افريقيا و العالمالرئيسية

مجلس الأمن يربك رهان مصر في الضغط على إثيوبيا بشأن سد النهضة

أربك موقف مبكر لمجلس الأمن خططا مصرية وسودانية للضغط على إثيوبيا لمنعها من البدء بالمرحلة الثانية من ملء سد النهضة. 

وعبّر المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيار عن اعتقاده بأن مجلس الأمن غير قادر بنفسه على إيجاد حل لقضية السد، داعيا إلى فتح الباب ودعوة البلدان الثلاثة للتعبير عن مخاوفها وتشجيعها على العودة إلى المفاوضات لإيجاد حل. 

وبدت رسالة المندوب الفرنسي واضحة على أن لا حلّ خارج المسار التفاوضي، وهو ما يقوي من الموقف المتعنت لأديس أبابا ويضعف من رهان القاهرة على ورقة محايدة تدعم موقفها. 

وبعد أخذ ورد ومفاوضات على مدى أعوام بين الأطراف الثلاثة، وبعد تلميحات مصرية بالتحرك ضد السد دون الكشف عن تفاصيل، تغيرت اللهجة المصرية وتبعتها السودانية في الحديث عن شكوى في مجلس الأمن أو القضاء الدولي. 

واستنزفت مصر والسودان الكثير من الجهود للتوصل إلى حل لأزمة سد النهضة الإثيوبي، ولم يتبق لهما سوى الاستنجاد بمجلس الأمن الذي يعقد جلسة غدا الخميس لبحث الأزمة من دون ظهور مؤشرات تقول إنه سيتبنى موقفا حاسما فيها. 

وتلقت القاهرة صدمة كبيرة من أديس أبابا حيث أبلغتها الأخيرة بأنها شرعت في الملء الثاني للسد، في إشارة تنطوي على تحدّ وعدم اكتراث بتحركات مصر داخل أروقة مجلس الأمن، وأن لديها تطمينات بصعوبة ممارسة أعضاء المجلس لضغوط قوية عليها باعتبار أن الملء الثاني والسد عموما يمثلان تهديدا للأمن والسلم الإقليميين. 

وكشفت مصادر دبلوماسية مصرية أن القاهرة لا تنتظر قيام المجلس بالضغط على أديس أبابا بسبب مصالح قوى كبرى مع إثيوبيا، وكل ما تتوقعه صدور بيان للاستناد عليه في الاستمرار أو التوقف عن البحث عن حل تفاوضي. 

, مجلس الأمن يربك رهان مصر في الضغط على إثيوبيا بشأن سد النهضة

وأضافت المصادر في تصريح لـ”العرب” أن القوى الكبرى تنتبه إلى هذه المفارقة جيدا وستحرص على الخروج بصيغة تفتح باب الأمل للتفاوض وتغلقه أمام الحل العسكري الذي لوحت به مصر أكثر من مرة، لأنها تعلم أن الأول يمثل خيارا رئيسيا وحقيقيا للقاهرة وسط التكلفة العالية التي يحملها الخيار الثاني. 

وقال نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية السفير صلاح حليمة إن المطلب المصري واضح بشأن ضرورة تدخل مجلس الأمن، فهناك ما يهدد الأمن والسلم في المنطقة، ونحمل المجلس مسؤوليته لحفظهما باتخاذ الإجراءات المناسبة لوقف ممارسات إثيوبيا الأحادية والهادفة إلى فرض أمر واقع ومخالفة القانون الدولي واتفاق المبادئ بعد إقدامها على الملء الثاني دون اتفاق. 

وأضاف حليمة في تصريح لـ”العرب” أن هذه المطالبات موضع تشاور بين أعضاء مجلس الأمن، ومن المفترض في مثل هذه الحالة أن يكون هناك قرار أو على أقصى تقدير بيان يدعم التوصل إلى اتفاق يجنّب تهديد الأمن والسلم، وفي حال عدم الحدوث فالدول الثلاث عليها التوصل إلى حل توافقي، وإن لم يتحقق ذلك سوف يكون لمصر حق الدفاع الشرعي عن حقوقها المائية بالوسيلة المناسبة. 

ويجد النظام المصري نفسه في ورطة وخيارات ضيقة للغاية مع انسداد الأفق التفاوضي ورفع المواطنين سقف توقعاتهم للتوجه نحو الحسم العسكري دفاعا عن الكرامة والأمن القومي. 

وسبق للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن حذّر من المساس بمياه مصر، قائلاً بلهجة حازمة “نحن لا نهدّد أحداً ولكن لا يستطيع أحد أخذ نقطة مياه من مصر.. وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيّلها أحد”. 

ولا تزال القاهرة متمسكة بالعودة إلى الدخول في محادثات جديدة، وتأمل في فتح طاقة أمل من خلال المجلس ليتبنى رعاية ورقابة المفاوضات بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي، والتخلي عن استحواذ الأخير على إدارة الأزمة. 

وقد تكون هذه الصيغة مرضية للدول الثلاث، فهي تحقق أحد الشروط المهمة لكل من مصر والسودان، ولن تمانع إثيوبيا في ذلك بعد أن شرعت في الملء الثاني بإرادة منفردة دون وقوع أضرار على دولتي المصب، لأن الملء لن يكون كاملا في ظل وجود مشكلات فنية تمنع تخزين الكمية المقررة كاملة (13.5 مليار متر مكعب). 

وتحقق هذه الخطوة الهدف المعنوي لإثيوبيا وتنزع عن مصر مبرر الضرر المادي، وتحرج السودان ليظل بعيدا عن تأييد أيّ خيارات خشنة، وتهيئ للقوى الكبرى الفرصة للتدخل بطريقة هادئة تحقق مصالحها مع الدول الثلاث بتكلفة زهيدة. 

وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيرته السودانية مريم الصادق المهدي رفضهما القاطع لإعلان إثيوبيا عن البدء في الملء الثاني لسد النهضة لما يمثله من مخالفة صريحة لأحكام اتفاق إعلان المبادئ المبرم بين الدول الثلاث. 

وقالت الخارجية المصرية في بيان الثلاثاء إن الوزيرين التقيا في نيويورك لمواصلة التنسيق والتشاور حول مستجدات ملف سد النهضة والإعداد لجلسة مجلس الأمن التي سافرا خصيصا لحضورها معا. 

وتلقّى وزير الموارد المائية والري المصري خطاباً رسمياً من نظيره الإثيوبي يفيد بالبدء في عملية الملء للعام الثاني لخزان سد النهضة، ورد عليه الوزير المصري برفض هذا الإجراء الأحادي وأرسل منه نسخة إلى رئيس مجلس الأمن لإحاطته بالتطور. 

وتقود هذه المعطيات إلى محاولات البحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه للجميع ويقطع الطريق على أن يكون الحل العسكري المباشر هو الخيار الوحيد أمام مصر مع إثيوبيا التي لن تتحمل الدول المجاورة تداعياته في ظل تراكم المشكلات الداخلية فيها. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق