الصومال اليوم

متحور “أوميكرون” ومعاقبة أفريقيا

لا تزال جائحة كورونا تهاجم العالم بأشكال مختلفة كان آخرها متحور أعلنت د.أنجيليك كوتزي، رئيسة الجمعية الطبية بجنوب أفريقيا اكتشافه.

وتم إبلاغ منظمة الصحة العالمية بالأمر في 24 نوفمبر 2021، والتي أطلقت عليه اسم “أوميكرون”.

ووقتها، تقدَّم وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بالشكر لدولة جنوب أفريقيا على الشفافية التي تتمتع بها، وقرارها بالإعلان عن هذا المتحور الجديد، وعدم التستر على وجوده فيها.

في الأيام القليلة التالية، اجتاحت العالم حالة من الهلع بسبب هذا المتحور، خاصة بعد ما رددت أجهزة الإعلام معلومات عن سرعة انتشاره بدرجة تفوق سابقه “دلتا”.

يدل على ذلك أن أعراضه ظهرت على أفراد في دول أوروبية وآسيوية وفي الولايات المتحدة وكندا، وهذا بالطبع إلى جانب عدد من الدول الأفريقية.

وأدى هذا الانتشار الواسع إلى تضخيم أخطار هذا المتحور وزيادة الخوف من آثاره على الصحة العامة، خصوصاً أن المعلومات بشأنه لم تكن متوافرة بعد، وهي الحالة التي اعتبرتها منظمة الصحة العالمية بأنها غير مبررة، ووصفتها بـ”الهستيريا الجماعية”.

ودار نقاش حول ما إذا كانت اللقاحات الموجودة حاليا قادرة على مواجهة القادم الجديد أم أن له صفات تتطلب تطوير لقاحات جديدة.

وعقد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، اجتماعاً مع رؤساء الشركات المُصنِّعة لهذه اللقاحات لبحث الأمر معها.

في هذا السياق، أصدر عدد كبير من الدول قرارات بمنع السفر من وإلى جنوب أفريقيا وبعض الدول المجاورة لها، وهكذا، فبدلاً من أن يكافئ العالم أطباء جنوب أفريقيا، الذين اكتشفوا وجود المتحور “أوميكرون” ونبهوا العالم إليه، وأن يمد يد المساعدة لها بإرسال كميات ضخمة من اللقاحات، فإنه فرض عقوبات من شأنها التأثير على الحالة الاقتصادية في البلاد.

وعبَّر رئيس جنوب أفريقيا عن غضبه تجاه هذه القرارات، وأن بلاده تُعاقَب لأنها أبلغت العالم مُبكراً باكتشافها هذا المتحور الجديد، ووصف كثير من المعلقين في جنوب أفريقيا القرارات بـ”العنصرية”، وأن بلادهم أصبحت “كبش فداء”.

وصرَّح الأمين العام للأمم المتحدة بأن هذه القرارات “ذات طابع عُنصري وتمييزي”.

ولكن تدريجياً صدرت تقارير طبية توضح أن هذا المتحور لا ينطوي على أخطار تفوق متحور “دلتا”، الذي لا يزال الأكثر انتشاراً في العالم والأكثر سبباً في وفيات المُصابين به، وأن أعراض متحور “أوميكرون” أخف وأقل وطأة من المتحورات السابقة.

في الأسبوع الماضي حدث تطوران هامان، الأول هو إصدار منظمة الصحة العالمية تقريراً يفيد بأن تأثير “أوميكرون” ضعيف، وأنه لم يؤدّ إلى ازدياد نسبة الوفيات في جنوب أفريقيا، ودعت المنظمة دول العالم إلى إلغاء القيود التي كانت قد فرضتها على السفر.

والتطور الثاني هو تصريح د.أنتوني فاوتشي، كبير أطباء الأمراض الوبائية في أمريكا، والذي أكد النتائج نفسها التي وصلت إليها منظمة الصحة العالمية حول “أوميكرون”.

واتصالاً بذلك، صرَّحت مديرة مراكز السيطرة على الأمراض في أمريكا بأن متوسط عدد المصابين بفيروس كورونا يبلغ يومياً 100 ألف شخص، تسبب متحور “دلتا” في إصابة 99% منهم.

يثير هذا الموضوع عدداً من الدلالات السياسية والأخلاقية، منها مثلاً:

أن دول الاتحاد الأوروبي، التي منعت السفر مع جنوب أفريقيا، لم تصدر قرارات مماثلة بالنسبة للسفر بين دول الاتحاد رغم اكتشاف عشرات الإصابات بها.

ومنها أيضا أن الولايات المتحدة لم تغلق حدودها مع أي دولة من الدول التي انتشر فيها “أوميكرون”، سوى عدد من الدول الأفريقية.

ومنها أن المصدر الرئيسي للمرض على مدى شهور هو أوروبا والولايات المتحدة، ولم يغلق العالم أبوابه معهما.

ومنها اختلاف مواقف الدول الأفريقية، فبينما كانت جامبيا أول دولة أفريقية تطبق إجراءات منع السفر مع جنوب أفريقيا والدول المجاورة لها، فإن رئيس السنغال انتقد هذا الموقف ودعا الدول الأفريقية إلى مُساندة جنوب أفريقيا وعدم إغلاق الأبواب أمامها.

وهناك مفارقة لا تخلو من غرابة تتصل بالعلاقة بين جنوب أفريقيا وشركة “جونسون آند جونسون”، فقد شاركت جنوب أفريقيا في التجارب السريرية التي أجرتها الشركة قبل اكتشاف لقاحها.. وعلى أرضها يوجد مصنع للشركة أنتج ملايين الجرعات من اللقاح التي صُدِّرت إلى دول العالم الغنية القادرة على الشراء، بينما لم يستفد منها سكان البلاد.

لذلك وصف عدد من القادة الأفارقة لقاح “جونسون” بأنه “لقاح الفصل العنصري”.

إن انتشار “أوميكرون” يؤكد أن العالم لن يكون آمناً إلا إذا تم تلقيح غالبية سكانه، وأن المفارقة القائمة بين الدول الغنية، التي لقحت أكثر من 70% من مواطنيها، وبين الدول الفقيرة التي تقل النسبة فيها عن 10%، تؤكد أن الأغنياء لن يتمتعوا بالأمن وسوف يبقون أسرى الخوف من انتقال متحورات جديدة من الفيروس إليهم.

فلماذا تتم مُعاقبة أفريقيا؟

Exit mobile version