الرئيس الصومالي فرماجو وحرية الصحافة.. تكميم الأفواه وتكبيل الاعلام قبيل الانتخابات
لجأ الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو إلى تقنين أساليب القمع ومصادرة الحريات، بعد أن صادق على قانون الصحافة الصومالي المعدل في 30 من يوليو/تموز الماضي سرا، بعيدا عن النقابات الصحفية والحقوقية.
وتتزامن محاولات فرماجو تكبيل الصحافة الحرة قبيل الاستحقاقات الانتخابية المقررة في نهاية العام الحالي ومطلع العام المقبل.
ووقع فرماجو قانون الصحافة الصومالي المعدل لسبب وحيد، وهو النجاة من فخ كشف الأكاذيب والمزايدات الإعلامية التي انتهجها خلال سنوات حكمه، مستهدفا من خلالها أبرز الشخصيات الإعلامية والسياسية الصومالية للنيل منها لتصوير نفسه أنه الأصلح للصومال.
كفاح الصحافة بمساندة الحكومة
مر قانون الصحافة الصومالي مراحل مختلفة في العقد المنصرم، حيث تم طرح القانون في عام 2008، لكن لم يحظ باهتمام المؤسسات الحكومية المعنية بالأمر، مما تسبب في تصاعد العنف ضد الصحفيين.
وبدأت تستحوذ الصحافة اهتماما ملحوظا من قبل المؤسسات الحكومية الصومالية والدولية بعد تحرير العاصمة الصومالية مقديشو من قبضة مليشيات الشباب الإرهابية عام 2011، وأخذ العنف على الصحفيين والصحافة منحنى آخر.
حيث أعلنت حركة الشباب الصومالية الإرهابية حربا على المؤسسات الإعلامية المستقلة التي عزمت على مساندة الجهود الحكومية والدولية ضد الإرهاب وضد العنف الذي تمارسه.
ودخل التنظيم الإرهابي حربا ضروسا ضد الصحافة، وانتهج بالتهديد سبيلا والاغتيالات المنظمة طريقا على الصحفيين الصوماليين، ما أدى إلى فرار عشرات الصحفيين من الصومال.
وقضى المئات في هذه الحرب التي تستمر فصولها حتى اليوم في البلد الذي تصنف به التقارير الدولية واحدا من أخطر المناطق على حياة الصحفيين.
تعديلات على وقع التهديدات
ومع تركيز الحكومة الصومالية مع قانون الصحافة الذي وقعه الرئيس السابق حسن شيخ محمود في الـ10 من يناير/كانون الثاني من عام 2016، استنفرت النقابات الصحفية والمؤسسات الحقوقية كامل قواها لرفض القانون جملة وتفصيلا.
لكن المفاوضات بين ممثلي النقابات الصحفية والحكومة الصومالية آنذاك قادت إلى تفاهمات مشتركة، لتعديل 16 مادة من أصل 41 يتضمنه القانون حتى جاء عهد فرماجو دون تعديل القانون.
وفي مارس/آذار 2017، أعلن وزير الإعلام الصومالي آنذاك عبدالرحمن عمر عثمان يريسو مراجعة وتعديل قانون الصحافة، وصادق مجلس الوزراء الصومالي في يوليو/تموز من العام نفسه دون تعديل للمواد الستة عشر.
وفي الثامن من يوليو/تموز عام 2019، مرر مجلس الوزراء قانون الصحافة المعدل حسب رواية نظام فرماجو إلى مجلس الشعب الصومالي “الغرفة السفلى للبرلمان الصومالي وتضم 275 مقعدا”، وصادق المجلس على القانون دون الاستماع للمؤسسات الصحفية في الشهر نفسه، وأجرى تعديلا جزئيا شمل 11 مادة غير رئيسية في القانون احتجت بها المؤسسات الصحفية.
بدوره، صادق مجلس الشيوخ الصومالي “الغرفة العليا للبرلمان الصومالي وتضم 54 مقعدا”، في الرابع عشر من يناير/كانون الثاني من العام الجاري على التعديلات، لكن أعضاء المجلس حاولوا قدر الإمكان إصلاح ما أفسدته التعديلات السابقة.
وفي 30 من يوليو/تموز المنصرم، وقع فرماجو قانون الصحافة سرا، ودشنت وزارة الإعلام بحكومة تصريف الأعمال الصومالية على بدء سريان نفاذ القانون على الصحافة “مؤسسات وصحفيين” في 26 من أغسطس/آب المنقضي، وأثار ذلك موجة غضب عارمة في الأوساط الإعلامية والحقوقية.
بنود قاسية وخطر قادم
ويشمل القانون المصادق حديثا من جانب فرماجو جملة من البنود التي تقوض حرية الصحافة المستقلة، وتشكل تهديدا على حياة الصحفيين، وذلك عن طريق جمع بياناتهم الخاصة ووضعها في مكاتب مؤسسات حكومية مخترقة لدى التنظيمات الإرهابية، وهذه أبرز البنود التي تثير حفيظة الصحفيين تجاه القانون.
ويسمح القانون بتسجيل جميع أنواع البيانات “الشخصية والمهنية” للصحفيين، ما يشكل تهديدا أمنيا مباشرا على حياتهم الخاصة، وتوفر البيانات لدى مؤسسات حكومية مخترقة أصلا من التنظيمات الإرهابية مما يهدد العمل الصحفي في الصومال، وفق نقابات صحفية صومالية.
ويتضمن أيضاً تشكيل لجنة مختصة تدير شؤون الإعلام والإعلاميين تتكون من 9 أعضاء، 6 منهم يتم تعيينهم من الحكومة باقتراح وزير الإعلام الصومالي، والآخرون من الصحافة المستقلة، حيث تتولى بفرض الغرامات المالية والـتأديب على تجاوزات الصحفيين كافة حسب زعم القانون.
القانون يجبر الصحفيين على أخذ بطاقة عمل (تصريح) من وزارة الإعلام الصومالية، على أن يتم تجديدها دوريا بمبلغ غير منصوص على القانون.
أما البند الأكثر وأشد خطورة من كل ذلك فهو متابعة البيانات المالية لدى الأفراد والمؤسسات الإعلامية، وضرورة الكشف عن مصادر التمويل عند افتتاح مؤسسة إعلامية، وهو ما يتعارض مع دستور البلاد الذي ينص على الحرية المطلقة لاستثمار الصوماليين، وقانون الاستثمار الصومالي وعدم وضع عوائق أمام المستثمرين المحليين والأجانب.