الصومال اليوم

دوامة الصراعات السياسية لا تهدأ في الصومال “أزمة تضارب الصلاحيات في هرم السلطة تبعث المخاوف من تجدد العنف”

يشهد الصومال حاليا صراعا بين الرئيس محمد عبدالله محمد “فارماجو” ورئيس وزرائه محمد روبلي على خلفية أزمة انتخابية تنعكس على الحياة السياسية في البلد الواقع في القرن الأفريقي والذي يواجه تمردا تخوضه حركة الشباب، وسط مخاوف من أن تقود أزمة تضارب الصلاحيات في هرم السلطة إلى تجدد العنف بالبلاد. 

وأثار قرار رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي، مؤخرا، توقيف رئيس الاستخبارات فهد ياسين حاج عن العمل وتعيين بشير محمد جامع خلفا له جدلا دستوريا حول صلاحيته في هذا الأمر والبنود الدستورية التي استند إليها. 

وما يشير إلى عمق تلك الأزمة، المرسوم الرئاسي الذي صدر الأربعاء، وقرر فيه الرئيس محمد عبدالله فرماجو “قبول الاستقالة التي قدمها فهد ياسين حاج وعين مكانه ياسين عبدالله محمد مدير مخابرات إقليم بنادر (بالعاصمة مقديشو) بشكل مؤقت وفق الدستور المؤقت في البلاد”. 

وكان روبلي اتهم الثلاثاء الرئيس بـ”عرقلة” تحقيق حول اختفاء موظفة شابة في جهاز الاستخبارات تدعى إكرام تهليل (25 عاما)، معتبرا أن قراراته الأخيرة تشكل “تهديدا وجوديا خطيرا لنظام الحكم في البلاد”. 

وتدهورت العلاقات المتوترة بالأساس بين الرئيس ورئيس الوزراء في نهاية الأسبوع الماضي مع إعلان روبلي إقالة مدير الاستخبارات فهد ياسين المقرب من فارماجو، معلنا أن تحقيق الاستخبارات حول اختفاء تهليل الذي يتهم جهاديي حركة الشباب “غير مقنع ويفتقر إلى أدلة”. 

وبحسب قانونيين، فإن الأزمة الحالية بين روبلي ورئيس البلاد حول صلاحية توقيف أو إقالة رئيس المخابرات، تأتي ضمن تضارب الصلاحيات بين السلطتين التنفيذية والرئاسية حيث يعطي الدستور المؤقت كلاهما جزءا من صلاحية إقالة وتعيين كبار مسؤولي الدولة وهو ما يعمق أزمات البلاد السياسية والأمنية والاقتصادية. 

ولطالما ناشد قادة البلاد وآخرهم الرئيس فرماجو باستكمال الدستور المؤقت في البلاد للحد من الخلافات الدستورية بين مؤسسات الدولة إلا أنهم فشلوا على مدار 9 سنوات في ذلك، الأمر الذي يضع عقبات لحل مثل هذه الخلافات المعقدة. 

ورأى بعض الخبراء والمختصين أن روبلي لديه صلاحية لإيقاف المسؤولين الأمنيين عن العمل، بينما أكد آخرون أن فرماجو وحده يتمتع بتلك الصلاحيات. 

وأشار المحامي عبدالقادر سومني في تصريحات صحافية إلى أن بياني مكتب رئيس الحكومة والرئاسة الصومالية المتضاربين حول قضية توقيف رئيس المخابرات استندا إلى بنود دستورية تثير الخلافات حول تفسيرهم، لكن وفق المادة 99 بفقرتها 6 تشير إلى صلاحية رئيس الوزراء في إيقاف رئيس المخابرات وليس بإقالته. 

ويعتقد سومني أن قرار إيقاف رئيس المخابرات وتعيين بشير محمد جامع بشكل مؤقت يرمي إلى كشف ملابسات قضية الموظفة المفقودة. 

وتوقع أن يعود رئيس المخابرات إلى عمله بعد التحقيقات، لكن في حال أراد رئيس الوزراء إقالته يتعين عليه وفق الدستور تقديم اقتراح للرئيس الذي لديه صلاحية تعيين وإقالة المسؤولين الأمنيين وفق المادة 90 بفقرتها الـ10 من الدستور المؤقت. 

بينما يرى المحلل السياسي عبدالرحمن معلم أن توقيف وإقالة المسؤولين الأمنيين ليس من صلاحيات رئيس الوزراء وفق الدستور، والبنود الدستورية التي استند إليها لا تنص على أي صلاحية له في هذا الموضوع. 

وأكد أن الدستور المؤقت في البلاد يعطي الرئيس وحده صلاحية تعيين وإقالة كبار مسؤولي الدولة بناء على توصيات مجلس الوزراء. 

الخلافات كثيرة  

إلا أن المحامي عبدالقادر يعتقد أن المشكلة الرئيسية في الأزمة الحالية هي الدستور المؤقت في البلاد لأن المادتين 99 و90 منه تنصان على صلاحية كل من مجلس الوزراء والرئاسة تعيين وإقالة كبار مسؤولي الدولة، وهو ما أثار جدلا دستوريا يصعب البت فيه في ظل غياب المحكمة الدستورية. 

