الصومال اليوم – الشافعي أبتدون
يخشى مراقبون أن تتحول لغة الرسائل والبيانات المتناقضة بين الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو ورئيس حكومته محمد حسين روبلي، إلى أزمة سياسية جديدة تهدد الاستقرار والمشهد الانتخابي في البلاد، وذلك عقب مرسوم من فرماجو، قبل أسبوع، جمد خلاله عمل الحكومة الصومالية، بمنع وزاراتها من دخول مفاوضات أو اتفاقيات تجارية مع منظمات ودول أجنبية.
وقد خالف رئيس الوزراء محمد حسين روبلي هذا المرسوم، الأحد الماضي، موضحاً صلاحية الحكومة في مزاولة مهامها، طبقاً للبند 97 بفقرته الأولى من الدستور المؤقت، الذي يخول الحكومة تنفيذ مهامها وضبط الأمن وحماية المصالح القومية والدستورية، إلى جانب إبرام الاتفاقيات الدولية من بروتوكولات وتفاهمات دبلوماسية مع دول العالم.
وحظر فرماجو، بموجب مرسوم، على مؤسسات الدولة، وخاصة الوزارات، التوقيع على اتفاقيات، ودخول عقود جديدة، أو مفاوضات باسم الحكومة الصومالية أثناء فترة انتخابات مجلس الشيوخ بحلول نهاية أغسطس/آب الحالي، والرئاسة المتوقعة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
كما علق المرسوم الاتفاقيات التجارية المبرمة مع دول أخرى، معتبراً أنه لا يجوز التوقيع على اتفاقيات بشأن نقل الملكية العامة حفاظاً على المصالح العامة التي تمس بملكية الدولة.
ويتساءل قانونيون عن مدى شرعية إصدار فرماجو مرسوماً يمس عمل الحكومة الفيدرالية ويعطلها.
ويقول القانوني سعيد علي جري، “ليس من اختصاصات الرئيس الصومالي وفقاً للدستور في فقرته الـ90 إصدار تشريع أو قانون، بل من اختصاص البرلمان الصومالي”.
وأضاف أن “هذا القانون (المرسوم) الذي أصدره الرئيس، يأتي في ظل انتخابات برلمانية ورئاسية في البلاد، فضلاً عن انتهاء الفترة الدستورية للمجالس التشريعية والتنفيذية، ما يجعل التشريع الجديد من قبل فرماجو لا يستند إلى بند قانوني”.
وعن دلالات هذا المرسوم، يعتبر سعيد جري أن “هذا القرار بمنزلة خطوة استباقية للحيلولة دون تمكن الحكومة الصومالية من دخول مفاوضات جديدة مع السلطات الكينية، وهو ما سيعقد من الأزمة الدبلوماسية بين البلدين ويصعّد الخلاف السياسي بينهما”.
ويرى مراقبون أن بوادر أزمة تفوح رائحتها في المشهد السياسي بسبب التباين في إدارة ملف أزمة العلاقات الدبلوماسية مع نيروبي، خصوصاً بين رئيس البلاد ورئيس حكومته، ما من شأنه أن يفجر توتراً سياسياً داخلياً، ويعرقل مسار العملية الانتخابية التي انطلقت في أقاليم عدة فيدرالية في عموم البلاد منذ أواخر يوليو/ تموز الماضي.
ويقول الصحافي الصومالي عدنان عبدي، إن “أسباب الخلاف بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء، منها ما هو سياسي ومنها ما هو دستوري.
فمن الناحية الدستورية جاء بعد انقضاء ولاية فرماجو في 8 فبراير/شباط الماضي، وبهذا لم يعد الرئيس يحتفظ بسلطته الكاملة دستورياً، بسبب انتهاء مدته الشرعية.
أما صلاحيات رئيس الحكومة، فهي مستمرة بحكم الدستور إلى حين انتخاب إدارة جديدة في البلاد.
كما أن رئيس الوزراء أصبح المسؤول الأول في البلاد، وذلك عقب توليه ملف إدارة الانتخابات والأمن من فرماجو في إبريل/نيسان الماضي”.
