إرهاب المخدرات مفهوم يجب أن نعتاده، ففي غضون سنوات قليلة قادمة سيكثر استخدامه للإشارة إلى عصابات المخدرات، التي تقرر دخول عالم الإرهاب.
يُطلق هذا المفهوم أيضاً على التنظيمات الإرهابية، التي تتخذ من المخدرات مصدراً للتمويل.
وحتى وقتٍ قريب، كانت ممارسة هذا النوع من الإرهاب تتم لفترات زمنية محدودة، عن طريق التحالفات المؤقتة بين التنظيمات، مثل تحالف قوات حركة “فارك” الكولومبية مع إرهابيين من منطقة الساحل، أو “حزب الله” مع مافيا “هونغ كونغ”.ولكن هل من الممكن أن تتحول التنظيمات الإرهابية الأفريقية إلى إرهاب المخدرات؟
لا شك في ذلك.. فحتى الآن، لم يتردد العديد من المجرمين بمنطقة الساحل في الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية، للحصول على منافع اقتصادية، وبالتالي فإن التحوّل إلى إرهاب المخدرات لن يُكلفهم الكثير.
إننا نجهل الروابط بين الإرهابيين الأفارقة وتجّار المخدرات في أمريكا الجنوبية، ربما بسبب نقص المعلومات أو قلّة الأخبار، وهي التي، كما سنرى لاحقاً، تعود جذورها إلى ثمانينيات القرن الماضي.
فعلى الحدود الثلاثية المشتركة بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي، تم الكشف عام 1999 عن وجود تجار مخدرات وإرهابيين يعملون معا.
وفي سنة 1995، ذكرت المخابرات البرازيلية أن أسامة بن لادن، الزعيم السابق لتنظيم “القاعدة”، زار تلك الحدود الثلاثية، وعقد اجتماعات بها.
وفي السنوات التالية، استمرت زيارات قادة “القاعدة” إلى هذه المنطقة، لأنهم على ما يبدو كانوا يعتزمون تنفيذ هجمات ضد بعض السفارات الأمريكية في أمريكا الجنوبية.
ووفقاً للتحقيقات، فإن “القاعدة” أقام بالفعل مركزاً له على الحدود الثلاثية للدول المذكورة، حيث جنّد التنظيم بعض أفراد الجالية العربية عام 2001، وهناك بدأ التخطيط لهجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، وفقاً لتقارير المخابرات البرازيلية.
ونفّذ “القاعدة” في منطقة الحدود الثلاثية عمليات غسل الأموال وتهريب الأسلحة والمخدرات بالتعاون مع المافيا، كما توجد على تلك الحدود أيضاً العصابات الأرجنتينية والبرازيلية، وعصابات من الباراغواي وتشيلي وكولومبيا وكورسيكا وغانا وليبيا وإيطاليا وكوت ديفوار واليابان وكوريا ولبنان ونيجيريا وتايوان.
كما يوجد “حزب الله” اللبناني بشكل أكثر فعالية من تنظيم القاعدة على الحدود الثلاثية، وتجلّى ذلك في السنوات الأخيرة من خلال العدد الكبير من الاعتقالات لأعضاء الحزب في تلك المنطقة.
وكان لقوات حركة “فارك” وجود في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في منطقة الحدود الثلاثية، حيث كانت تمتهن تهريب المخدرات مع المافيا البرازيلية والكولومبية والروسية.
في ذلك الوقت، تم كشف أن المافيا كانت تتعاون مع “القاعدة” في الحدود الثلاثية، لذلك لا يمكن أن نستبعد وجود تقارب بين “القاعدة” وحركة “فارك”، وهو أمر تم تأكيده بعد سنوات.
في فبراير 2010، هبطت الطائرة الشهيرة “آير كوكايين” في غاو بمالي محمّلة بـ10 أطنان من المخدرات، وفي عام 2013، تمّ القبض على مواطنَين كولومبيين، “أحدهما على الأقل ينتمي لحركة فارك”، في الجزائر، لتورطهما في عمليات تهريب المخدرات مع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، حيث بادلوا الكوكايين بالأسلحة.
بعد ذلك بعامين، أشار الرئيس الكولومبي السابق، ألفارو أوريبي، إلى العلاقة بين قوات “فارك” وتنظيم “القاعدة”، مؤكداً أن “فارك” تمتلك 50 صاروخاً أرض-جو حصلت عليها من “القاعدة”.
وفي عام 2019، ألقي القبض على تاجر المخدرات الكولومبي، ديفيد كاردونا، في كرواتيا، ليتم تسليمه إلى الولايات المتحدة بتهمة “إرهاب المخدرات”.
وكان “كاردونا” يعتزم شراء أسلحة وصواريخ أرض-جو وذخيرة لتسليمها إلى جماعة “أنصار الدين” بقيادة إياد أغ غالي، والتي تسمى حاليا “نصرة الإسلام والمسلمين”، التابعة لتنظيم القاعدة.
نتذكر أيضا أن 18 صاروخاً من طراز “كروز”، تعود للحقبة السوفييتية، لا تزال مفقودة بعد أن تمكّنت عصابة أوكرانية بين عامي 2000 و2001 من تهريبها إلى وجهة مجهولة.
ويمكن أن يحمل اثنا عشر من هذه الصواريخ رؤوساً نووية، ومن المؤكد أن أي مجموعة مخدرات إرهابية تحلم بامتلاكها.
لم تعد التنظيمات الإرهابية تهتم كثيراً بهدفها الأولي، الذي نشأت لأجله، إذ باتت تلجأ إلى استخدام تجارة المخدرات للحصول على التمويل.
وهناك حالات أخرى في مجال إرهاب المخدرات يمكن ذكرها، مثل بعض عصابات المخدرات المكسيكية، التي لا تتردد في اللجوء إلى الإرهاب بهدف تحقيق مصالحها.
كذلك فإن هناك تنظيمات تتاجر بالمخدرات وتلجأ إلى الإرهاب في بعض الدول، بينما تمتنع عن القيام بذلك في بلدان أخرى، لأنها تتخذها كملاجئ، في أبشع مظاهر لصورة جماعات إرهاب المخدرات.
لن تنضم التنظيمات الإرهابية في الساحل علانية إلى إرهاب المخدرات ما دام لها أتباع، لكن بمجرد أن تبدأ في فقدانهم لن تتردد في تغيير البوصلة. فقبل الانخراط في التنظيمات، كان القادة الإرهابيون في منطقة الساحل قُطّاع طرق يُهرّبون السجائر والمخدرات والبشر وينفذون عمليات خطف، ثم انضموا إلى تنظيمات الإرهاب من أجل المصلحة، وسيتحولون إلى إرهاب آخر متى رأوا فيه فائدة لهم.