مهرجان البحر الأحمر يحتفى بعودة السينما فى الصومال والسعودية بعد غياب 30 سنة
شهدت الدورة الافتتاحية لمهرجان البحر الأحمر السينمائى الدولى، حالة من الاحتفاء بعودة السينما لدولتين بعد غياب أكثر من 30 سنة. بطبيعة الحال كانت السعودية المنظمة للمهرجان الدولة الأولى التى اختفت فيها السينما منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضى، وحتى عام 2018، أما الدولة الثانية فهى «الصومال» التى يعرض المهرجان لها فى قسم «اختيارات عالمية»، وفيلم «زوجة حفار القبور» الذى يعد أول فيلم صومالى يعرض على شاشة السينما فى مقديشيو منذ اندلاع الحرب الأهلية نهاية الثمانينيات، وأول فيلم بشكل عام يمثل الصومال رسميا فى منافسات الأوسكار.
البداية مع تجربة «زوجة حفار القبور» التى نالت استحسان كثير من ضيوف «البحر الأحمر» على الراغم من تأكيد مخرجه فى الندوة التى أعقبت عرضه، بأنه تعلم الإخراج بنفسه، كما استعان بممثلين غير محترفين تم تدريبهم، لعدم وجود ممثلين فى الصومال.
تدور أحداث الفيلم حول «جوليد» الذى يصاب بالصدمة عندما يتم إبلاغه بأن زوجته «نصرة»، ستموت إذا لم تخضع لعملية جراحية بتكلفة باهظة تصل إلى خمسة آلاف دولار، ولأن عمل حفار القبور لا يعود على صاحبه إلا بالقليل من الدخل، يضطر «جوليد» فى محاولة يائسة، إلى العودة لقرية والدته التى كان قد هرب منها ليتسول المساعدة.
وقال مخرج الفيلم خضر عيدروس أحمد، فى تصريحات لـ«الشروق»، إن القصة مستوحاة من قصة عائلية، وحادثة كبيرة وقعت قبل ١٠ سنوات، تحمس لكتابتها، ولكن تنفيذ العمل استغرق وقتا طويلا، لأنه ليس مخرجا محترفا وقرر أن يتعلم الإخراج بنفسه، بالقراءة أولا، ثم بالتدريب فى صناعة الأفلام القصيرة، قبل أن يشعر أنه قادر على صناعة فيلم طويل.
وأعرب «عيدروس»، عن سعادته باختيار الدولة الصومالية للفيلم ليكون مرشحا رسميا عنها فى سباق الأوسكار المقبل، على الرغم من أنها لم تموله ماليا، مشيرا إلى أنه أول فيلم تهتم الحكومة بدعمه، ومؤكدا أنه سيفتح الباب لأفلام أخرى تدعمها الدولة فى المستقبل، مشددا على أنه شخصيا يخطط لإخراج أفلام سينمائية فى الصومال ودول أخرى افريقية، ليخبر القصص الإفريقية كما يراها وليس كما يريدها الغرب.
وقال «عيدروس» إن الصومال لديها المسرح الوطنى فى مقديشيو، سبق أن عرضت فيه أفلام فى الماضى حتى نهاية الثمانينيات، ولكن منذ بدأت الحرب الأهلية، يعد هذا هو أول فيلم صومالى يتم عرضه على الشاشة، أى منذ أكثر من 30 سنة، كما أنه أول فيلم صومالى يلقى نجاحا على الصعيد الدولى فى عدد من مهرجانات العالم، لكن الأهم كان الاستقبال الإيجابى من الجمهور الصومالى، الذى شاهد الفيلم من الأجيال الجديدة المنفتحة، معتبرا الفيلم ليس فقط بداية جديدة للسينما فى الصومال، وإنما ثورة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ونفى «عيدروس» أن يكون الفيلم واجه اعتراضات أو رفض من الجماعات المتطرفة، مؤكدا أنه كان خائفا فى البداية من رد الفعل على مشهد الاستحمام، ولكنه لم يتعرض لأى انتقادات.
