تقدم الخرطوم نفسها منذ أسابيع كأحد أفضل الوساطات المتاحة لحل الأزمة الإثيوبية وتخفيف حدة تداعياتها الإنسانية، وذلك رغم إصرار إثيوبيا على رفض محاولات التدخل في ما تعتبره شأنا داخليا. وهو ما يرى فيه محللون محاولة من السودان لحماية مصالحه بعد عجزه عن وقف تدفق اللاجئين إلى أراضيه، وبعد أن تحولت الأزمة الإثيوبية إلى أزمة إقليمية.
وبعثت التحركات السودانية لمحاولة حلّ الأزمة المندلعة منذ أشهر في الجارة إثيوبيا بين الحكومة و”الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” بإشارات إلى أن الخرطوم قد تلعب في الفترة القادمة دورا أكبر لحلّ الأزمة رغم أن أديس أبابا مازالت إلى الآن تتمسك برفض محاولات التدخل في شؤونها الداخلية.
والأربعاء، بحث رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن سبل تشجيع الأطراف المعنية في إثيوبيا على وقف إطلاق النار.
وقال مجلس الوزراء في بيان، إن الطرفين اتفقا على أهمية تشجيع الأطراف الإثيوبية على التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار والدخول في حوار شامل، بهدف الحفاظ على وحدة الدولة واستقرارها، مع أولوية ضمان وصول المساعدات الإنسانية للسكان في مناطق النزاع وبصورة عاجلة.
وقد سبق ذلك سلسلة من الاتصالات أجراها حمدوك مع قادة ورؤساء حكومات بصفته الرئيس الحالي للهيئة الحكومية للتنمية في شرقي أفريقيا “إيغاد”، حول الأوضاع بالجارة إثيوبيا يومي 26 و27 يوليو الماضي. كما تلقى أيضا اتصالا من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد دون الكشف عن تفاصيل المحادثة.
رفض إثيوبي
تجد التحركات السودانية رفضا إثيوبيا مبدئيا حتى الآن ليس لدور السودان في حد ذاته، بحسب محللين، بل لرفضأديس أبابا التدخل في شأنها الداخلي كموقف ثابت منذ اندلاع أزمة إقليم تيغراي قبل نحو 8 أشهر.
وقد رفضت الحكومة الإثيوبية الخميس لعب السودان دور الوساطة في أزمتها، واصفة الخرطوم بأنها “ليست طرفا ذا مصداقية” بحسب السكرتيرة الصحافية بمكتب رئيس الوزراء الإثيوبي بليني سيوم.
كما أعلنت السلطات الإثيوبية منذ الثلاثاء الماضي عن رفضها مطالب دولية بفتح ممرات للمساعدات الإنسانية من السودان إلى غرب إقليم تيغراي. وقال مفوض الهيئة الوطنية الإثيوبية لإدارة الكوارث والمخاطر (حكومية) متكو كاسا، إن الضغوط التي يمارسها أعضاء المجتمع الدولي (لم يسمهم) لفتح ممر إنساني من السودان إلى غربي إقليم تيغراي “أمر غير مقبول”.
وتمكنت قوات “الجبهة الشعبية” في يونيو الماضي من استعادة السيطرة على عاصمة إقليم تيغراي (شمال) مدينة مقلي، ما وجه ضربة موجعة إلى الحكومة الإثيوبية التي أجرت في نوفمبر الماضي حملة عسكرية في الإقليم.
وفي الرابع من نوفمبر 2020، اندلعت اشتباكات في الإقليم بين الجيش الإثيوبي و”الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”، بعدما دخلت القوات الحكومية الإقليم ردا على هجوم استهدف قاعدة للجيش.
وفي الثامن والعشرين من الشهر ذاته أعلنت إثيوبيا انتهاء عملية “إنفاذ للقانون” بالسيطرة على الإقليم بالكامل، رغم ورود تقارير عن استمرار انتهاكات حقوقية في المنطقة منذ وقتها، حيث قُتل الآلاف من المدنيين.
