عاد التوتر من جديد وسط مخاوف من عودة الوضع السياسي في الصومال إلى المربع الأول بعد الخلافات السياسية بين الرئيس المنتهية ولايته عبد الله فرماجو، ورئيس الحكومة المكلف محمد حسين روبلي، على خلفية إقالة رئيس الاستخبارات بعد اغتيال مديرة الأمن السيبراني بالجهاز، إكران تهليل فارح.
هل تستجيب الأطراف لدعوات التهدئة من أجل إجراء الانتخابات المقرر لها أكتوبر/تشرين أول القادم؟
بداية، يرى الخبير الصومالي في العلاقات الدولية، حسن شيخ علي، أن المشكلة في الصومال دستورية قبل أن تكون خلاف سياسي، فلدى بلاده مجلس تشريعي وسلطة تنفيذية مقسمة بين الرئيس ورئيس الوزراء، والمشكلة أن الرئيس المنتهية ولايته فرماجو لم يبذل أي جهد من أجل إجراء الانتخابات المتفق عليها حتى يتاح للشعب أن يختار رئيسا جديدا أو ينتخبه مرة أخرى.
وأوضح حسن شيخ علي أنه في الوقت نفسه حاول فرماجو تجديد ولايته خارج النطاق الدستوري، الأمر الذي أوجد صراعا بين الأجنحة السياسية كاد أن يكون دمويا، فتدخلت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والولايات المتحدة، وتم الاتفاق مع جميع الأطراف على أن تسند عملية الانتخابات والملف الأمني لرئيس الوزراء، على أن يبقى الرئيس في مكتبه دون التدخل في الملف الأمني أو الانتخابات.
تدخلات الرئيس
وتابع في حديثه لـ”سبوتنيك”، أنه رغم الاتفاق الموقع وبرعاية دولية إلا أن الرئيس فرماجو حاول التدخل في الملف الأمني والانتخابات، فيما عمد رئيس الحكومة المكلف إلى التهدئة طوال الفترة الماضية، إلا أن تم تغييب فتاة صومالية في في جهاز الاستخبارات، وأعلن الجهاز أن حركة الشباب هى من اختطفت الفتاة وقتلتها، لكن الحركة أعلنت براءتها من تلك العملية، بعدها طلب رئيس الوزراء من رئيس الاستخبارات معلومات مفصلة حول الموضوع، والذي رفض إعطاء المعلومات، فقام رئيس الحكومة بتوقيفه، وهو ما سمح بتدخل الرئيس فرماجو، قائلا لرئيس الحكومة “ليس من حقك هذا التدخل”، وهنا نشأ بين الطرفين صراع سياسي لم يتطور إلى صراع مسلح، مستبعدا ذلك إن أصر الرئيس على ما يقول.
وأضاف شيخ علي، إذا تمسك رئيس الوزراء بموقفه وحقه في توقيف أو فصل من هم تحت سلطته وفق الدستور الذي يدعم موقف الحكومة سوف تسوء الأوضاع، لكن الأمر المطمئن الآن أن البلاد خارج الدستور وفي دائرة الوفاق السياسي، نظرا لأن الصومال بلد عشائري وجيشه تم تكوينه منذ فترة قريبة، فإن بقيت الحالة داخل إطار الخلاف السياسي ولم يتطور إلى أشياء أخرى سوف تهدأ وتحل الأمور، لكن بكل الأحوال لا يرى شيخ علي أن الانتخابات يمكن إجراؤها الشهر القادم، إذ من الممكن تأجيلها إلى نهاية العام الجاري أو في النصف الأول من العام القادم، حيث اتفق حكام الولايات على إجراؤها بعد تأجيلها مرتين في السابق في العام 2012 و2017 وهى انتخابات غير مباشرة.
