افريقيا و العالمالرئيسية

تنظيم الإخوان يعوض خيباته بالتمدد بصمت في أفريقيا وشرق أوروبا

قادت الضربة التي تلقتها حركة النهضة الإسلامية بفعل إجراءات الرئيس التونسي قيس سعيد والحراك الشعبي المؤيد لها وعدم قدرتها على الحشد إلى بعثرة أوراق الإخوان من جديد. ويحاول التنظيم التدارك والاستفادة من هذه الدروس التي تعرض لها في الدول العربية ببحثه عن مناطق نفوذ جديدة. وحسب الخبراء سيكون شرق أوروبا وأفريقيا وجهة تمدده الجديدة. وباختياره لمناطق لا تشكل أهمية استراتيجية له يريد التنظيم صرف الأنظار عنه كمحاولة للإفلات من إجراءات المراقبة والملاحقة، في حين سيعيد التفكير في خطواته القادمة لاستعادة نفوذه مستعينا بالنصائح الأميركية التي دعته فيها إلى تحسين صورته قبل الحوار مع إدارة بايدن. 

دفعت الهزة التي تعرضت لها حركة النهضة التونسية ذات المرجعية الإسلامية أعقاب قرار الرئيس قيس سعيد بتجميد البرلمان الذي يتزعمه رئيس الحركة راشد الغنوشي إلى إعادة التنظيم الدولي للإخوان حساباته وبحثه عن تمدد صامت في شرق أوروبا وأفريقيا تداركا لخسارته السياسية التي عرّت التراجع العميق لشعبيته على عكس ما كانت تروج له دوائره ووسائل الإعلام الموالية له. 

وأعقاب ما تعرض له تنظيم الإخوان من انتكاسات متتالية في المنطقة العربية ضيقت الخناق على مناوراته ومساعيه للاستحواذ على السلطة وبسط مشروعه الأيديولوجي، بات مهتما بالبحث عن بدائل في مواجهة ما تعرض له من خيبات، فيما يتوقع الخبراء أن يكون شرق أوروبا وأفريقيا وجهته المقبلة، وبرأي هؤلاء فإن اختيار التنظيم لمناطق لا تشكل أهمية جيوساسية له مجرد محاولة لصرف الأنظار عنه في هذه المرحلة، وهروب مؤقت إلى حين إيجاد استراتيجية جديدة تعيد نفوذه ومشروعه الأيديولوجي إلى 
الواجهة. 

وضاعف الارتباك الذي تعاني منه حركة النهضة في تونس من الصعوبات التي يواجهها التنظيم الدولي للإخوان بعد أن تعرض أحد أضلاعه المؤثرة إلى ضربة جديدة تضاف إلى جملة من الانتكاسات التي تعرض لها منذ الضربة القوية التي تلقاها في مصر قبل ثمانية أعوام وما تبعها من أزمات قادت إلى الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير في السودان، بالتزامن مع تضييق دول أوروبية عديدة الخناق على أنشطة التنظيم في أراضيها. 

وشكلت حركة النهضة الإخوانية حجر زاوية في ما يمكن تسميته بمشروع “العثمانيين الجدد”، وعول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على راشد الغنوشي زعيم الحركة لتكون تونس نقطة انطلاق جديدة للتنظيم الدولي في الدول العربية عبر المحور “المغاربي – الإسلامي” الذي يعتمد على سيطرة الإخوان على مفاصل السلطة (بدرجات متفاوتة) في كل من تونس والمغرب والجزائر وليبيا كمنفذ لترتيب أوراق التنظيم. 

وقادت الضربة التي تلقتها النهضة بفعل إجراءات الرئيس قيس سعيد والحراك الشعبي المؤيد لها وعدم قدرتها على الحشد إلى بعثرة أوراق التنظيم الدولي من جديد، لأن رعاة المشروع دشنوا خططهم على إفساح المجال أمام تمددهم في تونس وما حولها، وتسويق التجربة على أنها نجاح جديد للديمقراطية التي يتشدق بها التنظيم الدولي ويحاول الإيحاء بأنه لا يزال قادراً على تطبيقها في الدول العربية. 

وفي الوقت الذي تآكل فيه حضور الإخوان في دول المنطقة، لم تعد أوروبا بدورها بيئة مناسبة لأنشطة الحركة، مع تشديدها الرقابة على تحركاتها. 

ويواجه التنظيم حصاراً موازيًا في معاقله الرئيسية في أوروبا، حيث أصدرت ألمانيا الشهر الماضي قرارا يقضي بحظر استخدام شعارات جماعة الإخوان المسلمين في أي فعالية أو الدعوة لهم، وجرى فرض عقوبات بين الغرامة والسجن على المخالفين. 

