لم يعد الحديث يجري عن أسباب انسحاب أمريكا من أفغانستان، بل عن مفاوضات إدارة “بايدن” و”طالبان”، بحثا عن مصالح متبادلة.
في هذا الإطار ينبغي النظر إلى المفاوضات، التي جرت مؤخرا بين ممثلي الإدارة الأمريكية و”طالبان” في إطار التساؤل التالي: ماذا يريد كل طرف من الآخر؟
ربما الجواب عن السؤال أعلاه يحتاج إلى تحديد النقاط بشكل مباشر وواضح، وتأسيسا عليه يمكن القول إن الجانب الأمريكي يريد من “طالبان” أولا توفير ممر آمن لخروج الأجانب، خاصة الأمريكيين، من أفغانستان، واحتواء خطر المنظمات الإرهابية، كـ”داعش والقاعدة”، وإشراك النساء والفتيات في جميع جوانب الحياة في إطار سياسة إصلاحية تؤسس للتعددية والانفتاح على مكونات أفغانستان الاجتماعية والقبلية، والأهم الوصول إلى علاقة تكون “طالبان” بها في موقع يساعد الإدارة الأمريكية على مواجهة خصوم واشنطن.
في المقابل، يمكن القول إن حركة “طالبان” تريد من واشنطن مسألتين، الأولى: الاعتراف بالحركة وبحكومتها كحكومة شرعية تحكم أفغانستان، وهو ما يعني رفع العقوبات المفروضة عليها، والثانية: مساعدتها على توطيد أركان حكمها من خلال السماح بتدفق المساعدات.
ومع أن واشنطن أعلنت أن المفاوضات مع الحركة “لا تعني الاعتراف بها”، وأن الاعتراف يتوقف على تصرفات الأخيرة، فإن وصف المحادثات بـ”الصريحة” من الخارجية الأمريكية يوحي بأن الكثير بين إدارة “بايدن” و”طالبان” في طريقه إلى التأسيس، خاصة أن هذا الوصف يتكامل مع حديث “طالبان” الإيجابي عن المفاوضات وآفاقها، وإعلانها موافقة الإدارة الأمريكية على تقديم مساعدات إنسانية لأفغانستان.
تأرجح علاقة “طالبان” والإدارة الأمريكية بين السياسي والإنساني والأمني، يؤكد أنها أمام امتحان حقيقي وتواجه تحدياتٍ كثيرة، والامتحان هنا يكمن في: هل فعلا “طالبان” تغيرت أيديولوجيا وسياسيا؟ وهل هي فعلا بصدد محاربة التنظيمات الإرهابية أم أن حديثها بهذا الخصوص من باب جلب اعتراف دولي لها، وفي إطار سياسة مؤقتة بغية التمكين بعد وصولها لحكم أفغانستان؟
تقارير إعلامية ذكرت أن تنظيم “داعش خراسان” نجح خلال الفترة الماضية في جذب العديد من قادة “طالبان” إلى صفوفه، وأن التنظيم نجح في اختراق العديد من مفاصل “طالبان” المهمة، ما يعني أن مهمة الأخيرة في محاربة “داعش” و”القاعدة” وغيرهما من التنظيمات الإرهابية ستكون صعبة، وأن المرحلة المقبلة ربما تحمل ملامح معارك دموية بين الجانبين.
بالتأكيد، تدرك الولايات المتحدة خطورة تلك التنظيمات الإرهابية على أمن العالم، وصعوبة محاربتها بعد أن انتشرت على شكل خلايا صغيرة في العديد من دول آسيا وأفريقيا، وحتى أوروبا وأمريكا، وراكمت خبرات كبيرة وإمكانات هائلة، ويمكن القول إن الولايات المتحدة ربما باتت ترى من الأهمية التعاون مع “طالبان” لمحاربة هذه التنظيمات، خاصة أن الحركة ليست لديها خبرة في عمليات مكافحة الإرهاب، وقدراتها في الحكم ليست كبيرة، ما يعني حاجتها إلى الدعم والتعاون والتنسيق الأمريكي في هذه القضية الحيوية، التي قد تجعل من المفاوضات بين أمريكا و”طالبان” مسارا لتعويم الأخيرة تدريجيا، وصولا إلى الاعتراف بها، مقابل أن تنتهج الحركة سلوك حكومة دولة مسؤولة ومنخرطة في المجتمع الدولي، لا حركة أيديولوجية.
باختصار، المطلوب أمريكيا ودوليا من حركة “طالبان” هو القطيعة مع ماضيها، بحثا عن مستقبل أفضل لأفغانستان وجوارها.