أصدرت الحكومة الفيدرالية الصومالية برئاسة الوزير الأول السيد/محمد حسين روبلي جدول الانتخابات في نهاية الشهر المنصرم(يونيو)،ولحد الآن فقد نفذت الفقرات الأولى من ذلك الجدول حيث تم التدريب وانتخاب رؤساء اللجان الفيدرالية والاقليمية.
ويتوقع أن تشهد الاشهر القادمة حملة انتخابة محمومة (أولا الانتخابات البرلمانية التي يتداخل فيها العنصر القبلي-الامني-الاقتصادي،والدولي، وثانيا الانتخابات الرئاسية). وعموما فالانتخابات الصومالية المرتقبة كسابقاتها تنعقد وسط تحديات أمنية وسياسية واقتصادية تتداخل فيها المصالح القبلية والسياسية وتأثيرات الدول المجاورة وطموحات المنظمات الإقليمية والدولية بشكل كبير، وذلك في ظل تباين وتناقض وجهات نظر تلك الدول في أغلب الأحيان. ولكن تتميز هذه الانتخابات بكونها تنعقد رغم أنف الادارة الحالية برئاسة السيد/محمد عبدالله(فرماجو)المنتهية ولايته منذ فبراير الماضي،وذلك بعد محاولته لامتداد فترة ولايته بطرق ملتوية إلا أن الشعب بقيادة أعيانه (من المدنيين والعسكريين)قابلها بالرفض القاطع فأجبر الرئيس إلى النزول لرغبة الشعب؛ ومن هنا يتوقع كثير من المحللين أن هذه الانتخابات ستختلف عن سابقيها حيث هنا لوبي محلي له رؤيته في كيفية الحكم وتداول السلطة في البلاد. مما يعطي الطرف المحلي (الصومالي) مساحة كبيرة في التأثير والتأثر في العملية الانتخابية يقول الالمحللون، وذلك عكس الانتخابات السابقة التي كان للعنصر المحلي دور هامشًي ضئيل من المناورة السياسية حيث كانت العملية الانتخابية خاضعة لأجندات ومؤثِّرات خارجية؛ مما طرح عكوسات سلبية(في نظر المحللين) على نتائج الانتخابات.
كما يتزامن ذلك مع إعلان الكثير من السياسيين عن ترشحهم لخوض السباق الرئاسي، وذلك في ظل تعدد غايات وأهداف المرشحين وتقاطع مصالحهم فيما بينهم من جهة، وتباين رغبات الدول الإقليمية والمجاورة من جهة ثانية، واختلاف وجهات النظر بين الأطراف الدولية تجاه المرشحين من جهة ثالثة واللوبي المحلي الثقيل في الانتخابات في هذه العملية من جهة رابعة.ولكون قائمة المرشحين عريضة سنستعرض أكثهم حظا في الانتخابات متناولين الجوانب الخفية من تلك الشخصية والفرص المتاحة أمامه مع المقارنة إلى خمسة شخصية مرشحة من بينهم الرئيس الحالي.وهذه الشخصية هو السياسي البارز العضو في البرلمان الصومالي السيد/عبدالقادر عسبلي علي.
نبذة عن حيادة المرشح والجوانب الخفية من حياته:
ولد السيد/عبدالقادر عسبلي في مدينة (لوق)من إقليم (غيدو)جنوب غرب الصومال في 13 يونيو عام 1962م،وتلقى المراحل التعليمية في العاصمة مقديشو حيث تخرج من مدرسة(هولوداج)الثانوية سنة 1982م، ثم حصل على ليسانس الآداب(بكالوريوس مع مرتبة الشرف)في العلاقات العامة والصحافة من جامعة الأزهر(القاهرة بمصر)عام 1989م، وبعد انهيار الحكومة المركزية في البلاد سنة 1991م، هاجر إلى أمريكا وعاش فترة في هناك درس فيها عن بعد أنظمة الحكم الديموقراطية. ومنها رجع إلى وطن الأم وبدأ بممارسة الأعمال التجارية ؛ حيث كان مديرا عاما للميناء الطبيعي(عيل-معان)في الفترة(2002-2006م)، ويملك هو وعائلته شركات استيراد وتصدير مثل شركة تدير البنية التحتية الرئيسية مثل الموانئ البحرية والمطارات وعددمن الفنادق، وكان مدير لشركة الخدمات اللوجستية التي تقدم الخدمات إلى الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والوكالات الإنسانية، و النجاح في مجال التجارة بإدارة شركات تجارية، وابرام العقود والإتفاقيات، والإشراف على التجارة في سوق الأعمال فرصة اكتسب الرجل منها خبرة في إدارة الأعمال الاقتصادية.إلى جانب كونه أبا لأسرة ناجحة فأولاده الكبار أكملوا الدرسة الجامعية بتفوق ملموس ويشتغلون مع شركات عالمية ومحلية.
