تحالف المتمرّدين والجهاديّين إرهاب مركّب يتمدّد في أفريقيا
بيني (الكونغو الديمقراطية) – ثلاثة أحرف “إيه.دي.أف” تختصر اسم “القوات الديمقراطية المتحالفة”، كافية ليدبّ الرعب في قلوب سكان شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، مع أنها ليست سوى واحدة من المجموعات المسلحة الناشطة في تلك المنطقة.
لكن في هذه المنطقة الغارقة في دوامة من العنف منذ أكثر من عشرين عاما يبدو متمرّدو القوات الديمقراطية المتحالفة الأشرس بفارق كبير. فهذه المجموعة متهمة بقتل أكثر من ألف مدني منذ نهاية 2019 إلى جانب هجمات وعمليات خطف وتجاوزات من كل الأشكال.
ونجت مادو من هذا الجحيم، فهذه السيدة البالغة ثلاثين عاما اليوم تعيش راهنا في بيني لدى عائلة تستضيفها.
تقع بيني التي يبلغ عدد سكانها نحو مئتي ألف نسمة في شمال إقليم شمال كيفو المحاذي لأوغندا ورواندا، في قلب المنطقة التي ينشط فيها مقاتلو القوات الديمقراطية المتحالفة.
وكانت مادو التي تحمل رضيعتها البالغة من العمر سنتين، في كنيسة تابعة لطائفة إنجيلية كونغولية عندما اقتحم مسلحون المكان. وقد أطلق أحد المهاجمين النار على رأس الطفلة عن قرب وأجبر مادو على ترك جثتها والتقدم مع الآخرين. وتروي السيدة باكية أن الرجل قال لها “الآن لا شيء يثقل كاهلك”.
وبعد السير طويلا في الغابة الكثيفة في أراضي بيني أرغمت خلاله على حمل طرد يزن أكثر من 20 كيلوغراما على رأسها، توقفت مادو مع الآخرين في مكان مفتوح بين الأدغال. وأفرج عنها بعد أربعة أيام.
وما زال الغموض يلفّ القوات الديمقراطية المتحالفة. فهي في الأساس حركة تضم متمردين أوغنديين مسلمين رسخوا وجودهم منذ أكثر من 25 عاما في شرق جمهورية الكونغو ولم يهاجموا أوغندا منذ فترة طويلة.
ومنذ 2014 بدأوا يشنون هجمات تصاعدت وتيرتها منذ 2017، تتسم بعنف هائل في بيني، والحصيلة ستة آلاف قتيل حسب الأسقفية الكونغولية.
وتدريجيا، بدأت تساؤلات عن انتمائهم إلى مجموعات الجهاديين تطرح. وكشفت نقطة مهمة في أبريل 2019: فقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في ذلك التاريخ مسؤوليته عن جزء من هجمات القوات الديمقراطية المتحالفة، عبر قنواته على الشبكات الاجتماعية في “ولايته وسط أفريقيا”.
وفي العاشر من مارس، أدرجت الولايات المتحدة القوات الديمقراطية المتحالفة على لائحة “المنظمات الإرهابية” التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية. وفي إعلان مسؤوليتهم عن هجومين في مايو، تبنى المقاتلون المتمردون خطابا جهاديا تقليديا بتأكيدهم على أنهم يريدون استهداف “الصليبيين”.
ولذلك تبدو جمهورية الكونغو الديمقراطية وهي أكبر دولة في أفريقيا جنوب الصحراء، والتي تواجه مجموعات مسلحة ازدهرت في شرقها مستفيدة من حربي الكونغو (1996-1997 و1998-2003)، في مواجهة عدوّ غير مسبوق في هذه المناطق.
وانضمت الدولة العملاقة إلى لائحة الدول التي يضربها رجال يقولون إنهم ينتمون إلى منظمات حولت القارة الأفريقية إلى مركز للحركة الجهادية الدولية، من الساحل إلى الصومال ومن نيجيريا إلى موزمبيق.
وفي بيني هذه المنطقة التي تعدّ من الأخطر في البلاد، التهديد واضح. ففي قرى مجاورة، قُتل العشرات من المدنيين خلال الأشهر الستة الماضية في هجمات نُسبت إلى القوات الديمقراطية المتحالفة، تحدث بشكل عام ليلا. في غالبية الأحيان تقطع رؤوسهم بسواطير وتقيّد أذرعهم خلف ظهورهم.
