ما دلالات وتأثيرات قرار روبلي بإقالة مسؤوليين أمنيين متنفذين على العملية الانتخابية في الصومال؟
أقال القائم بأعمال رئيس الوزرء محمد حسين روبلي في الـ 23/يوليو/2021م، عبدالله كُلني ، مدير شؤون الموظفين في جهاز المخابرات والأمن الوطني الصومالي، والمقرّب من محمد عبدالله فرماجو الرئيس المنتهية ولايته.
كذلك تم في اليوم نفسه إقالة الضابط عبد الوهاب شيخ علي مدير وحدة جهاز المخابرات والأمن الوطني في مطار آدم عدي الدولي الّذي كان المساعد الأيمن للضابط المُقال هو الآخر عبدالله كلني.
أسباب ودوافع إقالة الضابطين الأمنيين:
في الـ 21/يوليو/2021م، وأثناء مشاركة رئيس الوزراء في مناسبة لعرض التفاهمات حول حلّ قضية إقليم غيذو، أفاد روبلي بأنه لن يحدث مرّة أخرى منع مواطنين من السفر إلى المدن والمناطق المختلفة في البلاد، سواء كان هؤلاء المواطنون مرشحين لمنصب حكومي أو برلماني، أو كانوا أناسا عاديين، قائلا: “إن السفر والحركة داخل البلاد، حق دستوري، يكفله الدستور للمواطن الصومالي، إن المترشح لأي منصب من المناصب يحق له السفر، وممارسة حرياته الفكرية والسياسية، كما يجب على السلطات تحقيق هذا المطلب ومراعاته والحفاظ عليه… لقد تلقيت أنباءً تفيد بمنع أشخاص من زيارة عدّة مناطق مختلفه وإرجاع طائراتهم من المطارات قبل هبوطها، لن نسمح بحدوث ذلك مرّة أخرى، وإن حدث شيء من هذا القبيل فسنتخذ الإجراءات اللازمة ضدّ من يقومون بمثل هذه الخطوات. لا يمكن منع طائرة من الهبوط على مطار غربهاري في غيذو أو كسمايو في جوبا السفلى التابعتين لولاية جوبالاند جنوب الصومال“
بعد يوم تقريبا من هذا الخطاب، أي في الـ 23/يوليو/2021م، تم الاعتراض على رحلة جوية متجهة إلى غربهاري بسبب وجود عثمان نور حاج معلّمو، فيها، المحافظ السابق لمحافظة غيذو التابعة لولاية جوبالاند جنوب الصومال، الّذي أفاد لوسائل الإعلام بأن اتصالات من جهاز المخابرات أبلغت شركة الطيران بعدم السماح لهم بمغادرة مطار آدم عدي الدولي بغرض السفر إلى مدينة غربهاري حاضرة محافظة غيذو، مما أجبرهم على العودة إلى منازلهم وإلغاء رحلتهم المتجهة نحو غيذو!
بعد ذلك بساعات، أصدر روبلي قرارا بموجبه تم عزل كل من عبدالله كُلني وعبد الوهاب شيخ علي من منصبيهما في جهاز المخابرات والأمن الوطني الصومالي بتهمة ازدراء القوانين وانتهاكها، والاعتداء على الحقوق الدستورية لمواطنين صوماليين.
قانونية القرار وشرعيته:
أثير جدل حول قانونية قرار عزل رئيس الوزراء لقيادات في قوى الأمن والجيش الصومالي، إذ يرى بعض القانونيين أن الرئيس هو وحده من يقيل ضباط الجيش والقوى الأمنية الأخرى، لكونه القائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد، وأن دور رئيس الوزراء ومجلسه الوزاري يقتصر فقط على تقديم اقتراح بعزل من يرونه مناسبا للعزل والإقالة، فيوافق الرئيس على اقتراحهم أو يخالفهم عليه، في حين ترى فئة أخرى قانونية قرار رئيس الوزراء من عدّة أوجه، منها:
–أن الفترة الدستورية للمؤسسات الحكومية قد انتهت بما فيها الرئاسة الصومالية، وبالتالي ليس هناك سند قانوني يقرّ للرئيس المنتهية ولايته فقط ، صلاحية إقالة قيادات قوى الأمن والجيش.
