وضع إعلان رجب طيب أردوغان نيته منح الصومال مبلغ 30 مليون دولار الرئيس التركي في عين العاصفة، حيث نددت المعارضة بهذه الخطوة خاصة أنها تأتي في وقت تُعد فيه تركيا في أمسّ الحاجة إلى هذه الموارد لاسيما بعد الحرائق المستعرة التي تسببت في أضرار جسيمة للعديد من الأتراك الذين يطالبون بتعويضات.
يُواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتقادات تفاقمت في الساعات الأخيرة إثر إعلانه عن عزمه تقديم مبلغ 30 مليون دولار للصومال في وقت يسعى فيه المتضررون من الحرائق الضخمة التي تشهدها البلاد للحصول على تعويضات.
وفجر تصريح أردوغان الخميس جدلا واسعا، حيث نددت به المعارضة التركية التي تتهمه بالعجز عن إخماد الحرائق التي اندلعت خاصة في ظل عدم توفر الإمكانيات للقيام بذلك بناء على ما صرحت به الحكومة التي شددت على أنها لا تملك طائرات لمجابهة الكارثة.
ويرى مراقبون أن قرار أردوغان منح الصومال 30 مليون دولار يأتي لتثبيت نفوذ تركيا هناك إذ يحاول أردوغان تعزير الاتفاقية الموقعة بين أنقرة ومقديشو الشهر الماضي، حيث تعهدت تركيا بدفعات شهرية بقيمة 2.5 مليون دولار للصومال.
وكانت تركيا قد انخرطت بقوة في الصومال في السنوات الماضية في مسعى منها لتعزيز نفوذها هناك، حيث خصصت ما يقارب 117 مليون دولار لمقديشو التي عانت كثيرا خاصة العام الماضي بسبب تداعيات الوباء والركود الاقتصادي قبل أن تتدخل أنقرة لإسعافها اقتصاديا من خلال تخفيف ديون الصومال والتعهد بحوالي 2.4 مليون دولار في شكل حقوق سحب خاصة، وهي احتياطيات النقد الأجنبي لصندوق النقد الدولي.
وجاء إعلان أردوغان الخميس ليفاقم الجدل حول طريقة تعاطي حكومته مع الكارثة التي حلت بتركيا وكشفت عن ارتباك واضح، حيث عارض الرئيس التركي بشدة دعوة دول أخرى لمساعدة بلاده في وقت أعلنت فيه الحكومة عن افتقارها لطائرات بإمكانها إخماد الحرائق المستعرة.
ويكتسي الصومال أهمية بالغة بالنسبة إلى أردوغان باعتبار أنه يستضيف أكبر قاعدة عسكرية تركية في الخارج، ويتم تدريب الجنود الصوماليين هناك على يد القوات المسلحة التركية. ولم تتردد المعارضة التركية لاسيما حزب الشعب الجمهوري الذي يُعد أكبر أحزاب المعارضة في التنديد بإعلان أردوغان.
واعتبرت المعارضة التركية أن “عملية تحويل 30 مليون دولار إلى الصومال هي ترف غير مبرر، خصوصا بعد فرض الحكومة قيودًا جديدة على الإنفاق الحكومي، وصولا إلى خفض تكاليف الورق وحركة السيارات الرسمية”. كما أن الاستنكار الحاد للسكان كان سببه دعوة السيدة الأولى للدولة إلى الحد من نظامهم الغذائي بسبب “التوزيع غير المتكافئ للغذاء في العالم”، لكن الأهم بالنسبة إلى المعارضة التركية هو حاجة الأتراك المتضررين من الحرائق إلى تعويضات.
وقال القيادي بحزب الشعب الجمهوري ألباي أنتمين إنه “كان من الممكن شراء ست طائرات إطفاء بهذه الأموال”. وتواصل السلطات التركية جهودها لإطفاء حرائق الغابات في ولايتي موجلا وأيدن غربي البلاد، وذلك بعد السيطرة على العشرات منها في أنطاليا وولايات أخرى.
وفي ولاية موجلا تستمر المساعي برا وجوا للسيطرة على خمسة حرائق. وتشارك في أعمال الإخماد ست طائرات و39 مروحية والعشرات من سيارات الإطفاء والآليات المختلفة، فضلاً عن أكثر من ألف عامل إطفاء.
وتشهد ولاية أيدن المجاورة لموجلا جهودا مماثلة أيضا لإخماد الحرائق في قضاء تشينا. وتستمر جهود الإطفاء برا عبر سيارات الإطفاء والعمال والمتطوعين، إلى جانب دعم جوي من قبل الطائرات والمروحيات.
وطالت حرائق الغابات عدة ولايات جنوب وجنوب غربي تركيا، من بينها أنطاليا وأضنة وموجلا ومرسين وعثمانية. وبلغت حصيلة ضحايا تلك الحرائق ست وفيات والعشرات من الإصابات منذ الثامن والعشرين من يوليو الماضي. وتمكنت السلطات المعنية من إخماد بعضها.
ويرى مراقبون أن توجه أردوغان الذي يتجاهل الأوضاع المتدهورة أصلا في تركيا حتى قبل الحرائق يرجع إلى محاولته تحصين نفوذ بلاده في الصومال الذي يكاد يكون المتنفس الوحيد له.
ويُعد هذا البلد الأفريقي مستوردا رئيسيا للبضائع التركية، ففي العام الماضي وحده بلغ دخل أنقرة من تصدير المنتجات لأغراض مختلفة إلى الصومال حوالي 270 مليون دولار. كما وقعت شركة تركية عقدًا مدته 14 عامًا لإدارة وتحديث الميناء في العاصمة الصومالية مقديشو.
ويتلقى الصومال مساعدات من أنقرة خاصة في مجال التنمية والمشاريع الاجتماعية من خلال وكالة التعاون والتنسيق التركية. وقامت تركيا ببناء مستشفى في البلاد وأعادت بناء مطار آدم عدي الدولي في العاصمة.