ومن حيث الخلق والنظرة السياسية؛ فهو شخصية متواضعة هادئ الطبع دمث الأخلاق قليل التكلف بعيد النظر إلى جانب كونه صديق في معاملاته وفيا للعهود-فهو رجل الكلمة-. يصف أصدقاؤه بأنه يتصف بالكنة السياسية والفكر الاستراتيجي، ففي قضية الحقوق الضائعة من إقليم بنادر كان يقود حملات التوعية السياسية والإعلامية والتشريعية وسط سكان إقليم بنادر، وفي أجهزة الدولة الصومالية السيادية منذ سنوات دفاعا عن حقوق سكان إقليم بنادر، وهي تأسيس مؤسسات ديمقراطية تتولى حماية مصالح المواطنين وتقدم إليهم الخدمات الصحية،والتعليمية، والمياه والكهرباء ، وتشييد الطرقات والشوارع، وتحقيق الأمن والإستقرار والسلام في الإقليم. كان يقوم تلك الحملات في فترة ارتأاها البعض أنها مضيعة للوقت إلا أن البرلمان الصومالي بمجلسيه أخيرا صوت لإعطاء الإقليم تمثيلا سياسيا في مجلس السند للبرلمان الصومالي ووقع عليها الرئيس في حينه، مما يعطي مؤشرا إيجابيا أن الحقوق المتبقية للإقليم ستتحقق عما قريب بعد نهاية هذه الانتخابات الجارية. يختلف النائب عسبلي عن كثير من أقرانه-الساعين للقيادة العليا للبلاد- كونه غنيا ويملك مع أفراد أسرته شركات متعددة في التصدير والاستيراد، في البناء وأدوات البناء،في الخدمات اللوجسيتية، في الفندقة وسلسلة المطاعم،إلى جانب أعمال تطوعية مثل مدارس ومستشفيات تمولها الأسرة وتقدم خدمات مجانية للشعب.
كما لعب عبدالقادر عسبلى أيضا أدوارا محورية في تقديم المساعدة إلى المتضررين جراء فيضانات نهر شبيلى في ولاية هرشبيلى. وكان عضوا بارزا في وفد الأحزاب السياسية في نوفمبر 2020م الذي زار في مدينة بلدوين المنكوبة.إضافة إلى ذلك فإن علاقته مع المؤسسات التعليمية الأهلية قوية، ويساهم فيها عبر الدعم المالي، ومشاركتهم في فعالياتهم التعليمية والثقافية، وحفلات التخرج في مقديشو العاصمة وغيرها.
عسبلي في أروقة السياسة ودهاليزها:
دخل السيد/عسبلي البرلمان الثامن في عام 2010م. ومنذ تلكم الفترة كان عضوا بارزا في المجلس التشريعي الصومالي كما كان رئيس اللجنة الخارجية للبرلمان الصومالي في فترتين متتاليتين مما أكسبه خبرة واسعة في العلاقات الدولية، وخاصة في العلاقات الخارجية الصومالية، وجعله من أكثر الناس الملمة في هذا الشأن والدول المعنية بالشأن الصومالي. ومن جهة أخرى فالمرشح (عسبلي) له خبرة في العملية الانتخابية في الصومال حيث خاض غمار الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الفترتين 2012/2017م،فاحتل المركزين الرابع والخامس على التوالي،فقد حصل السيد عسبلي في الفترتين أصواتا معتبرة مكنته من الاحتفاظ على مكانته كسياسي له نفوذ في الدولة. لذلك فهو يعتبر القامة السياسية الثقيلة للانتخابات المزمعة في البلاد.
ويتمتع السيد/عسبلي بخبرة واسعة في طبخ وصنع السياسة وخاصة الحملات السياسية وتقديم الاقتراحات مع وضد أي حركة برلمانية قائمة، فهو الملجأ في هذه الأمور يعتمد عليه أعضاء البرلمان بحكم علاقاته الوطيدة في البرلمان والزخم السياسي المحيط. فقد قاد السيد/عسبلي أكبر كتلة تجمعت ضد الرئيس السابق حسن الشيخ محمود في 2014م في فندق(صحفي)وسط العاصمة مقديشو(أكثر من مأتي عضو برلماني تكتلوا لاقتراح مقدم ضد الرئيس)فبات لازما على الرئيس(حسن) تقديم التنازلات المطلوبة للكتلة قبل عرض الاقتراح على البرلمان الصومالي.كما كان يتصدر الكتلة التي كانت تدافع رئيس البرلمان السابق السيد/(محمد شيخ عثمان جواري) وقت أن كانت الخلافات بينه وبين الرئيس محمد فرماجو حامية حول قضايا دستورية وقومية مصيرية تباينت فيها وجهات النظر بين الرجلين فانقسم البرلمان كتلتين واحدة في صف الرئيس والأخرى تساند رئيس البرلمان. أضف ذلك كونه يتصدر قائمة الثلة المختارة التي تقدمت حق التمثيل البرلماني لإقليم بنادر. فهو لذلك يعرف بأنه(جهذ من جهابذة البرلمان الصومالي وعميد من أعمدته الراسخة في الفترين السابقتين).
