مع بداية العد التنازلي للانتخابات التشريعية في الصومال المزمع عقدها في سبتمبر المقبل، كانت القاهرة ضمن المحطات الرئيسية لرئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي الباحث عن إعادة التوازن إلى علاقات مقديشو المتوترة مع قوى إقليمية وازنة.
وحملت الزيارة التي يقوم بها رئيس وزراء الصومال محمد حسين روبلي إلى القاهرة رسائل سياسية إيجابية بشأن اهتمام مصر بنجاح الانتخابات التشريعية والرئاسية في الصومال، وحرصها على إنهاء فترة القطيعة السياسية معه.
ويشير التوجه المصري نحو دعم تحركات روبلي الرامية إلى إنجاز مهمة الانتخابات إلى تباعد مع الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو الذي حاول تعطيلها، وهو المعروف بعلاقته الوطيدة مع كل من قطر وتركيا، ما يعني أن القاهرة يمكن أن تصطدم بتوجهات الدوحة وأنقرة في الصومال بعد أن هدأت العلاقات السياسية الثنائية وفي بعض المحطات الإقليمية مع كلتيهما مؤخرا.
وأجرى رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي ونظيره الصومالي مباحثات الاثنين رحب خلالها الأول بالاتفاق الذي تم التوصل إليه لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الصومال وفق جدول زمني محدد.
واستقبل وزير الخارجية المصري سامح شكري الثلاثاء محمد روبلى وتباحثا حول العلاقات الثنائية والقضايا محل الاهتمام المشترك، في محاولة لتوفير دعم معنوي للمسؤول الصومال الذي يواجه تحديات سياسية صعبة.
وقال نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية صلاح حليمة إن القاهرة منزعجة من الوجود التركي في الصومال تزامنًا مع نشاط متوقع لبعض التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وتسعى للتنسيق الأمني مع الحكومة الفيدرالية في ظل معلومات أشارت إلى أن حركة الشباب الصومالية التي لديها علاقات وطيدة مع حركة طالبان قد تكثف عملياتها على نطاق أفريقي أوسع.
وأضاف في تصريح صحفي “أن تركيا تتواجد على ثلاثة محاور تهدد الأمن القومي المصري، وهي الصومال وليبيا وتبني قوة ثالثة في أفغانستان، ما يشكل خطراً يستوجب التعامل معه عبر مستويات عديدة.
وأكد حليمة الذي شغل منصب سفير الجامعة العربية في مقديشو أن القاهرة تسعى لعدم تكرار استقطاب الصومال ضد الإجماع العربي في قضية سد النهضة الإثيوبي، وتستهدف تأمين المصالح المصرية والعربية في البحر الأحمر بعد دخولها كدولة ضمن مجلس الدول المطلة على هذا الممر المائي الحيوي.
ولا تنفصل زيارة روبلي عن مساعي القاهرة لتقديم الدعم اللازم لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في الصومال لضمان تولي سلطة منتخبة بعيداً عن التأثير عليهما من جانب قطر وتركيا اللتين تدعمان خصمه فرماجو.
ويدفع التقارب بين مصر ورئيس الوزراء الصومالي إلى تحريك دور القاهرة نحو بناء قدرات المؤسسات الوطنية في مجالات مختلفة بما يساعد في مجابهة التحديات. وقالت الباحثة في الشؤون الأفريقية نرمين توفيق إن تطورات الأوضاع في الصومال واقتراب بدء مرحلة جديدة مع إجراء الانتخابات تجعل هناك رغبة مصرية في تقديم الدعم اللازم للحفاظ على الأمن وتحقيق قدر من الاستقرار في هذا البلد المنكوب، والتقارب مع روبلي يأتي باعتباره شخصية توافقية وليست لديه خلفيات سياسية تضعه في خانة تركيا وقطر، ويمكن أن يكون له دور مهم في مستقبل الصومال.
وأوضحت في تصريح صحفي” أن روبلي يملك رغبة واضحة في إعادة علاقات الصومال مع الدائرة العربية في مواجهة المد القطري والتركي المهيمنين على توجهات الرئيس فرماجو، ويتلاقى ذلك مع أهداف القاهرة التي تسعى لتنويع علاقاتها مع دول القارة الأفريقية والحفاظ على مصالحها في البلد الحيوي، لأن هناك إدراكا بأن وضع فرماجو أضحى على المحك.
وانطلقت أواخر شهر يوليو الماضي انتخابات مجلس الشيوخ داخل الولايات الصومالية الخمس بعد نحو تسعة أشهر من الانتظار وسوف تجرى انتخابات مجلس الشعب الاتحادي في سبتمبر المقبل.
ويتكون البرلمان الصومالي من غرفتين، هما مجلس الشيوخ ويضم 54 عضوا يمثلون الولايات، ومجلس الشعب ويتكون من 275 عضوا يمثلون العشائر.
وتم تعيين روبلي رئيسا للوزراء في السابع عشر من سبتمبر من العام الماضي خلفا لحسن علي خيري الذي سحب البرلمان الثقة منه في الخامس والعشرين من يوليو العام الماضي بتهمة فشل حكومته في إيصال البلاد إلى مرحلة إجراء انتخابات مباشرة.
وتنصب مهمة روبلي على ترتيب الأوضاع لإجراء انتخابات، ويتبع الرجل سياسة حكيمة ويحاول الجمع بين الأطراف على أساس وطني بعيدا عن الانتماءات المناطقية والاجتماعية والسياسية المسبقة، خاصة بعد تفويضه في الأول من مايو الماضي بتنظيم عملية الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وحاول روبلي وفرماجو تهدئة الخلافات بينهما، لكن الصدام عاد مجددا عندما أصدر الثاني مرسوما رئاسيا في السابع من أغسطس الجاري يمنع فيه “الحكومة الفيدرالية وجميع وكالاتها من توقيع اتفاقيات سياسية واقتصادية وأمنية مع الشركات الكبرى والدول حتى ينتهي موسم الانتخابات وتجتاز البلاد المرحلة الانتقالية التي تمر بها”.
وهدفت الخطوة إلى تعطيل الجهود التي يقوم بها روبلي لإعادة العلاقات مع كينيا أو أي دولة أخرى يتطلع إلى تصويب العلاقات معها أو اتخذت موقفا سلبيا من بلاده نتيجة إنحيازات فرماجو التي تدور في فلك قطر وتركيا.