في اعتداء يشبه الهجمات الأخرى قام المقاتلون بتقييد عدد من الرهائن وقطع رأس أحدهم.
وذكر شاهد، أن زعيم المهاجمين قال باللغة السواحلية السائدة في شرق أفريقيا “إذا قطعت رؤوس هؤلاء الكفار باسم الله، فسيرضى عنك ويكافئك”.
وقدّم عرفات وموشود (تم تغيير اسميهما) كونغوليان ويتحدثان اللينغالا -اللغة المحكية الأكثر انتشارا في البلاد- بإشراف ضابطين في مخبأ للجيش، معلومات ثمينة عن التجنيد والتنظيم في القوات الديمقراطية المتحالفة. وذكر مصدر أنهما اعتقلا في ديسمبر وفبراير على التوالي.
وقال عرفات البالغ من العمر 19 عاما “من بين القادة الرئيسيين لهذه الحركة أجانب من شرق أفريقيا: أوغنديون وروانديون وتنزانيون وكينيون وصوماليون ومؤخرا موزمبيقيون”.
وأكد عرفات أنه كان طباخ زعيم القوات الديمقراطية المتحالفة الأوغندي موسى بالوكو. وقد وصفه بأنه “رجل متسلط ومنضبط”، يستيقظ في أوقات محددة ويستمتع بأكل لحم الماعز “وخصوصا الأحشاء”.
وداخل الحركة المتمردة، يتم تقاسم المهام. وأوضح موشود أن “الصوماليين يعلمون المراهقين تقنيات صنع قنابل يدوية، أما التنزانيون والأوغنديون فيهتمون بالتدريب العسكري وتعاليم القرآن”.
ويؤكد هذا المسلم البالغ من العمر 23 عاما من بلدة أوشا بالقرب من بيني، أنه تم تجنيده في 2017. وعينه بالوكو “قائد سرية من 85 رجلا”.
وقال موشود “كنت مسؤولا عن تحويل الأموال إلى شركاء ومتعاونين مع القوات الديمقراطية المتحالفة مكلفين بتجنيد أعضاء جدد للمجموعة”.
والقانون المطبّق صارم في المعسكرات المؤقتة أو شبه الدائمة للتنظيم في وسط غابات أو في الأدغال.
وروى موشود أن محكمة مؤلفة من زعماء أوغنديين وصوماليين أصدرت حكما على مقاتل متهم بعدم تحويل المبلغ بالكامل إلى وجهته. وأضاف “قطعت يده اليسرى”.
وتابع أن شابا وشابة ضبطا وهما يتبادلان الغزل، فتلقى كل منهما “مئة جلدة لأنهما لم يكونا متزوجين”. وقال عرفات إنه “في حالة الزنا كان الرجل سيرجم حتى الموت”، مؤكدا أنه حضر جلدهما.
وتضم الحركة أيضا كونغوليين من هذا الجزء من شمال كيفو، حيث يمثل الإسلام أقلية كما هو الحال في بقية جمهورية الكونغو الديمقراطية. ويؤكد خبراء الأمم المتحدة أن التجنيد يتم بالقوة أو بوعود بوظائف أو عن طريق الدعاية.
وعند شنهم هجوما، ينهب مقاتلو الحركة كلّ ما يجدونه من نقاط بيع الهواتف إلى مستودعات الصابون والأرز والذرة والأدوية. وكغيرها من المجموعات المسلّحة الأخرى، تهتم بموارد هذا الجزء من شمال كيفو أي الأخشاب والكاكاو أكثر من المناجم.
وقال موسى كاكولي أحد مزارعي الكاكاو الذين طردوا من أراضيهم في إطار تجاوزات المتمردين “لا نفهم شيئا من هذه الحرب”.
وأضاف “لا نعرف ما إذا كان مقاتلو القوات الديمقراطية المتحالفة يأتون لقتل هؤلاء الأشخاص لهدف ما أم لا. الشيء الوحيد الذي نعرفه هو أن الله أعطانا نعمة حتى نتمكن من أن نكون معا هنا، أحياء”.