يشعر مراقبون للشأن السياسي الصومالي بالقلق حيال مآلات الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، إذ لا يزال المشهد السياسي ضبابيا في ما يتعلق بالآلية التي ستجرى بها الانتخابات، وسط سجال دائر يزداد سخونة بين الحكومة والمعارضة وبين الأقاليم التي تعد عنصرا مهما في معادلة بسط الاستقرار ومكافحة الإرهاب.
وهناك قضايا محل خلافات عميقة في مواقف الولايات الإقليمية الخمس وهي جوبالاند وجنوب غرب الصومال وهيرشبيلي وجلمدغ بونت لاند، حيث يتركز التباين في الرؤى على ثلاث مسائل أساسية تتعلق بدور اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والدوائر الانتخابية ودور الأحزاب السياسية.
ويعتقد مركز مقديشو للدراسات الاستراتيجية أنه يبدو للوهلة الأولى أن الرؤى غير متطابقة بخصوص طريقة إجراء الانتخابات، لكن التحركات المعلنة تشي عكس ذلك تماما، وتؤكد على وجود تطابق كامل في المواقف بين الولايات الإقليمية حيال معظم المسائل والقضايا العالقة.
وقال محمود علي نور الباحث السياسي الصومالي إن الخلاف بين الأحزاب السياسية في الأقاليم يقتصر على كيفية إدارة المشهد برمته، وكذلك لغة التخاطب مع الحكومة الاتحادية من حيث الشدة والمرونة فبعضها يفضل مجاملة الرئيس محمد عبدالله فرماجو والحكومة الاتحادية اتقاء ردود أفعالهما.
انتخابات شعبية
مهد توقيع فرماجو، قانون الانتخابات الجديد المسمى “صوت واحد لشخص واحد” بعد تمريره في البرلمان، الطريق لتنظيم أول انتخابات برلمانية عبر “الاقتراع الشعبي المباشر” منذ عقود، بدلا من نظام المحاصصة القبلية. ووفق القانون الجديد، فإن أعضاء البرلمان يجري انتخابهم عبر اقتراع شعبي مباشر، في حين ينتخب أعضاء البرلمان رئيس البلاد وفقا للدستور.
وبذلك يطوي نظام المحاصصة القبلية المعمول به حاليا، والقائم على توزيع مقاعد البرلمان على القبائل بنظام الكوتة وتختار كل قبيلة من يمثلها، ثم ينتخب البرلمان رئيس البلاد.
ورغم تمرير القانون وإقراره، وتصريحات المسؤولين الحكوميين بين الحين والآخر حول الإصرار على تطبيقه في السباق المرتقب، لكن المعطيات على الأرض، وفق مراقبين، تثير العديد من الشكوك والتساؤلات حول إمكانية التطبيق بالفعل.
ولكن حتى الآن لم يتم الشروع في إجراء تعداد سكاني ولا تسجيل للناخبين، ولا تقسيم للدوائر، كما أن الوضع الأمني غير مستقر حيث لا يزال البلد يئن تحت هجمات حركة الشباب المتطرفة.
وتلك الشكوك والتساؤلات، يصاحبها طرح سيناريوهات لسباق الانتخابات، يتمحور الأول حول القدرة على إجرائها في موعدها وفق القانون الجديد مع الشروع في الإعداد لها خلال الفترة المقبلة. أما الثاني فهو التمديد للسلطة الحالية التشريعية والتنفيذية لمدة عامين أو أكثر لحين الإعداد، والاثنان ترفضهما وتخشاهما المعارضة.
ويتعلق السيناريو الثالث بإجراء الانتخابات وفق نظام المحاصصة القبلية المعمول به منذ سنوات وقبل إقرار القانون الجديد، وهو مقترح مرفوض من الحكومة الاتحادية وكذلك من المجتمع الدولي، وأيضا من طيف واسع من المراقبين الصوماليين الذين يرونه لا يحقق العدالة كما أنه يهمش قبائل لصالح أخرى.
ويؤكد برلمانيون أن الحكومة تسعى إلى عقد انتخابات شعبية عبر الاقتراع المباشر لا يتم إقصاء أحد فيها وموقفها هذا قانوني ويتسق مع مسار قانون الانتخابات الذي صادق عليه الرئيس والبرلمان بمجلسيه (الشعب والشيوخ)، حيث أنه من غير القانوني تنظيم انتخابات غير مباشرة عبر المحاصصة القبلية، في ظل تمسك الحكومة ولجنة الانتخابات المستقلة بإجراء السباق عبر الاقتراع المباشر وفق القانون الجديد.
