هنا وقف قبل عدة عقود الكاتب الأمريكي جيمس بالدوين، الذي هرب من عنصرية أمريكا بحثاً عن الإنسانية، وملاذ آمن يستطيع الزنجي أن يعيش فيه كالبشر. عندما وصل الكاتب الذي حوّل الكتابة إلى كفاح، واستخدم الأدب كسلاح لإثبات الذات إلى إسطنبول في العقد السادس من القرن العشرين كانت متعبة بالانقلابات العسكرية وسطوة الجنرالات ورائحة البالوعات.
وكان الكاتب مريضاً ومحبطاً وراحلاً نحو إفريقيا، وهارباً من الظلم والعدالة المفقودة، بينما هربتُ أنا من روتين الحياة وإحباط الواقع ومخاوف المستقبل، وسئمت من حروب لا تنتهي.
ولقد شدّ الكاتب المغمور رحاله نحو المدينة الحزينة يحمل مسودة روايته «بلد آخر» وفي سياق مشابه ها أنا أحمل هموم جيل صومالي مهزوم وفي جعبتي كتابان، أحدهما يتناول قضية تشبه تلك التي هرب منها ابن هارليم؛ الظلم والعنصرية في المجتمع، وأمل أن يكون جماهيرياً يدخل كل بيت صومالي، ليس لأنه الأفضل، بل لأنه يعالج قضية إنسانية تؤرقنا جميعاً. أمّا الآخر فيتطرق إلى ذكريات ومآسٍ وحروب، وبهجة الأدب ولذة العلم والتنقل بين المدن والأوطان، إنه سيرة ذاتية من نوع خاص. وفوق ذلك ما زلت كاتباً مغموراً وصوتاً قادماً من الهامش، تحيطه العقبات وتتجاذبه اللغات؛ لغته الأم (الصومالية)، ولغة (العربية) صنعته وفتحت له آفاق الفكر والثقافة والأدب.
حسن محمود قرني
١٨ أيار ٢٠٢١
تقسيم – إسطنبول