الصومال اليوم

زواج القاصرات يُهدر أحلام ملايين الفتيات في الصومال

أظهرت بيانات مسح حكومي أجراه الصومال، العام الماضي، أنّ قرابة ثلث الفتيات يتزوجنّ تحت سنّ 15 عاماً، وبدلاً من مناهضة الحكومة لزواج القاصرات، الذي تكافح ضدّه المؤسسات الدولية والإقليمية، عرَض أحد أنصار الرئيس الصومالي، محمد عبد الله، مشروع قانون على البرلمان، يجيز زواج الفتاة منذ البلوغ، الذي ربما يبدأ في سن العاشرة أو قبل ذلك في بعض الحالات.

لكنّ الأزمة السياسية في الصومال، تعرقل التصويت على تمرير القانون، الذي يراه البعض إهداراً لحقوق النساء، أكثر مما هي مهدرة.

فتش عن الإخوان

بعد انحسارها في مصر وتونس والسودان، تحاول جماعة الإخوان التمدّد في الصومال، الذي أنهكته الحروب والمجاعات، وبدلاً من أن يلتفت الرئيس، المعروف بميله لجماعة الإخوان، إلى حلّ المشكلات السياسية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد، يقدّم أنصاره مشروع قانون لتقنين زواج الأطفال، المتسبّب في انهيار حياة ملايين الفتيات في الصومال.

تقول فريال عبد الله (24 عاماً)، شابة صومالية تقيم بالقاهرة وتدرس في جامعة الأزهر: “زواج القاصرات في الصومال هو السائد، وقلما تجد فتاة تخطّت الـ 18 عاماً دون زواج”.

وتتابع فريال، في تصريحها لـ “حفريات”: “والدي كان رجلاً مثقفاً، هرب بأسرتنا منذ عقدين إلى القاهرة، خوفاً علينا من الحرب والإرهاب، أمّا بقية فتيات العائلة، فجمعيهنّ تزوجن بين الـ 12 والـ 17 عاماً، وقد توفَّت فتاتان منهنّ أثناء الولادة، ولا مهرب لهؤلاء الفتيات اللاتي يُكرهن على الزواج، من الأهل والعشيرة بسبب الحاجة إلى المال، أو للتخلص من العبء الاجتماعي، والأخطر من ذلك هو الخوف من عمليات الاغتصاب الذي تمارسه الجماعات الإرهابية بحق الفتيات، لذلك يسارع الأهل إلى تزويج الفتاة قبل بلوغها، خوفاً من اغتصابها، والأكثر فداحة؛ عمليات الختان التي تخضع لها الفتيات الصوماليات، والتي تمارس على أكثر من 98% منهن، والذي يُعرف بـ “الختان الفرعوني”، ما يتسبّب في كوارث صحية لهنّ، وقد ماتت فتاتان من عائلتي بسبب هذه العمليات”.

 المرأة أكبر هواجس الإسلامويين

غالباً ما يوصف الصومال بأنّه الدولة الفاشلة الأكبر في العالم،  بلد ينعدم فيه القانون ويغرق في الصراع منذ أكثر من 30 عاماً، وتواجه النساء الصوماليات خطر الموت أثناء المخاض والاغتصاب والقتل أكثر من نظيراتها في العالم، ولا تنافسها سوى أفغانستان، ومع ذلك يسارع الإسلامويون في الصومال لتقنين الجرائم التي تتعرض لها النساء، محاولين شرعنة جرائمهم بموجب القانون.

ويرى الصحفي الصومالي، المتخصص في الشأن الأفريقي، عبد الفتاح موسى؛ أنّ البرلمان الذي لا يهتم بتشريع قوانين تحمي حقوق النساء، ويتركهنّ كلّاً مستباحاً لجرائم الختان والاغتصاب، يحاول اليوم شرعنة زواج الأطفال، بدلاً من مكافحته.

يقول موسى: “مشروع قانون المعاشرة الذي طرحه نائب رئيس البرلمان يعدّ من القوانين غير المقبولة، جملة وتفصيلاً، من البرلمانيين والشعب والمثقفين، وذلك لعدة أسباب، أهمها؛ أنّ تحديد سنّ الزواج بالبلوغ، الذي ربما يبدأ في عمر التاسعة عند بعض الأطفال، هو حرمان رسمي من التعليم، وشرعنة لزواج الأطفال، ما يعدّ جريمة إنسانية بموجب القانون الدولي والأعراف الإنسانية، ولأنّ هذا الشكل، المسمى بالزواج، هو جريمة اغتصاب مكتملة الأركان، فإنّ أحد بنود هذا القانون، هي إعفاء المغتصب من العقوبة، في حال أقرّت الفتاة، مهما كانت صغيرة، أنّه كان بالتراضي، وهنا يفتح المجال للأهل والعشيرة المتحكمين في المجتمع بشكل رئيس، للضغط على الفتاة بعدم البوح بجرائم الاغتصاب.