–أن تكليف رئيس الوزراء بالمسؤوليات السياسية والأمنية المتعلقة بإدارة الانتخابات القادمة وإجرائها تعطيه الصلاحية الكاملة في اتخاذ الخطوات المناسبة إزاء أي تهديد يواجه أمن الانتخابات وشفافيتها.
دلالات قرار الإقالة ورسائله:
لقد بعث قرار إقالة كُلني ثاني أقوى رجل في جهاز المخابرات والأمن الوطني، بعدة رسائل، أهمها أن محمد حسين روبلي حازم في إدارة انتخابات نزيهة وشفافة، تتساوى الفرص فيها أمام المرشحين سواء كانوا أولئك الّذين يريدون الاحتفاظ بمناصبهم، أو هؤلاء الّذين يسعون إلى الانضمام إلى مسيرة إعادة بناء دولة القانون في البلاد، ثم إن القرار ليدل على مدى اهتمام روبلي بإبعاد الجيش والقوات الأمنية من القضايا السياسية، باعثا من وراء هذا القرار برسالة تحذيرية إلى كل من تسول له نفسه عرقلة الانتخابات، مفادها “أن لا مهادنة ولا تهاون مع أي شخص، مهما كان منصبه، يحاول التلاعب بقوانين البلاد أو خرق بنود الاتفاقيات السياسية بشأن الانتخابات”.
ويرى البعض أن إقالة كُلني تمثل رسالة قوية موجهة لفهد ياسين حاج طاهر، رئيس جهاز المخابرات، والرجل الّذي يعتقد أنه المتنفذ في مفاصل الحكم بالصومال، وفي مقدمة أصحاب هذا الرأي، النائب المعارض مهد محمد صلاد الّذي اعتبر الخطوة بأنها بداية لإرساء قواعد الحكم الرشيد وتثبيت لدعائم دولة القانون في الصومال، إلى جانب كونها رسالة تحذيرية إلى فهد ياسين حسبما جاء في منشور على صفحته في الفيس بوك عشية إقالة المسؤولين الأمنيين.
تأثيرات القرار على العملية الانتخابية:
يعتقد الكثير من المتابعين أن القرار سيؤثر بشكل إيجابي على نزاهة الانتخابات وشفافيتها، إلى جانب مساهمته في إعادة الثقة إلى نفوس أولئك الّذين كانوا يتوجّسون من التأثيرات الطاغية للجهاز على مشروع سير الأعمال الانتخابية قبل الإقدام على هذه الخطوة، التي رحب بها مجلس اتحاد المرشحين في بيان مشترك، جاء فيه: “يرحّب مجلس اتحاد المرشحين بالخطوة التي أقال فيها روبلي رئيس الوزراء ضباطا في جهاز المخابرات والأمن الوطني بسبب اتخاذهم إجراءات غير قانونية تحُرِم مواطنين صوماليين من ممارسة حقّهم الدستوري في حرية السفر والحركة”.
كما أن التأثيرات الإيجابية لهذا القرار ظهرت على أرض الواقع، حيث وصل كل من عبده علي راغي مستشار فرماجو للشؤون الانتخابية، وعثمان نور حاج معلّمو المحافظ السابق لمحافظة غيذو، إلى دائرتيهما الانتخابية، في كل من كسمايو وغربهاري، وقد كانا الشخصين الأخيرين اللذين تعرضا خلال هذا الشهر لمضايقات تصل إلى درجة المنع من دخول مدينة أو مغادرة من أخرى بسبب التعليمات الصادرة من جهاز المخابرات والأمن الوطني الصومالي من جهة، ومن إدارة جوبالاند من جهة أخرى!.