والجمعة الماضي، أعلنت الحكومة الإثيوبية تمسكها بوقف إطلاق النار من جانب واحد، إلا أنها مضطرة إلى التعبئة ونشر القدرة الدفاعية الكاملة للدولة إذا ظلت مبادراتها الإنسانية من أجل حل سلمي للصراع غير متبادلة. وذكرت في بيان أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تشن هجمات على إقليمي عفر وأمهرا المجاورين، خلفت أكثر من 300 ألف نازح والآلاف من القتلى.
لكنّ الصحافي والإعلامي السوداني عمر الفاروق يرى أن تأثيرات الصراع في إثيوبيا لم تعد شأنا داخليا خاصة في جانبها الإنساني، لأن الأزمة الإنسانية تهم العالم أجمع وصوت أميركا والاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بالتدخل الإنساني حاليا هو الأعلى والأقوى.ويؤكد أن دور السودان حتى لو لم يرض إثيوبيا،
جراء الخلافات بشأن سد النهضة والحدود، يمكن تحييده بأن يكون السودان هو المعبر لهذه المساعدات الإنسانية الطارئة في ظل وضع إنساني حرج.
كما أن السودان، وفق وجهة نظر الفاروق، هو المعبر الأقرب والممهد والأكثر سهولة وأمانا، ويرضي الطرفين الحكومة وتيغراي باعتبار أن أي دولة أخرى جيبوتي أو إريتريا لن تجد قبولا بالإضافة إلى الصراعات داخل إثيوبيا في طريق مرور هذه المساعدات إلى وجهتها في الإقليم.
وأشار الفاروق إلى أن السودان يمكن أن يكون معبرا فقط في هذه المساعدات التي تديرها منظمات دولية.
مصير مشترك
يرى المحلل السياسي السوداني والمختص في شأن القرن الأفريقي أمير بابكر عبدالله، أن بلاده يمكن أن يكون لها دور كبير في الوساطة بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تيغراي، “نظرا للعلاقات التاريخية بين الخرطوم وأديس أبابا، ودون النظر إلى التداعيات السياسية العارضة حاليا بين البلدين”.
ويشدّد عبدالله على أن السودان لديه علاقات جيدة مع الطرفين، ويمكنه أن يقوم بدور كبير في حل الأزمة الإثيوبية، فالسودان هو الأكثر قربا لإثيوبيا، ومن خلاله يسهل وصول المساعدات الإنسانية عن طريق ميناء بورتسودان ثم نقلها إلى الأراضي الإثيوبية.
وتشهد العلاقات بين البلدين خلافات حادة حول الحدود في الآونة الأخيرة وكذلك بشأن سد النهضة الإثيوبي.
ويشير المحلل السوداني إلى نقطة مفصلية في تعظيم دور الخرطوم في التوسط بين الأطراف الإثيوبية المتقاتلة، وهي أنه “يبحث عن مصلحته في استقرار إثيوبيا، والتي بالتأكيد تحقق مصلحة الخرطوم في وقف تدفقات اللاجئين إلى أراضيها”.
ويعزز موقف السودان في الأزمة الإثيوبية أنه الدولة الأكبر في استضافة اللاجئين. ففي 13 يوليو الماضي، أعلنت السلطات السودانية عن ارتفاع عدد اللاجئين الإثيوبيين الفارين من النزاع في تيغراي إلى 78 ألفا، دخلوا البلاد عبر حدود الولايات السودانية الأربعة المحاذية لإثيوبيا وهي القضارف وسنار وكسلا والنيل الأزرق، الممتدة على مسافة 744 كيلومترا.
وتقول الأمم المتحدة إن الاحتياجات الإنسانية في إقليمي أمهرا وعفار المجاورين لتيغراي تتزايد، حيث امتد الصراع إليهما.
وبحسب آخر إحصائية أممية، يحتاج أكثر من 5.2 ملايين شخص في تيغراي، وهم يمثلون أكثر من 90 في المئة من سكان الإقليم إلى مساعدة إنسانية طارئة، بما في ذلك قرابة 400 ألف يواجهون ظروفا شبيهة بالمجاعة.