الحقيقة المؤلمة خلف مشهد خروج صوماليين من مدينة صومالية ومن أرض صومالية ، وهم المطرودين من صوماليين إلى مدينة صومالية أخرى ، و على مر ومسمع وعلم صومالي آخر ، هي أن أعمق مشكلاتنا تكمن في ( سوء نظرتنا إلى الإنسان شريك الأرض ) فنظلمه ، نقيد طاقاته ، نحاصره ، نسد في وجهه الأبواب ، نستكثر عليه بأنه شريك منتج ، نلاحقه بتهم ، لا نقيم له محاكمة عادلة ، نناصره افتراضياً لا واقعياً ، نتوجس منه ، نصنفه قبليا ، طبقياً، ننشر حوله القصص الوهمية، والأفكار الخرافية ، حتى تصبح تلك الأفكار لنا عادة و العادة تصبح ثقافة ، والأسوأ من ذلك هو أن نعلم بأن هذه الثقافة القائمة على الخوف و التنفير و العداء الآخر هي السائدة ، هي التي تدعمها القصيدة و الحكمة ، هي التي تقوم عليها السياسة ، هي التي تباركها العدالة الصومالية ، ويفهمها المنطق الصومالي ، وهي التي تُفقدنا كرامتنا و وجودنا ، وإنسانيتنا ، وديننا .طرد دغل ومرفلة الأخير من مدينة لاسعانود ليس هو الطرد والأول ، فالذاكرة الصومالية وأن “تناست ” تحمل مشاهد مشابهة لمشهد خروجهم من مدن صومالية أخرى ، ولان يكون الأخير لهم ، مدام في عقل و ضمير الصومالي فكرة إقصائهم ، وأي إقصاء أعظم بأن يعاملوا إلى اليوم على إنهم ” مواطني درجة ثانية”.المؤلم في المشهد الأخير هي حقيقة أننا فشلنا أن نكون مجتمع إنساني ، وأننا فشلنا في تغيير المجتمع الصومالي ، ليست الإنسانية أن نحتفي بتوزيع العصائر وقطع الخبز ، ونرفع الشعارات التضامن على وسائل التواصل ، ونُلقي الخطب المنمقة من خلف الشاشات ، إنما الإنسانية هي أن لا نتماهى مع الظلم ، ولا نبرر الظلم ، ولا نقف متفرجين أمام أسياد الظلم ، و لا نكتفي بأقل الإيمان ،ولا نجعل الأحداث تمضي دون محاسبة ، ولا نسمح بأن تعتاد أعيننا على مشهد طرد الصوماليين .وجوه الأطفال والنساء وملامح تعبيراتهم الصادمة وهم فوق الشاحنات ليلاً، والشكاوى التي يرفعها الرجال إلى الله ، مُخيفة جداً ، ومخيبة للآمال ، ومنبه بأن التغيير الاجتماعي الذي وصلنا إليه لم يعالج أمراضنا الاجتماعية بحق ، فكل الجهود البراقة ، والتعليم الخارجي والداخلي ، والاتفاقيات الدولية و المحلية ، والتفاهمات البينية التي بُذلت في السنوات الماضية ، لم تستطع معالجة تضخم الذات و غرور الأنا و نزعة المركزية، و لم تنجح حتى في نسج وحده صومالية شبه حقيقية ، ولم تجعل لكلمات المسجد صدى على أرض الواقع ، وهذا تهديد حقيقي لوجودنا كمجتمع ، فنحن ممزقون بشكل كافي ، و السماح بمرور أشكال تمزق جديد ، هي إيذان بهلاك المجتمع ، ونهاية أمة لا يبقى حينئذ منها إلا ذكرى مدفونه في كتب التاريخ.