تواصل إيران مد أذرعها في القارة الأفريقية وعدم الاكتفاء بساحتها التقليدية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، في إستراتيجية تمنحها حيوية في المناورة والتعاطي مع الضغوط الدولية المتصاعدة عليها، ويعد الصومال البلد الذي يعيش وضعا سياسيا ملتبسا منذ عقود، فرصة جديدة لإيران.
وأقامت طهران علاقات سرية مع جماعة الشباب الإرهابية التي تتخذ من الصومال مقرا لها والمعروفة جيدا بهجماتها في منطقة القرن الأفريقي.
ولا تستطيع إيران الهيمنة على بلد غالبيته من السنة مثل الصومال، ولذلك فهي تحرص عبر تحالفها مع حركة الشباب على تحقيق أهداف مشتركة، كمناهضة النفوذ الغربي والأميركي ومنافسة خصوم إقليميين وإثبات وجودها في تلك المنطقة بالغة الأهمية بنشر الإرهاب والفوضى، وكذلك بهدف استخدام الصومال لتحويل الأسلحة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن ونقل الأسلحة إلى دول أخرى مثل كينيا وتنزانيا وجنوب السودان وموزمبيق وجمهورية أفريقيا الوسطى.
وتتعامل إيران مع حركة الشباب بمنهجية تمنحها الأفضلية لدى التنظيمات المسلحة السنية في القارة، حيث تبحث تلك التنظيمات صياغة علاقة مختلفة خلال تجربتها في الساحة الأفريقية، لا تتكرر معها إخفاقاتها وانكساراتها في المنطقة العربية.
وعلى الرغم من تناقض المصالح والمواقف بين إيران وحركة الشباب، إلا أن التنظيم ينظر بتقدير إلى تعامل القادة الإيرانيين معه كشريك وحليف لتحقيق منافع متبادلة لا كمجرد أداة للابتزاز والضغط والمساومة.
وكشفت مجلة فورين بوليسي الأميركية، في تقرير لها، عن أن طهران تستخدم عناصر حركة الشباب لشن هجمات ضد القوات الأميركية والقوات الأجنبية الأخرى المتواجدة في البلاد.
ونقل التقرير عن وزير الدفاع الصومالي حسن علي محمد ومسؤولين أمنيين قولهم إن الأموال والأسلحة والذخيرة الإيرانية استخدمت في هجمات 2019 و2020 التي شنتها حركة الشباب على القواعد العسكرية الأميركية في الصومال وشمال كينيا، بالإضافة إلى القافلة العسكرية للاتحاد الأوروبي في مقديشو لمواجهة النفوذ الأميركي بالمنطقة.
وأسفرت العمليات الإرهابية لحركة الشباب التي تأسست عام 2004 داخل الصومال إلى مقتل عشرات الآلاف، وقد وسعت من أنشطتها الإرهابية عبر الحدود لتستهدف كينيا على وجه الخصوص بالإضافة إلى عدد من دول الجوار.
ويؤكد المسؤولون العسكريون الصوماليون أن إيران تدير عمليات سرية لتقويض جهود الولايات المتحدة في الصومال، حيث تقدم أسلحة متطورة وأجهزة متفجرة ومدافع هاون وموادا كيميائية تستخدم لصنع القنابل.
واعتبر المسؤولون الصوماليون أن هجمات حركة الشباب منذ عام 2017 أصبحت أكثر قوة، عازين ذلك إلى القدرات المتزايدة للتنظيم الإرهابي إلى الأسلحة الأجنبية، ومعظمها يأتي من إيران واليمن.
وتطمح إيران من خلال التحالفات المزدوجة مع تنظيمات مسلحة سنية وشيعية في مد منطقة نفوذ تبدأ من الصحراء الكبرى حتى شواطئ الصومال مرورا بخليج عدن وباب المندب، بما يمنحها استخدام بلد مثل الصومال كنقطة عبور لمبيعات الأسلحة الإيرانية لمختلف الجماعات المتطرفة في أفريقيا.
وتفيد العديد من التقارير أن إيران تستغل الحركة في أنشطتها الإرهابية، في شرق أفريقيا، وهي بذلك حريصة على ألا تهبط علاقتها بالتنظيمات السنية المسلحة عموما إلى مستوى التوظيف والابتزاز، وتبقى داخل إطار محكم من المصالح الدقيقة، ويمكنها التقدير النفعي المتبادل مع تلك الجماعات من تحريك كل جبهة بالتزامن مع الأزمات والضغوط التي تواجهها، لكن إيران تنفي ذلك.
وواصلت إيران أنشطتها وتعاملاتها المشبوهة مع حركة الشباب الإرهابية، مخالفة بذلك العقوبات المفروضة على الحركة الإرهابية، لقطع أذرع دعمها وإيقاف طرق تمويلها.
ونوه تقرير سابق صدر عن لجنة خبراء الأمم المتحدة إلى ضلوع النظام الإيراني في تمويل وتسليح حركة الشباب وتقديم الدعم المادي والاستخباراتي لها.
وبيّن التقرير ازدياد التعاون الإيراني الخفي مع الحركة الإرهابية بصورة مكثفة عبر طرق متعددة بشكل مباشر أو عبر وسطاء، حيث تمد طهران الإرهابيين بالسلاح مقابل تهريب حركة الشباب الإرهابية لشحنات اليورانيوم إلى طهران لمواصلة برنامجها النووي.
وأكد التقرير الدولي أن التعاون الخفي والمشبوه طوال الأشهر الأخيرة بين حركة الشباب الإرهابية وإيران، يتم عبر بوابة تجارة الفحم الصومالي.
وشدد على أن النظام الإيراني يواصل خرق العقوبات المفروضة على حركة الشباب والتعاون معها بتسهيل استخدامها للموانئ والأراضي الإيرانية كنقطة عبور لصادرات الفحم غير المشروعة من المناطق التي تسيطر عليها الحركة إلى وجهتها النهائية في موانئ إيران، حيث يعاد تصديرها كمنتجات إيرانية.
ولا يبدو أن دعم طهران للجماعات الجهادية في القارة الأفريقية بالأمر الجديد، فقد عملت الجماعات الدينية الإيرانية ووكالات الاستخبارات على مدى عقود لتأسيس عمليات التبشير والتأثير في القارة الأفريقية. وتشمل هذه العمليات توفير فرص المنح الدينية في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وأيضا في منطقة القرن الأفريقي لتتنافس بذلك وتتصدى لتأثيرات دول الخليج.