يزداد الاهتمام الدولي بخطر انتشار الإرهاب في أفريقيا وامتداد نفوذ تنظيمي داعش والقاعدة، وظهر ذلك في أحداث دامية شهدتها القارة عام 2021.
وتضمن ذلك عشرات العمليات الإرهابية ضد أهداف مدنية وعسكرية، وأخرى اقتصادية تابعة لشركات غربية.
وشبَّه الجنرال ستيفن تاونسن، رئيس القيادة الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم” انتشار الإرهاب في أفريقيا بـ”انتشار النار في الهشيم”.
في هذا السياق، دعت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا إلى عقد مؤتمر دولي في العاصمة الإيطالية بنهاية يونيو 2021، لبحث هذا الموضوع، وشارك فيه وزراء خارجية 42 دولة، وهُم أساساً الدول المنضمة للتحالف الدولي ضد “داعش”، إضافة إلى أربع دول جديدة تم دعوتها للمؤتمر وهي الكونغو، وموريتانيا، واليمن، وجمهورية أفريقيا الوسطى.
جدير بالذكر أن هذا التحالف قام بدور مهم في هزيمة “داعش” في سوريا والعراق، وتحرير الأراضي التي فرض سيطرته عليها لسنوات.
وتمتد جذور التنظيمات الإرهابية، التي تستخدم العنف منهجاً لعملها، إلى ظهور جماعة “بوكو حرام” في نيجريا في عام 2002، والتي قامت بعشرات الاعتداءات على المدن الصغيرة والقرى، والاستيلاء على ممتلكات ساكنيها، وخطف الفتيات، والتي كان من أكبرها خطف نحو 300 فتاة من ولاية بورونو عام 2014.
وقد انشق عن التنظيم في عام 2016 مجموعة أطلقت على نفسها “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا” امتد نشاطها في دول موريتانيا، وبوركينافاسو، ومالي، والنيجر، وتشاد، التي نشأت فيها تنظيمات متطرفة أعلنت مُبايعتها لتنظيم “داعش”.
وفي الاتجاه نفسه، تم الإعلان عن إنشاء تنظيم داعش لوسط أفريقيا في إبريل 2019، وأعقب ذلك ظهور تنظيمات مسلحة في الكونغو -وهي ثاني أكبر الدول الأفريقية مساحة- والتي سيطرت على مناطق في الشمال الشرقي من غاباتها، وموزمبيق التي احتلت فيها مدينة بالما على الساحل الشمالي الشرقي، وهاجمت عددا من المدن في جنوب تنزانيا، من أهمها مدينة كيتايا، مما ترتَّب عليه نزوح ما يقرب من رُبع مليون إنسان من هذه المناطق طلباً للأمن.
اختارت تلك التنظيمات أهدافها بدقة لكي تحقق أكبر تأثير لها. فعلى سبيل المثال، مدينة بالما هي أحد المراكز الاقتصادية لإنتاج الغاز الطبيعي المُسال وتضم 75 تريليون قدم مكعب منه، ما يجعلها رابع أكبر مصدر للغاز في العالم، وفيها استثمارات فرنسية وأمريكية وإيطالية تبلغ 23 مليار دولار للتنقيب عن الغاز.
لم يكُن تنظيم “داعش” هو اللاعب الإرهابي الوحيد، بل نافسه بقوة تنظيم القاعدة، الذي عمل مُبكراً في منطقة المغرب والساحل، وأنشأ التنظيم قاعدة قوية له في دولة مالي، ومنها مد نشاطه في 2020 إلى بنين وكوت ديفوار. وهناك أيضاً تنظيم حركة الشباب -المرتبط بالقاعدة- في الصومال وكينيا.
وهناك عوامل عدة تزيد من خطورة هذه التنظيمات الإرهابية، منها ضعف البنية المؤسسية والأمنية في كثير من الدول الأفريقية، وعدم سيطرة الدولة على كامل إقليمها، والخلافات بين الجماعات الإثنية والسُلالية المُكوِّنة لشعوبها ووجود صراعات تاريخية بينها، ما يُوجِد البيئة المناسبة لنشاط هذه التنظيمات.
أضف إلى ذلك أن هذه التنظيمات تمارس أعمالاً إجرامية لتمويل أنشطتها كتهريب المخدرات، واختطاف الرهائن ثم إعادتهم لذويهم مقابل حصولهم على إتاوة، والاتجار بالبشر، والسطو على أماكن تعدين الذهب.
وهناك أيضاً التخوُّف من أن يكون السبب في ازدياد الأنشطة الإرهابية هو هروب عناصر داعش بعد هزيمة التنظيم في سوريا والعراق إلى أفريقيا، والخشية من تسلل هذه العناصر إلى أوروبا وسط موجات الهجرة غير الشرعية، وتمكنهم من دخول أوروبا.
فإذا تحقق ذلك، فإنه سيُمثِّل خطراً على أمن البلاد الأوروبية، وقد عبَّرت كلمات المشاركين في مؤتمر روما عن هذه المخاوف.
وكما كان متوقعاً، فإن البيان الصادر عن هذا المؤتمر أكد أهمية العمل المتواصل لإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش في أفريقيا وعدم السماح له بخلق جيوب جديدة في سوريا والعراق، من خلال اتِّباع استراتيجيات أمنية وسياسية، وذلك بموافقة الدول الأفريقية التي تطلب دعم التحالف الدولي.
ولكن البيان لم يُوضِّح الوسائل التي تُحقق هذا الهدف، كما لم يحدد الإجراءات والأطُر التنظيمية التي يتم من خلالها مكافحة الإرهاب في أفريقيا.
ربما يرجع ذلك إلى اختلاف المصالح بين الدول الأوروبية النشطة في هذا المجال، خاصة بين فرنسا وإيطاليا، وسعي أمريكا لوراثة النفوذ الأوروبي في عدد من الدول الأفريقية، وكذلك كثرة عدد الدول المهدَّدة بخطر الإرهاب، مما يتطلب وسائل وإجراءات مختلفة من بلد لآخر.
المهم أن هذا المؤتمر أعاد إلى أذهان العالم أن خطر “داعش” لم ينته، فما زالت بقايا هذا التنظيم موجودة ونشطة في العراق، وما زالت امتداداته في أفريقيا سادرة في أعمالها الإرهابية والإجرامية.