إذا ألقينا الضوء على العملية الانتخابية المشرفة على الأبواب فالاحصائيات الأخيرة عن المرشحين تشير أن ستة أشخاص تتصدر القائمة(محمد عبدالله فرماجو،حسن الشيخ محمود،شريف الشيخ أحمد،حسن علي خيري، وعبدالقادر عسبلي علي)،وبالنظر إلى الأربعة الأولى هناك عقبة تاريخية أمام الثلاثة الأولى وهي كونهم رؤساء سابقين ومعروف في السياسة الاتنتخابية الصومالية عدم انتخاب رئيس سابق،أما الرابع السيد/خيري الذي يقال أنه يتمتع برصيد مالي محترم حصل عليه إبان ترأسه للحكومة(2017-2020م)إلا أنه اكتسب أعداء كثر فترة ترأسه الحكومة داخليا وخارجيا. بينما المرشح عسبلي يستند إلى عدة عوامل سياسية،اقتصادية وثقافية يمكن أن ترجح كفته في الانتخابات الحالية ومن أهم تلك العوامل:
الخبرة في خوض الانتخابات الرئاسية؛ حيث جرّب الانتخابات الرئاسية مرتين، الأولى 2012م، والثانية 2017م و أحرز مركزا معتبرا في كلا الفترتين مكّنته من المناورة السياسية في الجولة الثانية من عقد تحالفات إنتخابيّة مع المنافسين الآخرين للرئاسة.
يحتفظ بعلاقات قوية مع جميع الولايات الفدرالية الصومالية الخمسة حيث يستطيع الزعيم السياسي عبدالقادر عسبلي كسب ثقة أعضاء البرلمان المنحدرين من الدوائرة الانتخابية التابغة للولايات.
يعتبر بيته صالونا للسياسة الصومالية حيث يجتمع فيه وجهاء السياسة من البرلمانيين (حاليين وسابقين)وزراء ووكلاء الوزراء كما يلتقى باستمرار مع أهل الحل والعقد من الشعب في مقره، إضافة إلى ذلك فهو يملك شبكة علاقات واسعة مع مختلف فئات الشعب الصومالي.وتصريحاته تصنع صدى وتأثيرا ملحوظا في الساحة الصومالية باستمرار فهو يتمتع بكارزمية سياسية تفرض الهيبة في قلوب من يلتقي معهم.
مشهود له في الصدق والنزاهة في الأروقة السياسية، فعندما يعقد صفقاته السياسية يتعامل بالإخلاص والشفافية ولا يقطع عهدا مزيفا مع الأطراف الأخرى مما جعله موضع ثقة ومأمون بكلمته ووعده.
خبرته الواسعة في وضع السياسات العامة الرامية إلى بناء مؤسسات وأجهزة الدولة الصومالية، وإحداث تغيير جذري في جميع المؤسسات الرسمية خاصة في المجالات الأمنية، والإقتصادية، والتعليمية،والتنمية المستدامة.
قدرته على حماية المصالح العليا للوطن بخبرته الواسعة في العلاقات الدولية،واستيعابه أطر وسياسات التحالفات الإقليمية والدولية المهتمة بشأن منطقة القرن الإفريقي، وشرق إفريقيا، والخليح العربي.
لم يتلق السياسي عسبلى دعما ماليا من الخارج في مسيرته السياسية الممتدة لاثني عشر عاما، بل اعتمد على مصادره الخاصة، فهو رجل أعمال ناجح، بينما الآخرون تلقوا دعما ماليا سخيا من الخارج، ومع ذلك فالكثير منهم فشلوا في الفوز في معركة الانتخابات الرئاسية.
وفي الخلاصة تتميز هذه الانتخابات عن السابقة بانتباه الشعب الصومالي لخطورة الائتمان بشخصية مجهولة على مصير البلاد،وتكوين لوبي محلي بعد المناورات العسكرية الي شهدتها العاصمة مقديشو في شهر أبريل الفائت إثر محاولة الرئيس المنتهية ولايته تمديد الفترة.ونظرا لهذا للوبي(لوبي حماية الشرع كما يسميه البعض) والعقبة التاريخية أمام الرؤساء السابقين فإ الفرصة الذهبية للفوز في الانتخابات المزمعة للمرشح/عبدالقادر عسبلي علي، لكونه معرفا في الوسط السياسي الاقتصادي الصومالي،مقربا لشعب العاصمة ورؤساء الولايات الفيدرالية الخمسة،كما أنه يتمتع بعلاقات وطيدة مع الدول والمنظمات المهتمة بالشأن الصومالي بحكم علاقاته التجارية وترأسه اللجنة الخارجية للبرلمان الصومالي، ناهيك عن أنه المرشح المفضل للوبي المحلي(لوبي حماية الشرعية).
*ماجستير في التاريخ الحديث، كاتب وباحث في شأن القرن الإفريقي.