تبذل الخرطوم منذ اندلاع الأزمة داخل المعارضة المسلحة في دولة جنوب السودان جهودا مكثفة للحيلولة دون تطور الصراع بما يهدد عملية السلام في الجارة الجنوبية التي أنهكتها الحروب والنزاعات.
واندلعت معارك شرسة في السابع من أغسطس الجاري شمالي البلاد بين أنصار ريك مشار رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، وفصيل الجنرال المنشق سايمون قاتويج، ما أسفر عن أكثر من 30 قتيلا في ولاية أعالي النيل المتاخمة للسودان، وذلك بعد أيام من إعلان خصوم مشار عزله من رئاسة الحركة.
والسبت عاد وفد سوداني من جوبا، بعد زيارة ثلاثة أيام، بحث خلالها عن حل للأزمة بين الفرقاء في المعارضة بجنوب السودان.
وأجرى رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك ووفد مرافق له مباحثات مع كل من رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت ونائبه الأول مشار ونواب الرئيس تعبان ديتق وحسين عبدالباقي وربيكا تيانج حول تنفيذ ومتابعة اتفاق السلام.
ولدى عودة الوفد الحكومي إلى الخرطوم، وصفت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي الزيارة “بالتاريخية”. وأضافت أنها ركزت على “سلام جنوب السودان برعاية الخرطوم، وسلام السودان برعاية الجارة الجنوبية (جوبا)، والعلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية”.
وجاءت خطوة حكومة الخرطوم عقب تحركات إقليمية ودولية لإنهاء الخلاف الذي يهدد بانهيار عملية السلام في جنوب السودان بكاملها. وزار السكرتير التنفيذي للهيئة الحكومية للتنمية في شرقي أفريقيا “إيغاد” ورقنة جيبو، جوبا في الثاني عشر من أغسطس الجاري، في مسعى لاحتواء الأزمة داخل المعارضة والعمل على تسريع تنفيذ بنود اتفاق السلام.
وفي اليوم التالي طالبت الأمم المتحدة أطراف المعارضة المسلحة بحل خلافاتهم بالطرق السلمية حتى لا تؤثر على تنفيذ اتفاق السلام. وفي الثامن من أغسطس أجرت وزيرة الخارجية السودانية اتصالات مع نظرائها في دول “إيغاد” حول تطورات الأزمة بين فصائل الحركة الشعبية المعارضة في دولة جنوب السودان.
و”إيغاد” هي منظمة حكومية أفريقية شبه إقليمية، تأسست عام 1996، وتتخذ من جيبوتي مقرا لها، وتضم: إثيوبيا وكينيا وأوغندا والصومال وجيبوتي وإريتريا، والسودان وجنوب السودان.
وتوالت هذه التحركات بعد تصاعد التوترات العسكرية والسياسية بين مشار وأبرز قيادات الجيش، وعلى رأسهم رئيس هيئة الأركان جونسون أولونج قائد الفرقة الأولى، على خلفية الصراع داخل الحركة الشعبية.
وأعلنت قوى معارضة في جنوب السودان عزل زعيمها مشار النائب الأول لرئيس البلاد من رئاسة الحركة الشعبية بزعم أنه “لم يعد يمثل مصالحها”. ورد مشار الخميس باتهام القادة الذين أعلنوا إبعاده بمحاولة “عرقلة تنفيذ اتفاق السلام”. وفي سبتمبر 2018 وقع فرقاء جنوب السودان اتفاق سلام نهائيا في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بحضور رؤساء دول “إيغاد”.
وانفصلت دولة جنوب السودان عن السودان عبر استفتاء شعبي عام 2011، وهي تعاني حربا أهلية منذ أواخر 2013، اتخذت بعدا قبليا، وخلفت نحو 10 آلاف قتيل ومئات الآلاف من المشردين.
وبعد مضي أكثر من عام على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في جنوب السودان لا تزال المخاوف قائمة من اندلاع حرب أهلية في البلد الذي يعاني من نزاعات على رأس السلطة وأعمال العنف بين المجموعات السكانية والجوع. وتتعاظم المخاوف مع عدم احترام الفرقاء للالتزامات التي تم التعهد بها العام الماضي.
وقال أتيم سايمون، وهو صحافي جنوب سوداني، إن زيارة حمدوك لجوبا خلقت حراكا كبيرا في البلد، خاصة في القضايا العالقة ولاسيما مسائل الحدود والتجارة والنفط، على الرغم من أن الهدف الرئيسي للزيارة كان احتواء الأزمة داخل المعارضة في جنوب السودان.
وأضاف سايمون أن “الزيارة خلقت أثرا إيجابيا وقد تساهم في تهدئة الأوضاع الملتهبة في البلد والدفع باتجاه الحوار الداخلي بين أطراف المعارضة المتصارعة، وهو ما يصب في صالح تعزيز فرص صمود العملية السلمية”. وأشار إلى أن الخرطوم هي الضامن لاتفاق السلام في جنوب السودان بين الحكومة والمعارضة.
ووفق وليد النور زكريا، وهو صحافي ومحلل سياسي سوداني، فإن مبادرة حمدوك تجد قبولا لدى الأطراف المتصارعة. وأضاف زكريا “الخرطوم ليست لديها أي مصلحة في انتصار طرف على آخر، وهي محايدة بشكل واضح، ما يجعل مبادرتها للتهدئة وحل الأزمة ممكنة، لاسيما أن الصراع بين فرقاء جنوب السودان سياسي بالمقام الأول”.