 هناك أيضاً بند في هذا القانون يتحدث عن غرامة مالية يدفعها من يؤذي زوجته الصغيرة أثناء معاشرتها، وهذا اعتراف ضمني من المشرّع بأنّ هكذا زواج هو خطر يحيق بالفتاة، وبفضل العائلة والقبيلة، لن تخول لها نفسها اللجوء إلى القانون”.

يستطرد موسى: “جرائم الشرف والاغتصاب في الصومال كثيرة جداً، وليس هناك أيّ قانون رادع لهذه الانتهاكات، من قبل الحكومة المركزية في مقديشيو، بل الأسوأ من ذلك هو هذا القانون الذي يسعى لطمس أيّ إجراء قانوني قد تتخذه النساء في المستقبل، ضدّ هذه الأفعال الوحشية، والتي تتواطأ فيها العائلات والعشائر، للقضاء على حقوق النساء وقتل أيّ صوت ينادي بحقوق هؤلاء الضعيفات”.

 النساء يدفعنّ الثمن الأكبر

لأكثر من ثلاثة عقود، يعاني الشعب الصومالي من ويلات والحرب والإرهاب، والفقر الناجم عن اجتياح الجماعات الإرهابية المسلحة، وموجات الجفاف التي تضرب البلاد لأعوام، لكن أكثر من دفع ثمن هذه الفوضى “النساء”، اللاتي يفتقدن أبسط سبل الحياة اليومية، ويحيط بهنّ الموت من كلّ جانب، وحتى  الصوماليات خارج البلاد، لم يتم إعفائهنّ من العادات والتقاليد، والتي تطاردهنّ في قلب أوروبا.

 وبحسب عبد الرحمن سعيد (34 عاماً)، وهو مواطن صومالي يقيم في النرويج، التي تمتلك جالية صومالية كبيرة؛ فإنّ هذه الجالية التي هربت من ويلات الحرب إلى أكثر مناطق أوروبا ثراءً وتحرراً، تمارسن الطقوس الإرهابية نفسها التي تمارس ضدّ الفتيات في الصومال.

يتابع سعيد: “يسكن الصوماليون منطقة واحدة في العاصمة أوسلو، التي يعيش فيها أكثر من نصف مليون صومالي، نزحوا بكثافة في العقدين الأخيرين هرباً من ويلات الحرب، لكنّهم اليوم يمارسون الطقوس نفسها التي أوصلت مجتمعهم إلى الانهيار التاريخي غير المسبوق؛ فالفتيات يتم تزويجهنّ قبل سنّ الـ 18 عاماً، بحجة الخوف من الدخول في علاقات غير شرعية على غرار المجتمع الأوروبي، ويتم إجبارهنّ ومنعهنّ من اختيار أزواج من جنسيات غير صومالية، وحتى طقوس الختان الفرعوني التي يشتهر بها الصومال، تمارسها الأمهات ضدّ فتياتهنّ في النرويج، عن طريق القابلة المسؤولة عن ختان كلّ الصوماليات في المدينة، قبل سنّ العاشرة”.

ورغم كلّ هذه الكوارث التي تحيط بالمرأة الصومالية، فإنّ الآمال معلقة بـ “ميثاق المرأة الصومالية”، الذي تمّ نشره في أيار (مايو) من العام الماضي، بعد اجتماعات  عُقدت على مدى ثلاثة أيام في مقديشو، في آذار (مارس) 2019، وجاء ثمرة مناقشات 350 امرأة مدافعة عن النوع الاجتماعي من جميع أنحاء الصومال ونساء المهجر، وضعن أجندة مشتركة لحقوق المرأة، عدّتها مؤسسات دولية عديدة، انطلاقة حقيقية للتغيير؛ إذ يؤكد الميثاق أنّ المرأة الصومالية “شريكة متساوية تعمل من أجل السلام والعمليات السياسية”، وتشمل المطالب المحددة التمثيل الخاص للمرأة في جميع المؤسسات العامة، وعدم التسامح مطلقاً مع العنف القائم على النوع الاجتماعي، وإقرار التشريعات المعلقة بشأن الجرائم الجنسية، وتعزيز الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمرأة وحمايتها.

Exit mobile version