قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية: إن الاستيلاء السريع لحركة طالبان على السُّلطة في أفغانستان، الشهر الماضي، فاجأ العالم وأثار استياءاً كبيراً في الغرب، بشأن الصراع الذي دام 20 عاماً بتكلفة بشرية ومادية هائلة، لكنه، في الوقت نفسه، أثار أسئلة جدية عن جدوى مشاريع بناء الدول المدعومة دولياً، في ظِل غياب تسوية سياسية شاملة.
ورأت المجلة -في تقرير- أن تجربة الحرب في أفغانستان، ستكون لها تداعيات تتجاوز حدود كابل، معتبرة أنه لا مكان لديه أوجه التشابه المذهلة مع أفغانستان، كما هو الحال في الصومال.
وتابعت: “لدى الصومال الكثير من أوجه التشابه مع أفغانستان، ففي البلدين ترسخ مشروع الحُكم الإسلامي بعد فترة طويلة من الصراع، إلا أن القوى الخارجية تخلصت منه، في سياق الحرب العالمية على الإرهاب”.
وأشارت المجلة، إلى أن الوضعين أديا إلى اعتماد الحكومات الناشئة على الجهات الخارجية لبقائها، فكافحت لمواكبة أعدائها، وفي حالة أفغانستان، كان هذا المشروع غير قادر على الاستمرار، بمجرد سحب الجهات الفاعلة الخارجية دعمها، فرغم الاستثمار الهائل في مليارات الدولارات من المساعدات، غير المشروطة إلى حد كبير، على مدى عقدين من الزمن، فإن هذه الأموال لم تُترجَم إلى تطوير حُكم سياسي، يمكن أن يعمل بمفرده بشكل دائم.
وأشارت المجلة، إلى أن السؤال عما إذا كانت الصومال ستصبح أفغانستان التالية، هو الآن موضوع نقاش، فلا تزال هناك اختلافات كبيرة بين البلدين، إذ أن تمرد حركة الشباب، ليس مشابهاً لتمرد طالبان من نواحٍ عدة، حيث يفتقر إلى خبرة الأخيرة في السُّلطة.
كما أنه لا يزال يتورط علناً في هجمات إقليمية خارج حدود الصومال، ولم يُظهر أي رغبة في الحصول على مستوى الاعتراف الدولي، الذي يبدو أن طالبان تسعى إليه، كما أن حركة الشباب لا تمتلك ملاذاً آمناً خارج مقديشو على غرار ما كان يتمتع به قادة طالبان في باكستان.
وعلاوة على ذلك، فإن الحكومة الصومالية تختلف عن النظام المركزي، الذي كان موجوداً في أفغانستان حتى وقت قريب، فضلاً عن اختلاف طبيعة المساعدات الخارجية أيضاً، إذ أنه يتم ضمان الأمن في الصومال، من خلال المساهمات المالية الغربية، لكن القوات الخارجية تأتي من الاتحاد الإفريقي، ما يجعلها مشروعاً إقليمياً مدعوماً من جهات فاعلة، لها مصالح وطنية واضحة في الحفاظ على أمن البلاد، وفقاً لـ”فورين بوليسي”.
وقالت المجلة: رغم هذه الاختلافات، فإن أوجه التشابه بين أفغانستان والصومال، تبدو لافتة للنظر بشكل كافٍ، للتساؤل عما إذا كانت مقديشو قد تتبع مساراً مشابهاً.
وأوضحت “فورين بوليسي” أنه سيتم تحديد المستقبل القريب للصومال من خلال 3 عوامل هي: قوة تمرد حركة الشباب، وأداء الحكومة المتعثرة، وصبر الشركاء الدوليين، قائلة إنه لسوء الحظ تبدو العلامات قاتمة، محذِّرة من أنه من دون تغيير جذري، فإن مسار الصومال قد يكون مشابهاً لما حدث في أفغانستان.
وطالبت المجلة، بضرورة إرسال الجهات الخارجية رسالة واضحة إلى النخب الصومالية، مفادها أن المزيد من الجدل وعدم القدرة على المضي قدماً، يعني إعادة تقييم لاستثماراتهم، قائلة إنه يجب عليهم الضغط على القادة السياسيين الصوماليين، للالتزام بالسماح قدر الإمكان بإجراء الانتخابات، من دون التدخل فيها، الأمر الذي قد يؤدي إلى دفع البلاد مرة أخرى إلى الصراع.
وفي نهاية التقرير قالت المجلة إن: “انهيار مؤسسات الدولة في الصومال، على الطريقة الأفغانية، ليس حتمياً، إذ أنه من الممكن أن يؤدي تحسين العملية الانتخابية، إلى تعافي البلاد والخروج من دائرة التنافس بين النخبة، ما يمثِّل نقطة انطلاق جيدة”.
محذِّرة من أنه بخلاف ذلك، فإن خطر فشل مشروع بناء دولة آخر مدعومة من الخارج، يلوح في الأفق، إذ تعوِّل حركة الشباب -مثل طالبان- على إخفاقات الحكومة الفيدرالية ونفاد الصبر الدولي، بينما تتطلع بصبر إلى الوصول إلى السُّلطة.