بعد مرور ثلاثة عقود من انكماش اقتصادي نتيجة غياب الاستثمارات في القطاعات الحيوية بسبب التدهور الأمني في الصومال، يتعافى هذا البلد تدريجياً من آثار الحرب الأهلية المدمرة؛ حيث يشهد نمواً اقتصادياً، بعد أن أعادت الحكومة الصومالية الفيدرالية عمل العديد من القطاعات والمؤسسات الرسمية من أجل إنعاش البلاد.ومن بين المؤسسات التي عاودت نشاطها، الشركات العاملة في مجال الطاقة؛ والتي بدأت الانتشار على نطاق واسع منذ عام 2012؛ حيث استحوذت شركة “بيكو” للكهرباء على المؤسسات الرسمية التي كانت تعمل في مجال توفير الكهرباء للمواطنين، وتعمل حالياً على توسيع نطاق خدماتها إلى أقاليم عدة بالبلاد، بغية الاستفادة من حركة الرياح وحرارة الشمس لتوليد طاقة نظيفة، توازي أو تفوق استخدامات الشركة للمحروقات، التي تضر بالبيئة وتمثل خطراً على المناخ، في ظل آفات بيئية متكررة في دول القرن الأفريقي.
وخصصت هذه الشركة مساحة خمسة كيلومترات مربعة خارج مقديشو لتركيب مئات من الألواح الشمسية لتوليد طاقة نظيفة قدر إنتاجها بـ8 ميغاواط، وتنتج 12 مليون كيلوواط سنوياً، لتغطية نحو 20 في المائة من الطاقة الكهربائية المستهلكة في العاصمة مقديشو.
هذا فضلاً عن محاولات الاستفادة من حركة الرياح، والتي تحتاج إلى استثمارات مالية ضخمة، والجهود المحلية هدفها الأساسي الحد من انبعاثات الكربون الناتج عن استخدام طاقة الديزل، إلى جانب استخدام طاقة صديقة للبيئة تلائم الجهود الدولية المبذولة للتغلب على مشاكل المناخ العالمية، التي تؤثر سلباً على الإنتاج الزراعي ومراعي المواشي في جنوب ووسط الصومال.
ثورة جديدةرغم الفوضى الأمنية التي عاشتها مقديشو منذ عقود، إلا أن جوانب مشرقة تتكشف حالياً بسبب النهضة العمرانية في العاصمة، وعودة الكثير من المغتربين إلى البلاد، هذا إلى جانب بروز شركات تجارية أجنبية تمول مشاريع ضخمة، تستهلك طاقة كهربائية، وهو ما يدفع العديد من تلك الشركات إلى اللجوء إلى الطاقة النظيفة.وفي السياق، يقول المهندس الصومالي في مجال الطاقة المتجددة، محمود علي فارح، إن السنوات الخمس المقبلة، ستحقق فيها مقديشو ثورة جديدة في عالم الطاقة، ومن الممكن أن تغطي الطاقة التي تولدها حركة الرياح والألواح الشمسية، إلى جانب البطاريات الضخمة لتخزين الطاقة، نحو 80 في المائة من الطاقة الكهربائية التي تحتاجها العاصمة مقديشو وضواحيها.ويشير فارح إلى أن شركة “بيكو” للكهرباء تخطط حالياً لتوسيع إمكانات الاستفادة من الطاقة الشمسية، ووقّعت اتفاقاً جديداً يقضي باستثمار 20 مليون دولار، لتجهيز مساحات أخرى تستوعب المئات من الألواح الشمسية، وذلك بهدف رفع الإنتاجية وإيصال طاقة رخيصة ونظيفة إلى مستخدميها في العاصمة مقديشو.
التسوق الإلكتروني كبديل
وشهدت أسعار الكهرباء في مقديشو منذ عام 2014 انخفاضاً ملحوظاً؛ حيث كانت تعرفة الكيلوواط الواحد من الكهرباء نحو 1.2 دولار، لكنها اليوم تعد أقل من 40 سنتاً، ما يشير إلى أن العاصمة حققت قفزة نوعية في الحد من ارتفاع أسعار الكهرباء، التي كانت تكبل المشاريع الاقتصادية الصاعدة في البلاد، مثل المصانع التي تنتج المفروشات والبلاستيك، هذا فضلاً عن انتعاش حركة المطاحن والمخابز التي تستخدم حالياً الطاقة بدلاً من الفحم النباتي الذي يساهم في التصحر البيئي للبلاد.