وبرأيه تكمن المشكلة أيضا في طبيعة جهاز المخابرات هل هو تابع للمؤسسة العسكرية ويخضع لصلاحية الرئاسة الصومالية أم هو مؤسسة مدنية تابعة لوزارة الأمن ويخضع لصلاحية رئيس الحكومة حيث كان الجهاز مدنيا في عهد الحكومات المدنية بعد الاستقلال 1960 وتحولت تبعيته للمؤسسة العسكرية بعد انقلاب محمد سياد بري (1969 – 1991). 

وسبق أن شهدت البلاد نفس هذه الحادثة عام 2016 بعد أن أقدم مجلس الوزراء على إقالة رئيس جهاز المخابرات الأسبق عبدالله محمد علي وهو ما رفضه الرئيس آنذاك حسن شيخ محمود بذريعة أن مجلس الوزراء ليس من صلاحيته إقالة المسؤول وعليه تقديم مقترح في هذا الأمر لكنه قبل أخيرا تفاديا لأزمة خلافات سياسية مع رئيس وزرائه. وبالنسبة إلى النائب السابق في البرلمان الصومالي محمد أمين، فإن مشكلة الدستور المؤقت هي العقبة الرئيسية في أن تبقى البلاد في دوامة أزمة تضارب الصلاحيات مما يعطل العجلة الاقتصادية والسياسية والأمنية في البلاد منذ 2012. 

وحول أسباب عدم استكمال الدستور المؤقت في البلاد، قال أمين إن عدم التوافق بين الكتل البرلمانية هو العقبة الرئيسية أمام استكمال الدستور المؤقت في البلاد، لأن هناك مصالح ضيقة بالنسبة إلى الولايات الفدرالية والجهة الحاكمة إلى جانب المجتمع الدولي الذي يرى في ملف الدستور مشروعا مربحا. 

وأوضح أن هذه العقبات تشكل تحديا أمام توصل البرلمان إلى اتفاق شامل على استكمال الدستور ما يعني إطالة الأزمة السياسية في البلاد. 
ولفت إلى أن غياب المحكمة الدستورية من شأنه أن يساهم في استمرار الخلافات الدستورية، مشيرا إلى أن كل المحاولات في تشكيل تلك المحكمة في البلاد باءت بالفشل نتيجة عدم مصادقة البرلمان عليها لأسباب تخضع لمصالح جهة معينة (لم يحددها). 

والمحكمة الدستورية، هيئة قضائية صدر قانونها الأساسي عام 2016، وتضم 5 قضاة بمن فيهم رئيس المحكمة ونائبه. 

قرار رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي توقيف رئيس الاستخبارات أثار جدلا دستوريا حول صلاحيته في هذا الأمر والبنود الدستورية التي استند إليها 

ويرى محللون أن الأزمة السياسية التي خلفت قضية إقالة رئيس المخابرات تخيم بظلالها على الشأن السياسي والانتخابي في البلاد الذي يمر في مرحلة انتقالية خطيرة. 

وسجلت العملية الانتخابية تأخيرا حتى قبل الأزمة السياسية الحالية، ما يجعل من المستحيل انتخاب الرئيس في الموعد المقرر في العاشر من أكتوبر. 

ويفترض الآن أن يتم تعيين أعضاء مجلس النواب، الخطوة الأخيرة قبل انتخاب رئيس الدولة حسب النظام الانتخابي الصومالي المعقد غير المباشر، بين الأول من أكتوبر والخامس والعشرين من نوفمبر. 

وحذر الموظف الكبير السابق عبدي كاني عمر في تصريحات صحافية بأنه “إذا لم يتم حل هذا النزاع بالتراضي، فسوف يعقد كل الجهود السياسية الجارية، بما فيها العملية الانتخابية التي ستتأخر إن لم تتوقف تماما”. 

ويثير هذا التصعيد مخاوف الأسرة الدولية بعد أقل من خمسة أشهر على آخر مواجهات مسلحة وقعت في مقديشو. 

ويعتبر العديد من المراقبين أن المأزق الانتخابي صرف الاهتمام عن مواضيع مهمة أخرى في الصومال على غرار التمرد الجهادي الذي تقوده حركة الشباب. 

وأدى المأزق الانتخابي في نهاية أبريل إلى مواجهات مسلحة على خلفية الانقسامات السياسية والقبلية في مقديشو، أعادت إلى الذاكرة عقود الحرب الأهلية التي اجتاحت البلاد بعد 1991. 

وأعرب عمر محمود المحلل لدى مجموعة الأزمات الدولية عن مخاوفه، موضحا “رأينا في أبريل بأي سرعة يمكن أن تتحول مقديشو إلى بؤرة مواجهة في سياق انهيار سياسي أوسع نطاقا”. 

Exit mobile version