لم يستثنِ المحور “الإخواني” المتمثل بـ “قطر وتركيا” أسلوباً أو طريقةً بل وحتى ورقةً دينية أو سياسية إلّا وتمّ الزجَّ بها في المخطط التخريبي والتدميري الذي لا يستهدف إلا الأمن العربي، في محاولة لضرب الجيوش العربية من الداخل، بل ليس الجيوش العربية القائمة إنما أي بذرة أو نواة لجيش عربي يمكن أن يعترض مشروع مرشدهما، وإلّا ماذا يفعل وزير الدّفاع القطريّ “خالد العطيّة” والتركي “خلوصي أكار” في طرابلس غير بحث مزيد من خطط التّخريب والدّمار لبلدٍ نهشته الحرب؟ والأصلح في هذا المقامِ تسميتهما “وزيرا الحرب والدمار لا الدفاع” لبلدين ما برحا يهاجمان البلدان المجاورة بنسج المؤامرات، وما سوريا – مثلاً – إلا ضحية ودليلاً على هذه المخططات التدميرية وبتعاون مباشر أو غير مباشر مع إيران، وليس الأمر عنهما بغريب بعد أن عاينا وعلى مدى عقود من الزمن أن السدود المنيعة في وجه كل تلك المؤامرات لم تقتصر على الوعي الشعبي فحسب؛ إذ كانت الجيوش العربية – كمؤسسات عسكرية – لها بالمرصاد، فلا عجب أنْ تكون الأهداف الرئيسة لتلك المخططات هي الجيوش العربية ببنيتها المؤسساتية، فلا جو ولا مناخ يناسب ما يطمحان إليه – تميم بن حمد و رجب طيب أردوغان – إلا جو الفراغ والفوضى فلا بد من نشر المزيد منها، معتمدان على افتعالها وإثارة فتنها في كل مكان تصله الذراع القطرية والتركية، وهذا ما يُحاك وينفذ في “ليبيا” اليوم، لوأد بذرة الجيش الليبي الجديد من جهة وإدخال الجيش المصري في صراع خارجي، وذلك وفق معادلتهما التي باتت مكشوفة وواضحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، والتي تقوم على أركانٍ ثلاثة هي المال والسلاح والمرتزقة:
أما المال فهو عماد هذه المعادلة وقوامها الرئيس الذي تبحث عنه “تركيا” لتتجنب التبعات الاقتصادية التي تعيشها في ظل اقتصادٍ نامٍ تارةً ومترنحاً تارةً أخرى من جهة، ولضرب العرب بالعرب وبمال العرب من جهة أخرى، وهو ما تضعه “قطر” التي لا تملك أي دور سياسي أو عسكري أو ثقل دولي سواء على مستوى محيطها أو على المستوى العالمي في يد سيدها “أردوغان”، لتقتصر مهمتها في هذا المشروع التخريبي بعد الخيانة وشق الصف العربي على المال الذي يتوزع إنفاقها له على ثلاثة مستويات:
المستوى الإعلامي: من خلال تحريك ماكينتها الإعلامية التي لا شأن لها سوى أن تصدح ليل نهار باحثة عن أي كلمة لتبني عليها خبراً مدوياً يدفع بتسويق المشروع “الحمدي الأردوغاني”، حتى أنك لتجد قناة الجزيرة مثلاً حاضرة متأهبة بعدتها وعتادها وإعلامييها حتى على منصاتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي متسابقين لوصف “أردوغان” بالفاتح والأمل لمجرد قيادته لجرافةٍ!، ومتشدقين مهللين ومكبرين لمجرد قيادة وزير الدفاع التركي “خلوصي آكار” لطائرةٍ حربية في مهمة تدريبية، وكأنّ وزير الدفاع ليس أعلى رتبة عسكرية لا يجب أن يحوزها إلا من كان متمرساً في أية دولة في العالم! وما هذه الحمى الإعلامية إلا لتسويق مشروع المرشد الأردوغاني الذي بات عارياً أمام المواطن العربي من المحيط إلى الخليج إلا أمام بعض المؤدلَجين المُموَّلين .