وضيقت فرنسا الخناق على التنظيمات المتطرفة عبر إقرار اتفاق المبادئ الذي وافق عليه المجلس الأعلى للديانة الإسلامية هناك ويستهدف تطويق ما يصفها بالنزعة “الانفصالية” وتوظيف شؤون الدين والهوية من قبل جماعات محسوبة على الإخوان. 

وتتيح التشريعات الجديدة لمكافحة الإرهاب والتطرف في النمسا المضي قدما لحظر تنظيم الإخوان بعدما أضيف شعار التنظيم في عام 2019 إلى شعارات المنظمات المحظورة في البلاد، ثم اقترح برلمانيون وقف التعاون مع التنظيمات التابعة للإخوان. 

وفي تركيا التي تتواجد فيها قياداته بشكل رئيسي يواجه التنظيم مشكلات تتعلق بتعارض رؤاه مع توجهات الدولة التركية التي تبحث عن انفتاح عربي ودولي ينتشل الرئيس رجب طيب أردوغان من أزمات اقتصادية وسياسية بالجملة، وتأثره سلبًا بالتردد الأميركي في التعاطي مع التنظيم والاعتماد عليه في الشرق الأوسط عقب الفشل في تونس. 

البحث عن بدائل 

, تنظيم الإخوان يعوض خيباته بالتمدد بصمت في أفريقيا وشرق أوروبا

بحسب مجموعة من الخبراء والمتخصصين في شؤون الجماعات الإسلامية الذين تواصلت معهم “العرب”، بات التنظيم مهتما بالبحث عن التمدد في مناطق نفوذ جديدة وبناء مرتكزات للتواجد في دول شرق أوروبا مثل روسيا وأوكرانيا وتوظيف حالة السيولة الأمنية في دول القرن الأفريقي التي تتمدد فيها التنظيمات الإرهابية كما هو الحال في الصومال برعاية تركية، والاتجاه نحو أفغانستان استغلالاً للحضور الفاعل لحركة طالبان، مع البقاء في إنجلترا كمركز رئيسي لإدارة عملياته. 

وأكد الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد سلطان أن الأزمة التي يواجهها التن ظيم الدولي مركبة وذات أبعاد متعددة، لأنه يعاني من وجود قياداته المؤثرين داخل السجون المصرية، ومن تبقوا في الخارج تعرضوا لانتكاسات عدة جراء القرارات التي اتخذتها بعض الدول الأوروبية بشأن التعامل مع جماعات الإسلام السياسي، في حين أن التنظيم لم يحظ بعد بدعم الرئيس الأميركي جو بادين. 

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الجماعة تلقت نصائح من دوائر صنع القرار الأميركية بضرورة إعادة تحسين صورتها أولاً قبل أن تكون هناك حوارات وتفاهمات جديدة، في وقت يتعرض فيه التنظيم لانتكاسات تجعله غير قادر على الحركة، ما يدفعه إلى البحث عن حضور في مناطق لا تشكل أهمية جيوساسية له، مثلما هو الحال بالنسبة إلى الوضع في منطقة الشرق الأوسط، لكنها بالأساس مرحلة مؤقتة إلى حين تحسن أوضاعه. 

وأشار إلى أن التنظيم ينتشر في إطار استراتيجيات التمدد الصامت ولا يريد لفت الأنظار إلى تحركاته كي يتمكن من الإفلات من إجراءات المراقبة والملاحقة، ويمضي في تحريك قطاعاته المختلفة التي يعتمد عليها في كل قارة للبحث عن مناطق رخوة بدلا من تلك التي تعرض فيها لضربات شعبية وقانونية وسياسية مؤخراً. 

ومن المتوقع أن يكون حضور التنظيم مستقبلا، بجانب شرق وغرب أفريقيا، في بعض دول شرق أوروبا وترسيخ وجوده في دول وسط آسيا وبلاد القوقاز في ظل التضييق الذي تتعرض له قياداته وكوادره في كل من إندونيسيا وماليزيا والفلبين. 

ويعتقد سلطان أن التنظيم الدولي يحاول أن يستفيد من الدروس التي تعرض لها في الدول العربية ويرفض أن يضع البيض كله في سلة التواجد في تركيا وإنجلترا، فذهب البعض إلى كندا، ويعول على الوصول إلى قواسم مشتركة مع طالبان في أفغانستان. 

وقد يلجأ التنظيم الدولي إلى تحريك قواعده الإعلامية والتنظيمية بما يجعله أكثر قدرة على المراوغة والتأثير، وثمة كوادر إعلامية حالياً في تركيا سيتم نقلها إلى كل من لندن ومدريد وباريس على أن ينقسم تواجد قيادات العمل المسلح بين تركيا والصومال. 

