لم يمر عام 2021 بسلام على رئيس الصومال المنتهية ولايته محمد عبدالله فرماجو، بعد سلسلة انتهاكات ارتكبت بحق الشعب الذي يعاني منذ وصوله للحكم.
أبرز تلك الانتهاكات والتي كانت بمثابة القشة، قضية إكرام تهليل فارح، موظفة جهاز المخابرات الصومالي المفقودة منذ 26 يونيو/حزيران الماضي، وسط تضارب الروايات حول مصيرها.
وذكر جهاز المخابرات الصومالي أن حركة “الشباب” قتلت إكرام، لكن الحركة نفت الأمر وفجرت قنبلة عنقودية لا تزال تواصل حصد الدائرة الضيقة لفرماجو، وفي مقدمتها، فهد ياسين المدير السابق للمخابرات الصومالية.
أسرة إكرام اتهمت المخابرات بالوقوف وراء اختفاء ابنتهم، ومع تضييق الخناق، لجأ رجال فرماجو للبحث عن ملاذ ينقذهم من الملاحقة القضائية، حيث يصارع كبار ضباط المخابرات وفي مقدمتهم ياسين للحصول على مقاعد نيابية خلال الانتخابات التشريعية بكل السبل بما فيها الاختطاف كما فعل المدير المؤقت لجهاز المخابرات الحالي ياسين فري الذي اختطف مقعد عشيرته في البرلمان.
وقبل حصانة البرلمان أوصل فرماجو جميع المتهمين في القضية إلى مناصب أمنية معقدة، حيث عين فهد ياسين المستشار الأمني له، بعد طرده من هرم جهاز المخابرات الوطني.
في 26 يونيو/حزيران اختفت إكرام بعدما تم استدعائها إلى مقر المخابرات، وبحسب أسرتها لم تعد بعد ذلك التاريخ ولم يرى أي أثر لها، وبعد أسبوعين من اتصالات سرية بين كبار مسؤولي المخابرات وأسرتها، تحدثت الأخيرة إلى وسائل الإعلام .
وأثارت القضية ضجة كبيرة دفعت القضاء العسكري الصومالي في 27 يوليو/ تموز لتشكيل لجنة تحقيق لتقصي الحقائق حول القضية، ولم تسطع اللجنة إحراز أي تقدم بسبب تعنت فهد ياسين، وفق ما ذكرته النيابة العسكرية لرئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلى .
تضارب الروايات
في 2 سبتمبر/أيلول الماضي أعلنت المخابرات في بيان، مقتل إكرام على يد حركة الشباب بعد تسليمها دون إعطاء تفاصيل، لكن سرعان ما نفت الحركة الأمر.
وفي 4 سبتمبر/أيلول أعلن رئيس الوزراء عدم قبوله رواية المخابرات وأمهل مديرها آنذاك فهد ياسين 48 ساعة لتقديم تقرير مفصل ومقنع بشأن القضية .
لكن رد ياسين في 5 سبتمبر/أيلول، ودعوته لعقد مجلس الأمن القومي المكون من الرئيس، ورئيس الوزراء ورؤساء الولايات وقادة الجيش ووزراء الأمن، الدفاع والعدالة والخارجية، في خطوة وصفت بإهانة أمر رئيس الوزراء .
وفي 6 سبتمبر/ أيلول أعلن روبلي طرد ياسين من رئاسة المخابرات، متهما إياه بالتدخل في الشؤون السياسية، ودمج أجهزة الأمن فيها، وعدم صدق رواية المخابرات بقتل إكرام، وتعنته بعدم الامتثال لأوامر رئيس الوزراء بتقديم تقرير مفصل عن قضية إكرام.