طاقة آمنةوبعد أن حققت شركات الكهرباء في مقديشو أرباحاً جيدة في السنوات القليلة الماضية، بفضل الهدوء النسبي في العاصمة، وتمكين الكثير من المغتربين من العودة إلى البلاد، وضخ استثمارات في مجالات عدة، تخطط شركات الكهرباء، لتوسيع خدمات الطاقة الخضراء لتشمل الأقاليم المجاورة، والتي تعد مربحة، مقارنة بالطاقة المعتمدة على المحروقات (الديزل) التي تتوقف تارة نتيجة الإغلاق البحري في بعض المواسم، وترتفع قيمتها تارة أخرى، بسبب تقلبات أسواق النفط العالمية، خاصة الخليجية التي تستورد منها الصومال كل احتياجاتها من المحروقات.ومن جهته، يقول مدير شركة بيكو للكهرباء، علي محمد، إن “التخطيط المستمر حالياً لدى مسؤولي الشركة ينصب على إمكانية الحد من استخدام الديزل لتوليد الطاقة الكهربائية، وذلك عبر تنفيذ مشاريع استثمارية ضخمة في مجال الطاقة، بغية الاستفادة من حرارة الشمس المتوفرة في الصومال طول السنة، حيث يساهم الموقع الجغرافي للعاصمة، في الاستفادة من الطاقة البديلة نظراً، للطلب المتزايد على الاستهلاك حالياً.ويضيف محمد أن بعد خمس سنوات من الآن يمكن أن تشهد الصومال تحولاً أوتوماتيكياً من استخدام الطاقة الكهربائية المعتمدة على المحروقات إلى الطاقة المنتجة من حرارة الشمس وحركة الرياح، وهو ما يمكن أن يخفض أسعار الكهرباء من جهة، ويحد من التلوث البيئي الناتج عن انبعاثات الكربون الضار بالبيئة من جهة ثانية.لكن، وحسب متابعين، فإن استخدامات الطاقة الشمسية في المنازل تحتاج إلى تكلفة مالية باهظة، حيث تصل أدنى قيمة لتركيبها ما بين ألفين وخمسة آلاف دولار، وهو أمر ليس ممكناً بالنسبة للكثير من المجتمع المحلي، ويدفعهم للاعتماد على الطاقة الكهربائية التي توفرها الشركات الكهربائية المملوكة من القطاع الخاص.
استخدامات متعددةولا تشمل استخدامات الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء المنازل والمكاتب فقط في الصومال، بل تستخدم أيضاً في تشغيل عمل المزارع والآبار عبر ضخ المياه باستخدام تركيب تكنولوجيا الطاقة المتجددة في الآبار وفي المزارع، وهو ما يعتبر أقل تكلفة بالنسبة لأصحاب المزارع وشركات توفير المياه في العاصمة مقديشو.يقول مدير شركة سولرجن الصومالية، محمد الشيخ بشير، إن استخدامات الطاقة المتجددة تأخذ انتشاراً واسعاً في البلاد، وأن نحو 300 بئر في مقديشو تم تزويدها بتكنولوجيا الطاقة الشمسية، والتي تعد الأقل تكلفة من المحروقات لضخ المياه، إلى جانب توفير تلك الألواح الشمسية لمكاتب الدولة وأسواق العاصمة مقديشو، وتزويد تلك أجهزة بالطاقة النظيفة لعشرات المنازل في العاصمة، وهي طاقة أرخص من الكهرباء العادية التي توفرها الشركات الكهربائية.
يقول مدير شركة بيكو للكهرباء، علي محمد، إن بعد خمس سنوات من الآن يمكن أن تشهد الصومال تحولاً أوتوماتيكياً من استخدام الطاقة الكهربائية المعتمدة على المحروقات إلى الطاقة المنتجة من حرارة الشمس
ويضيف بشير إلى أن ثورة الطاقة الخضراء خلقت أيضاً فرصاً للمزارعين في جنوب الصومال لإنعاش انتاجهم الزراعي.ويشير إلى أن التكلفة الأولية لتركيب هذه التكنولوجيا الجديدة من الطاقة البديلة مكلفة نوعاً ما، لكنها أكثر ديمومة وأقل كلفة من الطاقة الكهربائية، كما أن الألواح الشمسية والبطاريات لها عمر افتراضي يناهز 20 عاماً، وتحتاج فقط في بعض الفترات إلى صيانة غير مكلفة.وفي معرض ردّه على تحدي بعض الأسر التي لا تمتلك منازل لتركيب تلك الأجهزة المتجددة، وتضطر أحياناً إلى الانتقال إلى مكان آخر، يقول بشير إن الشركات التي تعمل في مجال توفير الطاقة المتجددة تضمن نقل وسلامة الأجهزة، وهو ما يحد أيضاً من خطر تمزقها وتلفها، كما أن مهندسي تلك الشركات يوفرون خدمة صيانة مستمرة بأسعار رمزية.