآت المهمة في نيروبي، مما أسفر عن مقتل 21 شخصا في حصار لفندق “دوسيت دي تو”.

وبرغم أن حركة “الشباب” خسرت أغلب المدن والبلدات الواقعة تحت سيطرتها تحت وطأة هجمات “أميسوم” في الفترة بين عامي 2009 و2015، إلا أن هذه الهجمات توقفت إلى حد كبير في السنوات الأخيرة، وهو ما أودى بالأوضاع في الصومال إلى أتون مأزق دموي. لقد توسعت قوات “أميسوم” بشكل مفرط، وبدأت في إعادة التمركز وتقليل الأعداد قبل موعد انتهاء مهمتها في ديسمبر 2021، مما منح الفرصة للحركة للعمل بحرية تامة في معظم أنحاء الريف الصومالي، ولا تزال “حركة الشباب” تحتفظ بالعديد من البلدات الكبيرة تحت سيطرتها، وبخاصة في وادي نهر جوبا الخصيب، والتي تمثل قاعدة العمليات الأساسية لها. لقد وعدت “أميسوم” قبل وقت طويل بشن “هجوم نهائي” ضد هذه المعاقل، لكن من غير المحتمل أن نشهد هجوما واحد قبل عام 2021، وحتى لو صوتت الأمم المتحدة لصالح تفويض “أميسوم” مجددا، فمن غير المؤكد أن تمتلك هذه القوات الموارد الكافية والإرادة اللازمة لشن هكذا هجوم. وقد تنوي كينيا الاحتفاظ بمنطقة عازلة لقواتها بالقرب من وادي نهر جوبا في حال انتهاء مهمة “أميسوم”، لكن من المرجح أن يكون هذا الموقف دفاعيا.

من ناحية أخرى، ليس بإمكان المشاركة العسكرية الأمريكية في الصومال، والتي زادت في عهدي الرئيسين أوباما وترمب، أن تفعل أكثر من تعطيل عمليات حركة الشباب. لقد شنت الولايات المتحدة 25 ضربة جوية في أول شهرين فقط من عام 2020، وهو تقريبا نفس عدد الغارات التي نفذتها في العراق وسوريا في نفس الفترة. ويعمل ما بين 500 إلى 800 جندي أمريكي، معظمهم من قوات العمليات الخاصة، في الصومال، إلى جانب ما يقرب من 350 في كينيا. ويمتلك المسؤولون العسكريون الأمريكيون طموحات متواضعة للغاية في هذه المهمة؛ إذ أن نهجهم في “المشاركة المصممة خصيصا” يقصد به مجرد توفير المساحة الزمنية والمكانية للشركاء الصوماليين لتطوير قدراتهم على محاربة “حركة الشباب” بشكل مستقل.

(يُتبع)

جيمس بارنيت – باحث وكاتب مستقل ومحرر في مجلة The American Interest

*هذه المادة مترجم يمكن مطالعة النص الأصلي وهوامش الدراسة باللغة الإنجليزية على هذا الرابط:

https://www.hudson.org/research/16075-the-evolution-of-east-african-salafi-jihadism

Exit mobile version