تطور خطير
من جانبه، قال عبد الرحمن إبراهيم عبدي، رئيس مركز مقديشو للدراسات، إن ما حدث مؤخرا بين الرئيس فرماجو ورئيس الحكومة المكلف بإجراء الانتخابات، هو تطور خطير وفي اعتقادي سيكون له تأثير سلبي على الانتخابات ولن تجرى في موعدها المحدد له الشهر القادم، وما لم تحل تلك الخلافات في أقرب وقت ممكن، هناك مخاوف من أن تتحول إلى صراع حقيقي بين تيار المعارضة والحكومة، في الوقت ذاته هناك مساع حميدة يقوم بها حكام الولايات لإنهاء الأزمة.
وأضاف عبدي، أنه في ظل هذه الأزمة بين الرئيس ورئيس الحكومة، نجد أن الولايات مواقفها متقاربة ومتفقة على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، مع الابتعاد عن كل العراقيل التي قد تمنع ذلك، وإنهاء الخلافات في أقرب وقت ممكن وبالطرق السلمية.
وأكد عبدي، أن الأمور تجري على قدم وساق من أجل الانتهاء من انتخابات البرلمان التي لم يتبق منها سوى القليل، الأمر الذي يعني أن الخلافات سوف يتم تجاوزها وتنتهي الأمور إلى إجراء هذا الاستحقاق الهام الذي تعول عليه البلاد لاستكمال المسار الديمقراطي في البلاد.
تعليق صلاحيات
وكان الرئيس الصومالي المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو، قد قرر الخميس الماضي، تعليق صلاحيات رئيس الوزراء محمد حسين روبلي، متهما إياه بأنه “انتهك الدستور”، وذلك على خلفية الأزمة المتصاعدة بينهما بسبب قرار روبلي إقالة رئيس الاستخبارات، وهو القرار الذي رفضه الرئيس.
وحسب “رويترز”، قال فرماجو، في بيان “بما أن رئيس الوزراء انتهك الدستور المؤقت فقد قررنا تعليق صلاحيات رئيس الوزراء وخاصة الفصل أو التعيينات، في انتظار الانتهاء من انتخابات البلاد”.
واستند فرماجو في قراره إلى أن رئيس الوزراء اتخذ “إجراءات مخالفة للدستور المؤقت” وأنه “لم يتشاور مع الرئيس وشرع في إصدار قرارات فردية تتعارض مع قوانين ودستور البلاد مما أدى إلى عدم الكفاءة”.
وأوضح القرار أن “الحكومة ستستمر في عملها وكل وزير في منصبه حتى انتهاء الانتخابات في البلاد”.
اختفاء فارح
وشهدت العاصمة الصومالية توترات عسكرية بعد قرار روبلي بإقالة رئيس الاستخبارات، فهد ياسين، على خلفية اغتيال مديرة الأمن السيبراني في الاستخبارات، إكران تهليل فارح، وهو القرار الذي كان رفضه رئيس الجمهورية.
قرار روبلي بإقالة رئيس جهاز الاستخبارات المقرب من فرماجو جاء بعد ضجة صاحبت اختفاء فارح، والتي أعلن ياسين عن مقتلها على يد حركة الشباب التي تتبع فكريا تنظيم القاعدة [الإرهابي المحظورة في روسيا]، في حزيران/يونيو الماضي.
من جهتها، نفت حركة الشباب أي تورط لها في مقتل موظفة الاستخبارات، وأشارت إلى أنها فوجئت باتهامها بقتلها. وكان روبلي قد أمر بإجراء تحقيق في مقتل فارح، وأعطى مهلة لياسين للكشف عن ملابسات الواقعة، قبل أن يقوم بإقالته، متعهدا لأسرتها بتحقيق العدالة عبر القضاء العسكري.
ويتطلع الصوماليون إلى الانتهاء من الانتخابات البرلمانية من أجل أن يختار البرلمان الرئيس في اقتراع غير مباشر، حيث أن تلك الانتخابات تعد مفصلية في تاريخ البلاد الذي ظل سنوات يعاني من الصراعات والتمزق والحرب الأهلية.