فى حين، أوضح بطل الفيلم عمر عبدى، أنه كان هناك اتفاق بين صناع الفيلم، من اللحظة الأولى، على احترام تقاليد الشعب الصومالى، بعدم تقديم مشاهد جنسية واباحية، والتركيز على الحب الحقيقى والطاهر بين بطلى القصة «نصرة» و«جوليد».
فى السياق ذاته، يسخر مهرجان البحر الأحمر، فعالياته للاحتفاء بعودة السينما السعودية إلى الحياة، بعد غياب أكثر من 30 سنة، ويسلط الضوء على الطفرة التى تشهدها الصناعة فى الوقت الحالى، من افتتاح صالات العرض، وإنتاج أفلام المحلية، بالإضافة إلى تدريب كوادر سعودية لتكون قادرة على حمل الراية فى السنوات القادمة، ولم يكن اطلاق الدورة الافتتاحية لمهرجان البحر الأحمر السينمائى، إلا تتويجا لهذه الجهود التى تستهدف تحقيق نهضة سريعة، تساعد هذه الصناعة الناشئة فى المملكة، على اللحاق بالسينما فى المنطقة العربية.
حرصت إدارة المهرجان، على إتاحة مساحة لصناع الأفلام فى السعودية على عرض أعمالهم، فى أقسام المهرجان المختلفة، حيث يعرض لنقاد المنطقة والعالم، نحو 27 فيلما طويلا وقصيرا، تعكس المجتمع السعودى، ويمكن من خلالها اكتشاف الجيل الجديد من المواهب السينمائية السعودية.
كما شهدت الفعاليات أيضا على الإعلان عن الخطط والمشاريع المقبلة لهذه الصناعة، ومنها المؤتمر الصحفى لمركز الملك عبدالعزيز الثقافى العالمى (إثراء)، والذى كشف عن مساهمته فى تطوير محتوى أكثر من 104 أعمال فنية، ولكنه ركز على مشروعات كبيرة يتم العمل على إنتاجها حاليا فى المملكة، مثل: «بحر الرمال» إنتاج محمد حفظى، وفيلم «طريق الوادى»، إخراج السعودى خالد فهد، ومن المقرر إطلاقهما عام 2023، بالإضافة إلى الفيلم الوثائقى «ضد السينما» إخراج على سعيد، الذى يحكى قصة السينما السعودية، وعرضت منه لقطات خلال المؤتمر، تكشف عن حالة الرفض والمقاومة التى تعرضت لها السينما فى السعودية منذ ثمانينات القرن الماضى تقريبا، وكيف أن المواطن السعودى كان يذهب لدولة البحرين لكى يشاهد فيلما، قبل أن تعود السينما قبل سنوات، وتفتح كثير من صالات العرض، بالتوازى مع انتعاشة فى الإنتاج والتدريب.
وقال على سعيد مخرج «ضد السينما»، إنه من الجيل الذى عاش الـ٢٠ سنة الأخيرة التى عانت فيها صناعة السينما بالسعودية، وقرر أن يصنع هذا الفيلم، بعد قراءة عدد من الكتب التى تؤرخ للسينما، ولم يجد شيئا عن السينما فى بلاده، فقرر أن يوثق هذه المرحلة فى فيلما سينمائيا، بدءا من اختفاء السينما بعد حادث جهيمان فى نوفمبر 1979، وحتى عادت مرة أخرى فى 2018 بافتتاح صالات العرض وزيادة الإنتاج وانتعاش الصناعة.
وأوضح «سعيد» فى تصريحات لـ«الشروق»، إن الفيلم يتناول القصة المثيرة للسينما السعودية التى عاشها المجتمع لسنوات طويلة، ويؤرخ لحالة التضاد مع السينما، لتعرف الأجيال الجديدة، أن هناك شرائح فى المجتمع كانت لا تريد السينما فى السعودية، وكيف كان هناك فى المقابل إصرار ومقاومة من صناع الأفلام ومحبيها، حتى انتصرت إرادة الحياة وافتتحت مرة أخرى صالات العرض فى 2018.