كتب / جلال الشرعبي
على بعد 1177 كم عن باب المندب، أقامت تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها في العاصمة الصومالية مقديشو.
في الجغرافيا السياسية البلدان التي تقع على موقع استراتيجي، وتكون ضعيفة، تصبح ضحية لهذا الموقع، واليمن والصومال تمثلان أبرز الأمثلة لذلك.
في مطلع تسعينيات القرن العشرين، انهار نظام سياد بري في الصومال، وفي مطلع العقد نفسه، كانت اليمن تخطو أهم خطواتها بتحقيق الوحدة اليمنية.
بعد قرابة 3 عقود بدأ التعافي يعود للدولة الصومالية، في الوقت الذي انهارت الدولة في اليمن وذهب البلد للفوضى، وتلاشت على الأرض أهم خطواته المتمثلة بالوحدة.
دخول الصومال إلى الفوضى لم تكن اليد الخارجية فيه غائبة، لكن نظام الحكم ساعد تلك اليد لأن تمتد لهدم بنيان الدولة، وتشريد الصوماليين في بقاع الأرض.
يعود الصومال للحياة الآن لأن اليد الخارجية أرادت ذلك أيضاً، ويذهب اليمن بنفس التوقيت إلى الفوضى ضمن أدوار مرسومة كان التدخل الخارجي يسعى له، وكانت أنظمة الحكم تمهد الطريق له، لأن ما بقي في رأس علي عبدالله صالح، هو نفس ما بقي في رأس سياد بري، من أخطاء وأحلام في التوريث. في مايو من العام 1986، أدخل حادث مروري الرئيس الصومالي محمد سياد بري في غيبوبة، ونقل على إثرها إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض.
وفي شهر يونيو من العام 2011، استهدف تفجير في جامع دار الرئاسة، الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، ونقل بعد إصابات بالغة، وهو في حالة إغماء، إلى المستشفى العسكري بالرياض.
إغماءتان في مقديشو وصنعاء، أعادتا الصومال واليمن إلى ما قبل الدولة.
دخل أهل البادية المدن الصومالية، مثلما في العام 2014 اجتاح الحوثيون صنعاء.
لقد تحولت المدينة التي تصدر قيم المدنية والدولة، إلى ضحية تحت سطوة القرية، في مجتمعين مازالت قيم جودة الحياة فيهما، في مهدها.
توفي محمد سياد بري في 2 يناير 1995، في العاصمة النيجيرية لاغوس، ودفن في مدينة غربهاري جنوبي غرب الصومال.
وفي 4 ديسمبر 2017، قُتِل الرئيس علي عبدالله صالح، على يد الحوثيين، في صنعاء، ولم يتم تأكيد دفن رفاته من عدمه بشكل موثق.
لا يمكن فهم الصراع حول باب المندب، دون فهم سيناريوهات التدخل الخارجي لبلدان ذات موقع استراتيجي مثل اليمن والصومال.
ولا يمكن تتبع خيوط التدخل الخارجي دون معرفة لعنة التاريخ وقدرية الجغرافيا في منطقة اليمن والقرن الأفريقي الملتهب.
اليوم تعود الحياة إلى مقديشو بحذر، لأن هناك إرادة دولية أولاً لعودة الحياة.
واليوم تجاوز الدعم الأمريكي فقط خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ملياري دولار، بعد أن كانت تنظر للصومال بقسوة مشاهد سحل الجنود الأمريكيين لقوات دلتا عالية التدريب، في شوارع مقديشو.
واليوم يقف في قصر الرئاسة “فيلاصوماليا“ رئيس يحمل الجنسية الأمريكية، هو محمد عبدالله محمد “فرماجو”.
واليوم في الصومال يتصارع الخارج لاقتسام ثمن السماح بقيام الدولة، وفي المقدمة تقف تركيا على الأرض في قاعدة عسكرية هي الأكبر لها خارجياً، تستثمر في كل شيء من بوابة المطار إلى البنية التحتية والموانئ والنفط والغاز والأرض المفتوحة.
وتقف قوات حفظ سلام أفريقية.
ويقف صراع متعدد الأقطاب!
ولكن ماذا عن الصراع على باب المندب؟
إن له وقفات أخرى…
*نقلاً عن يمن سايت