رفض فرماجو في اليوم نفسه قبول عزل ياسين، غير أنه في 8 سبتمبر/أيلول الماضي نفذ القرار لكن عينه مستشار الأمن القومي، وعين العقيد ياسين عبدالله محمود، المدير المؤقت لجهاز المخابرات، متجاهلا تعيين الجنرال بشير محمد جامع من جانب رئيس الوزراء، وطرد روبلى وزير الأمن السابق حسن حندبي جمعالي، وعين عبدالله محمد نور خلفا له، ورفضه فرماجو في الثامن من سبتمبر .
وأعلن فرماجو في 16 من سبتمبر/أيلول سحب صلاحيات رئيس الوزراء لوضعه في أزمة سياسية وتفجر الوضع السياسي، ووضع ملف إكرام تحت الطاولة، ودخول تسويات سياسية انتهت مؤخرا إلى تسوية الخلاف السياسي بين فرماجو وروبلي، والاتفاق على تحقيق النيابة العسكرية في الملف دون تدخل السلطة التنفيذية .
وفي 26 من أكتوبر/تشرين الأول، بعد 5 أيام من تسوية خلاف فرماجو وروبلي، زار رئيس الوزراء مقر المخابرات وأمر المدير المؤقت ياسين فري بتسهيل التحقيق في القضية والتعاون مع النيابة العسكرية .
وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أكدت مصادر أمنية صومالية حذف تسجيلات كاميرات المراقبة في اليوم الذي اختفت فيه إكرام، وشكل ذلك الأمر منعطفا في التحقيق، حيث توقف بشكل كامل.
ورفض جهاز المخابرات دخول لجنة التحقيق إلى المقر، وأجرت تحقيقا داخليا مع المتهمين وقدمت إجابات المتهمين إلى اللجنة .
وفي 22 نوفمبر/تشرين الثاني أعلن رئيس لجنة التحقيق اللواء عبدالله بولي كامي، رئيس النيابة العسكرية بأنهم حققوا مع شخصيات من بينهم القائد السابق للمخابرات، فهد ياسين، والقائد الحالي، ياسين فري، و3 ضباط آخرين من كبار مسؤولي الجهاز، لافتا إلى عدم وجود دليل على تورط المخابرات في مصير إكرام، داعيا إلى مشاركة كل من لديه معلومات حول مصير إكرام مع السلطات الجنائية والقضائية في البلاد .
وأعلنت أسرة إكرام بأن نتائج التحقيق مشبوهة وتهدف إلى تبرئة المتهمين الرئيسيين من رجال فرماجو وعلى رأسهم فهد ياسين والضباط الآخرين .
ويرى مراقبون أن القضية ستلاحق مسؤولين صوماليين بينهم فهد ياسين، وسيتحدث التاريخ عن قضية موظفة بجهاز المخابرات اسمها “إكرام تهليل فارح”، أطاحت بأقوى رجال فرماجو.
ويعيش الصومال حاليا وضعا سياسيا على صفيح ساخن بعد قرارات اتخذها فرماجو واعتبرها روبلي انقلابا عليه.
فقد أعلن الرئيس الصومالي تعليق مهام رئيس الوزراء وذلك في سياق خلاف حول تنظيم انتخابات طال انتظارها في هذا البلد غير المستقر في منطقة القرن الإفريقي.
ومساء السبت قال فرماجو في بيان إن “رئيس الوزراء فشل في أداء واجبه إجراء انتخابات على أساس اتفاق 17 سبتمبر/أيلول 2020” الموقع منذ أكثر من 15 شهرا وكان يفترض أن يستخدم كخط توجيهي للاقتراع.
واتهم روبلي الرئيس بمحاولة “الانقلاب على الحكومة والدستور وقوانين البلد”.
وأضاف روبلي في مؤتمر صحفي في مقر رئاسة الوزراء الإثنين تمكن من تنظيمه رغم الانتشار العسكري الكثيف، “بما أن الرئيس قرر على ما يبدو تقويض المؤسسات الحكومية (…) فقد أمرت جميع القوات الوطنية الصومالية بالعمل تحت قيادة مكتب رئيس الوزراء اعتبارًا من اليوم”.