كتب _ عماد عنان
أعاد إعلان وزيرة الخارجية الصومالية السابقة، فوزية يوسف حاج آدم، الترشح للانتخابات الرئاسية لبلادها، المزمع إجراؤها في 10 أكتوبر/تشرين الأول القادم، الحديث مجددًا عن واقع المرأة الصومالية في ظل التحديات الجسام التي تواجهها على كافة المستويات.
وبرّرت فوزية، وهي أول سيدة صومالية تتولى وزارة الخارجية وتصبح نائبة رئيس الوزراء كأعلى منصبَين سياسيَّين تشغلهما امرأة في هذا البلد المحافظ، إعلان ترشحها إلى منصب الرئيس، بأن الظروف الاقتصادية والأمنية المتدهورة والمعاناة المستمرة لأبناء شعبها كانت وراء هذه الخطوة، وذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته منتصف يوليو/ تموز الماضي.
ولعبت المرأة الصومالية أدوارًا تاريخية محورية في مسيرة بلادها على كافة المسارات، متفوقة على الرجال في كثير من ساحات التنافس، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، ورغم ذلك ما زالت تعاني من التهميش والإجحاف وسط مجتمعها، لا سيما داخل البلاد.
وفي خطوة جديدة نحو مسار الدفاع عن حقوق النساء في البلد الإفريقي الفقير اقتصاديًّا، أطلقت صحفيات صوماليات منصة إلكترونية حديثة، تهدفُ إلى رفع المساهمات الإعلامية التي تعزز دور المرأة الصومالية، وتتيح لها مساحة أكبر لإبراز المشاكل والممارسات السلبية التي تواجهها في البلاد، على أمل تحريك المياه الراكدة نحو الحصول على حقوقها المهضومة تحت أقدام الذكورية والقَبَلية في آن واحد.
“خلي المرأة تحكم”
تحت شعار “خلي المرأة تحكم” انطلقت الحملة الانتخابية للمرشحة المحتملة، وهو الشعار الذي أثار جدلًا كبيرًا داخل الشارع الصومالي، كونه سلاحًا ذو حدَّين، إلا أن وزيرة الخارجية السابقة استندت في اختيار هذا العبارة إلى اعتقادها بأن “الرجال فشلوا في إعادة هيبة الصومال والحد من معاناة الصوماليين”.
وأضافت فوزية ذات الـ 50 عامًا أن “المرأة الصومالية لم تطمح على نحو جدّي من قبل لمنصب الرئاسة منذ عقود، ليس لعجز عقلي ولا جسدي، بل لتجربة دور الرجل في إدارة البلاد”، وذلك خلال مقابلة صحفية سابقة لها، طارحة برنامجًا يقوم على تشكيل حكومة تكنوقراط لتعزيز قدرات مؤسسات الدولة، مع التعهُّد بإعلاء “قاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب” بدلًا من نظام المحاصصة القَبَلية الذي تنتهجه البلاد منذ سنوات طويلة.
عانت المرأة الصومالية من تهميش سياسي مجحف على مدار عقود طويلة مضت، إذ كان ينظَر إليها على أنها رئة مهمَلة لا تصلح سوى لتربية الأبناء والأعمال المنزلية فقط، لكن السنوات القليلة الماضية تغيّرَ الوضع بصورة كبيرة، حيث حصلت النساء على العديد من المكاسب السياسية التي نجحت في استثمارها لتدشين انطلاقة كبرى نحو استرداد كافة الحقوق المسلوبة.
ومنذ عام 2012، ومع تولي حسن شيخ محمود رئاسة البلاد، خطَت المرأة خطوات جادة وملموسة نحو تعزيز مكانتها السياسية، بفضل الإجراءات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة، لتتولى المرأة ولأول مرة في تاريخ البلاد منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، إضافة إلى وزارات الصحة والتربية والتعليم العالي والمرأة وحقوق الإنسان.
هذا بجانب انخراط العديد من السيدات في السلك الدبلوماسي، منهم فاطمة عبد الله إنسانية، والتي عُيّنت سفيرة الدولة لدى جنيف ومندوبة الصومال الدائمة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، هذا بخلاف ترؤُّس سيدات عدد من اللجان الوطنية المستقلة مثل لجنة مراجعة الدستور واللجنة القومية للانتخابات وغيرها.
كثير من الناشطات الحقوقيات بالصومال يرينَ أن وجود 3 أو 4 وزيرات في الحكومة الحالية، وبعض السفيرات التي يمكن حصرهن على أصابع اليد الواحدة؛ تطور إيجابي لكنه غير مقنع في ضوء الكتلة النسبية للجنسَين، وأنه لا بد من توسيع دائرة المشاركة السياسية خلال المرحلة المقبلة.
واقع مهمَّش
تعاني المرأة في الصومال من واقع مهمَّش على مختلف الأصعدة، حيث شهدت البلاد انتكاسة حقيقية في المساحة المسموح للمرأة التحرك بداخلها منذ الارتداد للحالة القَبَلية وسيطرة الطائفية على معظم أركان الدولة منذ تسعينيات القرن الماضي، رغم الجهود المبذولة لتحسين الأجواء خلال العقد الأخير.
