مع طي صفحة ٢٠٢١، يسجل متابعو الشأن الصومالي زيادة في الهجمات الإرهابية وتراجعا في العمليات العسكرية رغم الأداء الأمني الجيد.
وخلال الـ١٢ شهرا الماضية، ركز الجيش الصومالي عملياته ضد حركة “الشباب” الإرهابية المرتبطة بتنظيم “القاعدة” أكثر من داعش بسبب محدودية المناطق التي يوجد بها الأخير في مناطق جبلية بولاية بونتلاند شمالي شرقي الصومال .
وفي مسح على إذاعة صوت الجيش الرسمية التي تعد أول مصدر عسكري رسمي، لعدد العمليات التي نفذها الجيش الصومالي في جميع مناطق البلاد تم التوصل إلى الأرقام التالية:
ففي النصف الأول من 2021، نفذ الجيش الصومالي 84 عملية عسكرية وأمنية ضد حركة “الشباب” الإرهابية أسفرت عن مقتل 901 عنصر وقيادي، وإصابة 231، واعتقال 56 من بينهم قيادات بارزة، فضلا عن إحباط 14 تفجيرا، وتحرير 3 بلدات فقط وتدمير إذاعة.
أما في النصف الثاني، فشن الجيش الصومالي 70 عملية أسفرت عن مقتل 459 عنصرا من حركة الشباب بينهم قيادات، وإصابة 37، واعتقال 21 من بينهم قيادات أيضا، بالإضافة إلى إحباط 6 تفجيرات، وتحرير 30 من البلدات والقرى واستلام 13 عنصرا وقياديا إضافة إلى شن ٤ غارات جوية ضد مسلحي الشباب .
أسباب تراجع عمليات الأمن
وقال المحلل الأمني الصومالي سعيد صالح” إن عمليات الجيش الصومالي تراجعت بشكل كبير مقارنة بالعامين الماضيين وذلك يعود لجملة من العوامل.
أول هذه العوامل هي الانسحاب الأمريكي من الصومال، وفق سعيد، الذي رأى أن هذه الخطوة مثلت “ضربة قاصمة في ظهر القوات الحكومية التي تقاتل مليشيات الشباب لأن عمليات القوات الصومالية فقدت الحسم والرزانة التي كانت تتسم بها أثناء الوجود الأمريكي”.
وعلى مدار سنوات، قدم الجانب الأمريكي الدعم الفني والمشورة والمعلومات الاستخباراتية، ما ساعد القوات الصومالية على تنفيذ عمليات استباقية، ودراسة المناطق قبل مهاجمتها.
ويتابع صالح “ثاني العوامل هو عدم مشاركة القوات الأفريقية “أميصوم” الفعالة في العمليات العسكرية”، موضحا “لم تكن قوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال حاسمة في العمليات العسكرية ضد حركة الشباب بسبب انتهاء تفويضها، ووجود خلافات بين الاتحاد الأفريقي والحكومة الصومالية”.
عامل آخر ساهم في تراجع العمليات العسكرية، هو عدم امتلاك القوات الحكومية لأسلحة نوعية تمنحها تفوقا على التنظيمات الإرهابية.
وبعيدا عن العمليات الأمنية اليومية، نفذ الجيش الصومالي عمليتين عسكريتين كبيرتين خلال 2021 في لايتي هيرشبيلى وغلمدغ في شهري مايو/أيار ويوليو/تموز على الترتيب، ولم يحقق مكاسب كبيرة بل خسر قيادات عسكرية بارزة في العمليتين، وفق صالح.
ويعتبر صالح أن تجربة سيطرة طالبان على أفغانستان كانت بالغة التأثير على الصومال، حيث حفز الأمر حركة الشباب التي استغلت الأحداث في الأراضي الأفغانية، في تجييش مشاعر مسلحيها في القتال على الحكومة، ما أدى في النهاية لتكثيف هجماتها وزيادة الضغط على الجيش الصومالي.
عامل رابع أدى إلى تراجع العمليات الأمنية ضد حركة الشباب الإرهابية، هو قطع الاتحاد الأوروبي جزء كبير من تمويله لبعثة اتحاد الأفريقي لحفظ السلام في البلاد، وخاصة القوات الكينية على خلفية انتهاكات لحقوق الإنسان في إقليم غدو الواقع على حدود الصومال وكينيا.
وفق المحلل الأمني صالح، فإن الخلافات السياسية بين قادة الصومال على مسار الانتخابات أثرت أيضا، بشكل سلبي وحاد على أداء القوات الحكومية في حربها ضد الإرهاب خلال 2021، ويظهر ذلك في سعي قيادات أمنية وعسكرية رفيعة للفوز بمقاعد نيابية خلال الانتخابات التشريعية الجارية.
على جانب آخر، لم تنفذ الدول الصديقة للصومال إلا 7 غارات جوية فقط ضد تنظيم “الشباب” الإرهابي خلال ٢٠٢١.
ووفق صالح، أدى تراجع الغارات ومحدوديتها إلى فقدان القوات الحكومية التفوق النوعي ضد حركة الشباب خلال العمليات الميدانية،
وكانت الغارات الجوية مهمة لأنها كانت تصطاد القيادات الإرهابية الرفيعة التي تبتعد عن ميادين المعارك.
تزايد الهجمات الإرهابية
في المقابل، يقول الخبير العسكري الصومالي عبدالواحد محمود حسن “خلال 2021، كثفت حركة الشباب الإرهابية هجماتها الإرهابية والاغتيالات، لعدة أسباب رئيسية”.
وتابع “أحد هذه الأسباب هو سعي الحركة في كل موسم انتخابي إلى إظهار نفسها كقوة شر تخريبية من أجل تسويق نفسها خلال الفترة الانتقالية وتحدي العالم”.
ويرى عبدالواحد أن حركة الشباب تستغل الفراغ الأمني الذي يحدث في فترات الانتخابات، حيث تركز مؤسسات الدولة على الأوضاع السياسية أكثر من تركيزها على تعزيز الوضع الأمني.
ووفق عبدالواحد، هناك سبب آخر في تزايد العمليات الإرهابية، هو امتلاك “الشباب” موارد مالية كبيرة، إذ ذكرت تقارير أنها تجمع كل عام أكثر من 100 مليون دولار أمريكي داخل الصومال.
كما استفادت الحركة من الصراعات المحلية التي مر بها الصومال عام 2021 مثل معارك ولاية غلمدغ مع تنظيم أهل السنة والجماعة، والاشتباكات المسلحة الرافضة لتمديد ولاية السلطات الرئيسية في البلاد، والتي وقعت في مقديشو.
وتمثلت هذه الاستفادة في بيع حركة “الشباب” السلاح لبعض الأطراف، وحصولها على مساحة كبيرة لإعادة التموضع مجددا وتصحيح حساباتها العسكرية في ظل انشغال القوات الحكومية بملفات أخرى، وفق عبدالواحد.