وهذا الأمر يقطع مع الرأي السائد بأن هناك محاصصة حزبية هذه المرة، فقد كانت الحكومة السابقة مجبرة على إجراء انتخابات غير مباشرة لغياب قانون انتخابات متفق عليه يحدد آلية الانتخابات في البلاد، عكس الحكومة الحالية التي أمامها قانون انتخابات يحدد مسار ونوعية الانتخابات المزمعة.
وفي وقت سابق من هذا العام، أكد الرئيس الصومالي، في كلمته بافتتاح الدورة السابعة للبرلمان، إجراء الانتخابات المقبلة في موعدها، وقال إن “الشعب هو الفيصل في الانتخابات ليختار من يجلس في الكرسي”.
مواقف متناقضة
غير أن هذا التأكيد لم يبدد مخاوف أحزاب المعارضة من سعي الحكومة إلى التمديد لفترة ولاية ثانية، في ظل إصرارها على آلية انتخابات شعبية، ظلت المعارضة تعارضها بشدة نظرا لعدم توفر الوقت الكافي للإعداد، وعدم وجود الوضع الأمني المناسب لذلك، وفق تصريحات سابقة لقيادات بالمعارضة.
والصورة الأولية للمشهد السياسي في الصومال تظهر بوضوح أن رؤساء الولايات الإقليمية الثلاث جلمدغ وجنوب غرب الصومال وهيرشبيلي لا يمانعون المشاركة في مؤتمر جديد يعقد في مقديشو للبحث من جديد في مصير الانتخابات ولا يهمهم سوى من يدخل في البرلمان المقبل لضمان استمرار حكمهم في المرحلة ما بعد الانتخابات. ويعد موقف ولاية جنوب غرب الصومال تجاه هذه النقاط المذكورة سابقا من أكثر مواقف الولايات الإقليمية ليونة ومرونة، وأن رؤيتها أقرب إلى رؤية الحكومة الاتحادية، خصوصا في ما يتعلق بدور اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات وأنها لا تمانع أن تتولى إدارة العملية الانتخابية لكنها ترفض، رغم توقيعها على اتفاقية طوسمريب 3، قطعيا أن تتعدد الدوائر الانتخابية وتدعو لإجراء انتخابات في دائرة واحدة.
وكذلك لا تفضل أن تجرى الانتخابات على أساس الأحزاب السياسية. وعلى النقيض من ذلك ترفض ولايتا بونت لاند وجوبالاند سياسات الحكومة الاتحادية تجاه الانتخابات، خاصة في ما يتعلق بدور اللجنة المستقلة للانتخابات والأحزاب السياسية.
ولدى السياسيين في هاتين الولايتين تبريرات، قد لا تكون مقنعة، فهم يصرون على أن يكون النموذج الانتخابي شبيها لنموذج انتخابات عام 2016 وأن ينحصر التغيير فقط في عدد المندوبين القبليين الذين ينتخبون أعضاء البرلمان.
ويرى الباحث الصومالي علي نور أن الموقف المتشدد لهذه الولاية مبني على عدة نقاط جوهرية تتمثل في تعزيز مكانتها وموقعها في المشهد السياسي الصومالي وإظهار نفسها طرفا قويا وقادرا على توجيه المشهد السياسي ورقما صعبا لا يمكن الاستهانة به في أي حال من الأحوال. وأوضح نور أن النقطة الثانية، التي تبرر بها الولاية رؤيتها لهذه القضية، حيث باتت محل خلاف عميق على ما يبدو، هو تحقيق قدر كبير من مصالحها لدى الحكومة الاتحادية ولاسيما في ما يتعلق بالدعم المالي، وعلاقاتها مع الخارج.
ويتلخص السبب الثالث في رفضها تحقيق أي إنجاز للرئيس فرماجو الذي بات بأمسّ الحاجة إلى الانتصار في ما يخص تعزيز الديمقراطية وهو يراهن على وضع نظام جديد للانتخابات يعزز حظوظه في إعادة انتخابه لولاية ثانية.
وبينما لا ترغب ولاية هيرشبيلي بإثارة غضب الحكومة الاتحادية في هذا المسار، تتسم مواقف ولاية جلمدغ بالغموض لأن رئيسها أحمد قورقور يريد أن يمسك العصا من الوسط وأنه واثق من نفسه ولا تواجه إدارته أي خطر على الأقل في الوقت الحالي بعد أن شكل حكومة تضم جميع الأطراف السياسية.