المستوى العسكري: ويكمن هذا المستوى بتمويل “الدوحة” لكل صفقة أسلحة أو تمرير شحنة منها إلى أية جهة يخطط لها الرئيس التركي، ولا سيما اليوم في “ليبيا” التي لا تتوقف السفن التركية عن نقل الأسلحة إليها ليلاً نهاراً بكميات مهولة تصل إلى حد الإغراق، لنشر المزيد من الفوضى المهيئة لولادة بذرة التطرف التي زرعتها “تركيا” من خلال شراء ليبيين وتسويقهم على أنهم هم السياسيين الشرعيين وفق شرعية التخريب والتدمير التي ينتهجها “أردوغان”، معتمداً على شخصيات سياسية ابتزّها أو استدرجها بالمال فكانت مستعدة لبيع ليبيا والليبيين أمثال “السراج” وزمرته، أو دينية باعت الدين والدنيا بمسميات جوفاء وحفنة من المال أمثال “الصادق الغرياني”، الذين يروجون للسلاح التركي الموجه على صدور الليبيين بالمال القطري على أنه فتح مبين، متناسين أو ضاربين عرض الحائط أي مصلحة وطنية ليبية ضمن محيطها القومي العربي.
المستوى الفكري: وهو المستوى الذي يبنى على المستوى الأول “الإعلامي”، ويستند على المستوى الثاني “العسكري”، إذ يتمحور حول البحث عن مرتزقة لا هم لهم في الدنيا غير المال والقتل والبنادق المأجورة، ليتم فيما بعد جمعهم من أي مكان وصلته اليد الأردوغانية كتجنيد السوريين في المناطق التي يحتلها الجيش التركي في سوريا، الذين تركوا ما يعانيه وطنهم من حرب ودمار وصراع وجاؤوا تلبية لخدمة الطموحات التركية، بالإضافة إلى التعاون وجمع شذاذ الآفاق من أي فصيل متطرف بغض النظر عن الجنسيات، ثم بعد ذلك يتم شحنهم عاطفياً وعقائديا عن طريق الماكينة الإعلامية والفتاوى الدموية، حتى تتمّ أدلجتهم وبعد ذلك يتمّ الإغداق عليهم بالمال والسلاح وتقسيمهم إلى مجموعات مرتزقة بمسميات ميليشياوية، لا هدف لها سوى القتل والتدمير وجني المال بحصادها للمزيد من الأرواح بإمرة محرّكِيها بالمال والسلاح.
هذا السيناريو التخريبي “القطري التركي” لم يقف يوماً عند حد معين أو هدف مقصود لذاته، إنما الهدف الرئيس له يكمن في أنه باقٍ مهما بقيت نواة لجيش عربي قوي يجعل بلداننا مؤمنة محصّنة تجاه كلّ من يهدّد أمنها واستقرارها، فالهدف الرئيس هو ضرب المنظومة العربية الموحَّدة مهما كان عصب تلك المنظومة، فالمشروع قائم على الاحتلال والاغتصاب والاستعمار، وأيّ محاولة للتفلّت من هذا المشروع وتحت أيّ شعار لن يعصمك عن أن تطالك يد القتل والتدمير والخيانة والمؤامرة إن استطاعوا الوصول إليك، فلا صحّة لشعارات المتشدّقين من السذّج أو المؤدلجين بأنّ المشروع مشروع إسلامي كما يروّج له داعموه، فالإسلام بريء من هذه المؤامرات والدسائس القائمة على الخيانة والعمالة وبيع الأوطان، وقتل وإفساد البلاد والعباد، بل وإفساد الأرض لتحقيق أحلام شيطانية لسلطان متعطش للدماء.