الصومال اليوم

أقاليم الصومال وانسداد الأفق السياسي

يشهد الصومال واقعاً مريراً وتحديات داخلية وخارجية، وتتجه الأوضاع به إلى اتساع التوترات والتناقضات بين الحكومة المركزية والأقاليم. 

ومرد ذلك طبيعة التحالفات الإقليمية والدولية، مترافقة مع ابتعاد القيادة المركزية عن حسم كثير من القضايا العالقة، دون اتخاذ مواقف ذات أهمية تعود لمصلحة الشعب الصومالي الممزق بأوجاعه الاجتماعية وسياسات قادته البائسة وأزمات بلاده المتلاحقة. 

وقد أدت مجمل هذه الأزمات إلى تصاعد حدة التحرك للتنظيمات الإرهابية وتعدد الولاءات لها. 

وتفاقمت الاضطرابات بين مختلف القوى السياسية على مستوى الأقاليم، ومن أخطر المستجدات التي تؤرق الواقع الصومالي ظهور تنظيمات إرهابية، منها “داعش” و”صامدون بالحق” في إقليم بونتلاند، وحركة “الشباب”، التي تشكل تهديداً للأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، وهذا التهديد يؤثر على الانتخابات الصومالية، وسط اتهامات فساد للرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو، وانتهاكاته لبنود دستورية عليا عكست تأثيراتها على أقاليم الصومال، حينها اقترح عدد من النواب حجب الثقة عن الرئيس لتدخله المفرط في شؤون إدارة الأقاليم وإفشال الحكومات المحلية والتوقيع على اتفاقيات سرية مع دول خارجية. 

التهديد، الذي تشكله حركة “الشباب” للسلام والأمن والاستقرار في الصومال، يتجاوز تأثير العمل العسكري التقليدي للجماعة والحرب غير المتكافئة، ليشمل الابتزاز المعقد، وأنظمة الضرائب وممارسات تجنيد الأطفال وآلة دعاية فعالة، لكن ثمة مخاوف تساور كثيرين، بعد تزايد اهتمام دول كبرى بمنطقة القرن الأفريقي بفضل موقعها الاستراتيجي، واتفاق الأطراف في الصومال على تحديد مواعيد الانتخابات البرلمانية خلال شهر يوليو/تموز الجاري وأغسطس/آب المقبل، وصولاً إلى إجراء الانتخابات الرئاسية في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. 

وقد تسرع عملية التحضيرات الانتخابية وتمهد السبل للوصول إلى نتائج مرضية في الانتخابات المرتقبة لصالح مستقبل وازدهار الصومال، وبالمقابل فإن التنافس الشديد بين “فرماجو” والمعارضة يشير إلى وجود توازن سياسي بين الأطراف داخل لجان الانتخابات، ما يقلص فرص اختطاف الانتخابات من جهة واحدة. 

ولعل نزاهة لجان الانتخابات تشكل بداية المسار، وأي إشكالات مثيرة للجدل لن تجدي نفعاً ولن تحظى بدعم المجتمع الدولي، الذي يدعم الانتخابات من حيث التمويل والأمن، على اعتبار أن وجود “فرماجو” بالمشهد السياسي قد يعود بالبلاد إلى بدايات أزمة الانتخابات، وليس من المستبعد أن تحدث انزلاقات ذات خطورة على مستقبل الصومال، رغم إعلانه تكليف رئيس الوزراء “روبلي” بالإشراف على الانتخابات، وتراجعه مؤخراً عن قرار تمديد ولايته لمدة عامين، في خطوة لاقت ارتياحاً لدى الأطراف والأحزاب السياسية، ولكونها ستنقذ البلاد من الفوضى وتمهد إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. 

كما أن التنافس الشديد بين المعارضة و”فرماجو” على مستوى لجان الانتخابات قد يثير ارتباكات بين الأطراف المتصارعة ودون أن تحصل على شفافية تقنع جميع الأطراف بنتائج الانتخابات، وبالتالي صار “فرماجو” حجر عثرة أمام مسار مفاوضات الانتخابات، لكن ثقة المعارضة والمجتمع الدولي في حياد رئيس الوزراء أضحت الخيار الوحيد ولا سبيل للفشل أو المراوغة.  

ومن التحديات البارزة أمام رئيس الوزراء روبلي، ملفا الأمن والاقتصاد،  فالوضع الأمني لا يزال مفتوحاً على كل الاحتمالات، خاصة في فترة انتقالية صعّدت فيها حركة الشباب المتمردة هجماتها، في الوقت الذي يخوض فيه الصومال حرباً ضد هذه الحركة المسلحة، التي تأسست مطلع 2004م وتَتبع تنظيم القاعدة فكرياً وتبنّت عمليات انتحارية أسقطت مئات القتلى، ونفذت هجمات إرهابية عديدة في أفريقيا، ولا تزال الحركة المرتبطة بـ”القاعدة” هي أكثر التنظيمات الإرهابية نشاطاً وتحدياً في أفريقيا، وتسيطر على أجزاء من جنوب ووسط الصومال، وغالباً ما تستهدف نقاط التفتيش وغيرها من المناطق البارزة في العاصمة مقديشو. 

والولايات المتحدة الأمريكية، التي تعد أكبر مانح للصومال، اغتاظت من ممارسات “فرماجو” والتفافه حول مسألة الانتخابات، خاصة دعوته سابقاً لرؤساء الولايات الإقليمية وعمدة مقديشو لحضور مؤتمر تشاوري حول الانتخابات، لكن قيادات من المعارضة وولاية بونتلاند ردت على الدعوة بسرعة، مؤكدة أنه لا يحق لفرماجو دستورياً الدعوة إلى مؤتمر دون الحصول على توافق بين جميع المكونات السياسية. 

واكتفت الإدارة الأمريكية بتقديم الدعم اللوجستي للحكومة الصومالية في مقديشو ومحاربة الفصائل الإرهابية عبر تدريب وتسليح القوات الصومالية، في الوقت الذي يتجاهل فيه المجتمع الدولي الأوضاع الراهنة. 

ويخشى المتابعون للشأن الصومالي من أن يؤدي الصراع إلى انفصال الأقاليم الشمالية عن بقية الصومال، على غرار انفصال جنوب السودان عن شماله عام 2011م، وذلك من خلال استفتاء شعبي، رغم أن بعض الوطنيين يلتزمون بوحدة البلاد من الانفصال داخلياً وخارجياً، لكن ما لا يُختلف عليه هو أن الصومال وإقليم أرض الصومال، المنفصل عن الصومال منذ اثنين وعشرين عاماً، يشكل واقعاً خلافياً بين الأطراف وعلى صعيد الانتخابات، ولا يملكان حق تقرير مصيريهما إلا بالتدخلات الخارجية، ما يزيد حالة الاضطرابات السياسية والانقسامات في صفوف الجيش الصومالي، ويؤدي إلى تعميق الأزمة السياسية، ويسهم في انسداد الأفق السياسي وتردي الأوضاع الأمنية في البلاد. 
 

Exit mobile version