وزجّت القَبَلية الصومال في أتون من الصراعات والمعارك، كانت الغلبة فيها للرجال حيث سيطر الفكر الذكوري على المجتمع، وهو ما كان له أسوأ الأثر على خارطة حقوق المرأة بصفة عامة، لا سيما بعدما تحولت إلى ضحية لرجال القبائل وهدف سهل استئناسه وقوقعته، حماية له من المخاطر المحتملة حال الخروج.
وهكذا دفعت المرأة الصومالية ثمن الموروث الثقافي القادم من ملح المجتمعات التقليدية، لتفقد شيئًا فشيئًا حقوقها الاقتصادية والاجتماعية، ناهيك عن حقوقها السياسية المهمشة، ويكفي الوقوف على حجم ما تعانيه الصومالية من تجنٍّ على حقوقها من خلال حرمانها من ميراث والدها في كثير من المناطق، وتركها وحيدة في مواجهة صعاب الحياة وتحدياتها، لتجدَ نفسها مدفوعة للانخراط في سوق العمل حتى إن لم يكن متناسبًا مع قدراتها وإمكاناتها.
وتحاول بعض المهتمات بحقوق المرأة تعزيز قدرات الصوماليات سياسيًّا لاستعادة أكبر قدر ممكن من الحقوق والمكاسب، ومن ثم كانت المطالبات بتوسعة كوتة المرأة داخل البرلمان، وهي المحدَّدة بنسبة 30%، حيث أشارت النائبة نعيمة إبراهيم أن “المرأة لن تكون مجرد رقم لإكمال نصاب البرلمان وستعمل على استعادة حقوقها السياسية، بل تبذل كل الجهود لرفع حصتها في البرلمان الصومالي إلى 50%، بدلًا من 30%”.
فيما تؤكد زميلتها آمنة محمد عبدي أن حصة 30% للمرأة في البرلمان لا تعكس النسبة المئوية للمرأة في المجتمع الصومالي، لكنها تشكّل خطوة حيوية لحماية حقوق المرأة الصومالية، منوِّهة إلى وجود عقبات كثيرة في كل النواحي الحياتية، مؤكدة في الوقت ذاته على إصرارها على “استرداد حقوقها السياسية من خلال الرفع في حالة وعي المرأة الصومالية وفكّ القيود التقليدية لمزاحمة الرجال في الحياة السياسية والاجتماعية”.
نبوغ خارج البلاد
اللافت للنظر أنه في الوقت الذي تعاني فيه المرأة الصومالية في الداخل من تهميش وتسطيح لدورها وإجهاض لكافة حقوقها، استطاعت أن تضرب أروع الأمثال في النبوغ خارجيًّا، فالغالبية العظمى من الصوماليات المهاجرات أو المضطرات لمغادرة بلادهن حقّقنَ نجاحات مبهرة في المهجر.
وبينما غاب الرجال الصوماليون في الخارج عن منصات التتويج والأضواء الإعلامية، كانت المرأة حاضرة وبقوة، استطاعت من خلالها أن تسحب البساط من تحت أقدام مجتمعها الذكوري، بل تهدِّد بنجاحاتها الخارجية مستقبل الرجال السياسي والاقتصادي في الداخل.
البيئة المواتية في المهجر كانت مناخًا ملائمًا لنبوغ المرأة الصومالية، وهو ما جسّدته عشرات النماذج التي استطاعت أن تخطف ثقة المسؤولين هناك، فكانت سيدة الأعمال الشهيرة آمنة موغي حرسي، التي يسمّيها المحليون “أم سِمِنتي”، التي استطاعت تدشين إمبراطورية عقارية عملاقة في أوغندا، وكذلك الباحثة الدكتورة سعدة مري، وهي سويدية الجنسية، صومالية الأصل، نجحت في وضع البلاد من جديد على خريطة البحوث الأثرية عبر اكتشافاتها غير المسبوقة.
هذا بخلاف عشرات السيدات اللواتي يشغلن مقاعد مهمة في المجالس البلدية بالدول الغربية، فضلًا عن ريادة بعضهن للمنظمات المعنية بشؤون الهجرة واللاجئين، وفوق كل هذا البرلمانية إلهان عمر، عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن الحزب الديمقراطي، والتي استطاعت التكيُّف سريعًا مع المجتمع الأميركي لتفرض نفسها كواحدة من الشخصيات العامة في ولاية مينيسوتا.
وفي الأخير، نجحت المرأة الصومالية التي خاضت مسيرة كفاح مشرِّفة أن تتجاوز الاضطرابات السياسية والأمنية والاقتصادية والمجتمعية التي مرّت بها بلادها طيلة العقود الماضية، لتسبق نظيراتها في العديد من بلدان القارة، ورغم ذلك لا تزال تحلم بتوسعة حضورها ومشاركتها الداخلية أسوة بما حقّقته من نجاحات على المستوى الخارجي.