ووفق عدنان، فإن الشق السياسي في الأزمة يتمثل في دور رئيس الحكومة الصومالية في تهدئة الأوضاع السياسية في البلاد، أثناء فترة الاحتقان الذي شهدته البلاد في إبريل الماضي، وأصبح روبلي منذ ذلك الحين في موقف مخالف مع فرماجو.
واعتبر أن الخلاف الذي كان يدار تحت الكواليس، برز إلى العلن منذ الانفتاح الدبلوماسي بين مقديشو ونيروبي، في مايو/أيار الماضي، بوساطة قطرية.
وبحسب عدنان، فإن هذا الخلاف سيؤثر سلباً على المشهد الانتخابي، إذ من الممكن أن تذهب الأوضاع إلى سياسات محاور موازية بين الرئيسين، يحاول كل منهما فرض أجندته على الآخر، وهذا سيعرقل حتماً سير العملية الانتخابية بسلاسة، وانقسام رؤساء الولايات الفيدرالية بين مؤيد ومعارض لفرماجو وروبلي، ما يجعل تنفيذ الجدول الانتخابي غير ممكن إذا تصاعدت حدة الخلافات، ناهيك بتداعيات هذا الصراع على مستقبل الصومال الذي يشهد استقراراً داخلياً منذ فترة.
ويرى الباحث في مركز الصومال للدراسات أويس عدو، أن هذا الخلاف يمكن أن يتطور إلى أزمة سياسية تهدد استقرار البلاد، سياسياً وأمنياً، في حال اتخذ فرماجو قرار تنحية رئيس حكومته، وهو ما يمثل تهديداً أيضاً لسير عملية الانتخابات.
لكنه اعتبر أنه مع بدء الانتخابات النيابية تبدو خطوات الرئيس غير ممكنة، لأن البرلمان انتهت فترته، وفرماجو يريد إعادة انتخابه لولاية ثانية، وهو أمر لا يسمح له بمواصلة التصعيد ضد رئيس حكومته.
ويضيف عدو أن صراع النفوذ كان محتدماً منذ عقود، بسبب الغموض في صلاحيات رئيس البلاد ورئيس الوزراء في الدستور المؤقت (2012)، الذي لم يفصل صلاحيات أقوى رجلين في الدولة، حيث يمنح رئيس البلاد صلاحية تعيين رئيس الحكومة ومن ثم تقديمه للبرلمان لمنح الثقة له، وذلك من دون أن يقدر رئيس البلاد على طرده من رئاسة الحكومة، إلا من خلال تصويت البرلمان.
ويشير إلى أن الصراع، خلال ولايات الحكومات الانتقالية، كان يدور دائماً بين رئيس البلاد ورئيس الوزراء، لكن هذه المرة الأمر مختلف، بسبب الانتخابات وعدم وجود برلمان لفصل النزاع بين الرجلين، ما يمكن أن يؤجج النزاع، إذا لم يحتكما إلى الحكمة وضبط النفس، لتجنيب البلاد مزيداً من الأزمات السياسية.
ويرى قانونيون أن غياب المحكمة الدستورية، إلى جانب دستور غير مكتمل منذ 2012، يفجر الخلافات السياسية حول إدارة البلاد بين رئيسي الجمهورية والحكومة، وهو أمر أطاح برئيس الحكومة السابق حسن علي خيري في يوليو/تموز 2020.
وأوضحوا أنه مع انتهاء فترة عمل البرلمان، فإنه من الصعب أن يتخذ فرماجو خطوات لإقالة رئيس حكومته، ما يجعل الصراع بينهما باقياً، ما لم يبادر أحدهما بنزع فتيل التوتر.
ويعتبرون أن الصراع لا يصب في صالح فرماجو الذي يسعى لانتخابه لولاية ثانية، ما يجعل معادلة الصراع بينهما غير متكافئة، حيث لا ينوي رئيس الحكومة خوض انتخابات الرئاسة، ما يعطيه مساحة أكبر للعب دور إيجابي في إجراء انتخابات شفافة.