في دوائر صنع السياسات في واشنطن، بات من الشائع سماع الادعاء بأن نهاية الحرب على الإرهاب باتت وشيكة بعد عشرين عاما من اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر. فبالنسبة للبعض، فإن الولايات المتحدة تنسحب من «حروب أبدية» كما هو الحال في أفغانستان، والعراق حيث قللت من انتشارها، وفي مختلف المسارح في أفريقيا. وبالنسبة لآخرين، لم تعد الحرب على الإرهاب ضرورية، ببساطة بسبب التقديرات التي تقول إن الوطن الأميركي لم يكن آمناً كما هو اليوم من هجوم إرهابي مريع أكثر من أي وقت منذ 11 سبتمبر.
إن العالم الغربي يخطو خطواته الأولى للخروج من جائحة منهكة، والولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تعيد تقييم أولوياتها. فالأزمة الصحية العالمية وتداعياتها الاقتصادية الوشيكة أمر مفهوم، ويحق لحكومات الدول أن تعيد توجيه أولوياتها الداخلية. ومع ذلك، لا ينبغي أن يخفي ذلك، العواقب الواقعية لعمليات فك الارتباط المتعجلة أو الافتراض بأن عدم التدخل يجلب حماية مضمونة.
في الولايات المتحدة، تراجع الدعم السياسي للعمليات العسكرية في الخارج لفترة طويلة. فقد اتبعت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب سياسة خارجية محددة بشدة بمبادئ الحد الأدنى من المشاركة وتقاسم الأعباء القسري، والتي أثرت بشكل مباشر على مهام مكافحة الإرهاب الأميركية في الخارج، مع الانسحاب من الصومال ومحاولتي انسحاب من سوريا، وسحب القوات في مسارح متعددة، بما في ذلك أفغانستان والعراق.
تلعب الاتجاهات الانعزالية دورا واضحا داخل الحزب الجمهوري، لكن يمكن القول إنها أصبحت الاتجاه المهيمن للديمقراطيين. فحتى الآن يبدو أن إدارة بايدن تحاول تحقيق التوازن بين مطلب انتخابي أساسي يتمثل في «إنهاء الحروب إلى الأبد» مع واقع العالم الواقعي بأن القيام بذلك ليس سهلا وهو مليء بالمخاطر.
قوبل قرار الانسحاب كلياً من أفغانستان في مايو (أيار) بضجة داخلية في الولايات المتحدة، حيث انتهى أخيرا التدخل العسكري الذي استمر عقدين وكلف ما يقرب من تريليون دولار. لكن سحب القوات من أفغانستان لا ينهي الحرب هناك. في الواقع، ازداد الصراع والإرهاب بشكل كارثي، حيث سقط ما يقرب من 20 في المائة من البلاد مباشرة في أيدي «طالبان» منذ أن أعلن الرئيس بايدن الانسحاب المخطط له. وبات ما يقرب من نصف البلاد الآن خاضع لسيطرة «طالبان» أو تأثر بشكل كبير بها. فمن خلال الانسحاب، ألقت الولايات المتحدة الوقود على نار مستعرة بالفعل، ومن المحتمل أن تكون العواقب الجيوسياسية هائلة، والآثار المترتبة على تهديدات الإرهاب واضحة ومقلقة.
بينما تتأرجح أفغانستان في أزمة وتوجه «طالبان» أنظارها نحو كابل، لا بد أن «القاعدة» تتنفس الصعداء. لقد نجحت سنوات من الضغط الفعال لمكافحة الإرهاب على القيادة المركزية للقاعدة في أفغانستان وباكستان في إجبارها على الاختباء – وغالبا ما كانت غير قادرة على التواصل مع الشركات التابعة لها وتفقد السيطرة ببطء على حركتها العالمية. ومع انتشار الشائعات حول وفاة أيمن الظواهري المحتملة في وقت سابق من العام الجاري، قُتل نائبه والعديد من القادة البارزين ورئيس وسائل الإعلام العالمية جميعا بسرعة في إيران وسوريا وأفغانستان. ومع الأخبار التي تفيد بأن الجيش الأميركي لن يقوم إلا بضربات جوية في أفغانستان لتحييد مؤامرة تم الكشف عنها لمهاجمة الأراضي الأميركية، يجب على القادة المركزيين «للقاعدة» أن ينتهزوا أول فرصة لهم للتعافي على الأراضي الأفغانية لسنوات عديدة.
في مواجهة ضغوط داخلية مماثلة، أعلنت فرنسا مؤخرا عن خططها للانسحاب عسكريا من مالي – البلد الذي توجد فيه حكومة هشة للغاية كانت ضحية لانقلابين عسكريين متتاليين في عامي 2020 و2021. فضلا عن تزايد الذكاء السياسي والمرونة والفاعلية لفرع «تنظيم القاعدة»، «جماعة نصر الإسلام والمسلمين». شأن الولايات المتحدة في أفغانستان، لن تنسحب فرنسا من مالي وسط نجاح استراتيجي. في الواقع، ستترك وراءها حكومة هشة ومعرضة وجوديا للتحدي الإرهابي.
في الحقيقة، سئم العالم من محاربة الإرهاب. بالنسبة للغرب، فإن الإرهاب وأسبابه الجذرية العديدة – عدم الاستقرار السياسي والطائفية والتدهور الاقتصادي والصراع العرقي والآيديولوجية المتطرفة – هي الآن مشكلة شخص آخر يجب التعامل مع ذلك. لكن في الواقع، ما دام كانت مشكلة جماعية، وحلها الوحيد هو حل مشترك. كما أنها تمثل تحديا طويل الأجل من المرجح أن تستمر لأجيال وتتطلب استجابة متعددة الأوجه أكثر بكثير مما رأيناه حتى الآن.
في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا، هذه التهديدات أكبر من حيث العدد، وأكثر تنوعا في النطاق، وربما أكثر فاعلية من حيث النوايا من أي وقت مضى منذ 11 سبتمبر. على مدى السنوات العشرين الماضية، نما «تنظيم القاعدة» ثم «داعش»، وتحول إلى حركات عالمية ذات شبكات توسعية متزايدة وقدرة على النمو محليا وزعزعة الاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي.
بعد عشرين عاما من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، من المهم الاعتراف بنواقصنا، لا سيما فيما يتعلق بفشلنا في التحول من العمل العسكري إلى المبادرات طويلة المدى التي تهدف إلى القضاء على الأسباب الجذرية، مثل الاستقرار والتنمية وإعادة الإعمار. فالإرهاب والتطرف لا يوجدان في فراغ وسيستمران في الازدهار، بينما تظل بواعثهم دون معالجة.
رغم أننا قد نكون بارعين بشكل خاص في مكافحة الإرهابيين عسكريا، فإن ذلك يسمح لنا فقط بكسب المعارك، وليس الحرب. ومن خلال اختيار إغماض أعيننا عن الإرهاب والابتعاد عن البيئات غير المستقرة التي يوجد فيها الإرهاب، فإننا نضمن بالتأكيد أن الإرهاب سيزدهر.
كما أننا نتخلى عن ملايين المدنيين الأبرياء في حياة مليئة بالرعب والخوف اليومي، وقد يكون بعضه من فعلنا ويمكننا أن نساعد في الكثير منه. في جميع الاحتمالات، ستلاحق حالة أفغانستان وانهيارها الوشيك إدارة بايدن، لكن دروسها لا ينبغي أن تفلت منا.
فالكفاح ضد الإرهاب لم ينته بعد ويجب علينا جميعا أن نصعّد لمواجهته.