تجارة البشر.. مصدر مهم لتمويل الإرهاب في أفريقيا
بسبب حاجة البلدان المصدرة للمهاجرين، تعايشت في العقود الأخيرة ظاهرتا الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر. وساعد في ذلك وجود مستفيدين.
إما عصابات تهريب البشر أو موظفون، لديهم استعداد للكسب من مآسي الآخرين.
حدث هذا في ليبيا، خاصة المناطق المحيطة بمدينة زوارة، حيث تحوّل الاتجار بالبشر إلى نشاط تجاري ووسيلة للضغط على أوروبا، وتحديدا إيطاليا.
وتبدأ مسارات الوصول إلى مدينة زوارة، التي تقع على الساحل الليبي في نهاية طريق قوافل صحراوي قديم لا يزال يُستخدم للتجارة وتهريب الأسلحة والمخدرات والبشر، من الصومال أو إريتريا عبر شرق أفريقيا، والسنغال والنيجر عبر الغرب، ونيجيريا من الجنوب.
كل هذه الطرق بالطبع تمرّ عبر الأراضي الخاضعة لسيطرة تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، لذلك فمن المستحيل التفكير في أن تُجّار البشر يمكن أن يتنقلوا عبر أراضي الإرهابيين دون تعاونهم والحصول على موافقتهم.
لقد دخلت ليبيا فراغا يتعلق بتهريب المهاجرين بعدما اغتيل معمر القذافي، ليبرز هنا عبد الحكيم بلحاج، مؤسس “الجماعة الإسلامية” في ليبيا، والتي بايعت تنظيم القاعدة عام 2007، ويجد فرصة سانحة لتولّي نشاط المهاجرين.
“بلحاج”، الذي عاد إلى الظهور على الساحة الليبية عام 2011 تحت مظلة الذراع السياسية لـ”القاعدة” مع جماعة الإخوان من خلال حزب “الوطن”. تتولى مليشياته منذ عام 2012 مسؤولية وصول معظم المهاجرين من ليبيا إلى أوروبا.
وفي غرب أفريقيا، لا يمكن الحديث عن طرق الهجرة دون الإشارة إلى أحد أكبر مهرّبي البشر في مالي، وهو باي كوليبالي، أحد قادة مليشيا “غاندا كوي” السوداء، التي يُعتقد أنها زوّدت “نصرة الإسلام والمسلمين”، التابعة لتنظيم القاعدة في الساحل، بمقاتلين، وذلك عبر استخدام شبكة الاتجار بالبشر التي تملكها.
ويقدر الباحثون أنه في بداية الطفرة الحالية لاستخراج الذهب من منطقة الساحل، وقبل أن يحظى هذا النشاط باهتمام التنظيمات الإرهابية، فقد وفّر “كوليبالي” 30 عاملاً شهرياً للعمل في التنقيب التلقيدي عن الذهب.
أحمدو أغ أسريو، هو أحد المتورطين في جميع أنواع الاتجار بالممنوعات في شمال مالي والنيجر، وهو أحد المشمولين بعقوبات الأمم المتحدة عام 2018، ولتنفيذ أنشطته، يحتاج دائماً إلى مساعدة محمد بن أحمد مهري، الملقب بـ”روجي”، والذي طالته هو الآخر عقوبات الأمم المتحدة عام 2019.
والثنائي “روجي” و”آغ أسريو” يقومان بعمليات التهريب في النيجر، ويُتّهم “أغ أسريو” بدعم إرهابيي تنظيم “المرابطون”، التابع لـ”القاعدة” في مالي والنيجر.
ومن الحالات التي يتضح من خلالها صلة الإرهابيين بعمليات الاتجار بالبشر كانت تلك العملية التي انتهت باعتقال ثلاثة ماليين في غانا، تم تسليمهم لاحقاً إلى الولايات المتحدة بتهمة الاتجار بالمخدرات، في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2009، ووُجهت للثلاثة تهمة تنسيق نقل شحنة كوكايين من غانا إلى إسبانيا، وخلال استجوابهم من إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، اعترفوا بأن تنظيم “القاعدة” في بلاد المغرب الإسلامي وفّر تأمينا لشحنتهم، التي مرّت عبر توغو وبوركينا فاسو وغانا ومالي.
وأضافوا أنهم وصلوا في بعض الحالات إلى ساحل شمال أفريقيا بشحنتهم بمساعدة تنظيم “القاعدة”، وذكروا أيضاً أنهم يتعاونون مع التنظيم لجلب المهاجرين من بنغلاديش والهند وباكستان إلى إسبانيا.
أما عن عبور المهاجرين من القرن الأفريقي، فإن طرق التهريب تمرّ في إريتريا أو إثيوبيا أو الصومال، عبر السودان، وقد ظل الأمر كذلك حتى سقوط نظام عمر البشير، إذ لم تكن شبكات التهريب السودانية تواجه مشكلة كبيرة مع حكومة دعمت “القاعدة”.
ويَعبُر طريق الهجرة ذاك من السودان إلى ليبيا، وخلال هذه الرحلة، يتعيّن على المهاجرين المرور عبر مناطق يسيطر عليها الإرهابيون، مما يساعدنا على فهم كيفية تلقّي “القاعدة” فوائد من عائدات الاتجار بالبشر، على الأقل في هذا المسار القادم من القرن الأفريقي.
ولكي يحافظ تجار البشر على نشاطهم، فهم بحاجة إلى استمرار حالة عدم الاستقرار في بلدان الهجرة الأصلية، وعلى طول الطرق التي يعبرونها حتى موانئ الانطلاق، مما يشير إلى أنه سيكون من الصعب محاربة هذه العصابات في نقطة واحدة من مسار العبور الطويل.
إن نشاط استغلال البشر، والإرهاب في أفريقيا، ثمار نفس الشجرة.. كل ما يتم القيام به الآن لمكافحة مثل هذه الآفات هو جهود سطحية، لأن الحل يكمن في تحسين الظروف المعيشية في بلدان المصدر لإنهاء مشكلة الهجرة غير الشرعية، التي تكلّف ملايين الأرواح كل عام.
ولا فائدة من الأسى على فقدان هذه الأرواح بعد نشر خبر عنهم في وسائل الإعلام، بينما هناك آلاف المآسي، التي لم نسمع عنها.. فهناك كثير من الأشخاص، الذين يفقدون حياتهم وهم يحاولون الانتقال إلى بيئات عيش أفضل، وهو الأمل الذي توظفه الشبكات الإرهابية لمصلحتها.