تقليل الخسائر 

أشار الخبير في شؤون جماعات الإسلام السياسي صبرة القاسمي إلى أن التحركات الدبلوماسية التي قامت بها مصر والسعودية والإمارات أسهمت في تضييق الخناق على تحركات التنظيم في بعض الدول الأوروبية، وهو ما عانى منه التنظيم قبل الهزة الأخيرة في تونس، وهو ما يجعل تركيا تُلقي بثقلها لإنقاذ الموقف الحالي ودفعها للتأثير على حركة النهضة لاتخاذ مواقف براغماتية تقلل من الخسائر. 

وأوضح القاسمي في تصريح لـ”العرب” أن وجود التنظيم الدولي في العديد من الدول الأوروبية والآسيوية يختلف عن الحضور الفاعل في الدول العربية بعد أن وصلت هيمنته إلى مستوى سلطة اتخاذ القرار، بالتالي فتحركاته مهما كان اتساع مداها الجغرافي فإنها لن تكون بالتأثير الذي كان يحظى به التنظيم مع وجود الجماعة على رأس السلطة التشريعية والتنفيذية في تونس ومن قبلها على رأس النظام الحاكم في مصر والسودان. 

واعتبر أن سقوط رؤوس الجماعة في الدول العربية ينعكس مباشرة على أوضاعها في الدول الأوروبية والآسيوية والأفريقية لأن الغطاء الدبلوماسي الذي يضغط لترك مساحات حركة أمامها في هذه الدولة تقلص بشكل كبير، في حين أن بعض الأنظمة العربية تنسق مع أطراف دولية لاستعادة العناصر المتورطة في أعمال عنف وتشكل ضغطا موازيا في اتجاه آخر يدعم طرد عناصر الجماعة وتضييق الخناق عليهم. 

ويرى متابعون أن التطورات الأخيرة ستؤثر على نشاط التنظيم الدولي كضابط إيقاع للجماعة في دول عديدة بعد انعدام دور الجماعة في مصر وارتباكها في تونس، وخلق بيئة دولية جديدة عبر التنسيق المتصاعد بين مصر وقطر ما يزيد من الضغط على التنظيم الدولي الذي راهن على دعم سياسي ومالي وإعلامي للجماعة من الدوحة، وهو ما جعل الفروع مشتتة بدون مرجع أيديولوجي أو مركز قوي يضبطها ويديرها. 

في الوقت الذي تآكل فيه حضور الإخوان في دول المنطقة، لم تعد أوروبا بدورها بيئة مناسبة لأنشطة الحركة، مع تشديدها الرقابة على تحركاتها 

ويراهن التغيير الذي أجرته الأجهزة التركية للجنة التي تدير التنظيم الدولي حاليًا بقيادة إبراهيم منير وحلمي الجزار على تحجيم الانقسام داخله، لأن الاعتراضات وبواعث الانشقاق أضحت أقل تنظيمًا ولا تجد ما يدعمها بالنظر إلى أن الاتجاه المنافس كان يتبنى المواجهة الشاملة مع النظام المصري، الأمر الذي انتهى زمنه وفقد رعاته. 

وأكد الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية منير أديب أن ما حدث في تونس مؤخرا له علاقة بسقوط رأس التنظيم في القاهرة قبل سنوات، وما ستؤول إليه الأوضاع في تونس سوف يؤثر على طبيعة التنظيم في شمال أفريقيا وأوروبا، ومتوقع أن يتساقط الإخوان في أغلب دول العالم مثل قطع الشطرنج بفعل توالي الهزات. 

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن سقوط التنظيم في مصر وتونس لا يعد سياسيًا، لكنه سقوط له علاقة بالشعارات والأفكار التي رفعها التنظيم منذ نشأته واستهدفت دعم مشروعه التوسعي، وهو ما يؤدي إلى تهاوي الأفكار الآن، وقد تكون لذلك تأثيرات واسعة على مستقبل تنظيم الإخوان الذي يتعرض لأفول تدريجي. 

وأبرز أن الفكرة المؤسسية التي تُغري الآخرين للانضمام إليه أو تأييد قياداته وعناصره لم تعد ملهمة حاليا بسبب الانتكاسات المتكررة، وأن قطاعات واسعة ممن انخدعوا في التنظيم تيقنوا من أن الفكرة فاسدة ومتكلسة ولا تناسب الحاضر، ما يجعل كافة التحركات التي يقوم بها التنظيم الدولي بمثابة بحث عن أماكن بديلة للحياة. 

ورجّح البعض من المراقبين أن يقلل التنظيم من جرعاته السياسية ويحد من استخدام ألفاظ تدعو إلى العنف مثلما كان الحال في سنوات ماضية، وربما تتوخى قياداته الحذر لتبدأ في إعادة بناء التنظيم على أسس تختلف في شكلها، لكنها تعبر عن الجوهر ذاته.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق