“الشباب” الصومالية تخلط الأوراق السياسية في العام الأخير من عمر النظام الحاكم “تكتيك يخضع للعمل الاستخباراتي”
يعاني الصومال زيادة في وتيرة الهجمات الإرهابية، وهو ما يرجعه محللون وأمنيون سابقون إلى أسباب عديدة، منها عدم تشكيل حكومة جديدة. كما عزا هؤلاء تزايد الهجمات إلى الفترة الانتقالية التي تمر بها البلاد (العام الأخير من عمر النظام الحاكم)، حيث تستعد لانتخابات عامة، بجانب محدودية العمليات العسكرية ضد حركة الشباب المتمردة، التي تعرقل الاستقرار.
وأفادوا بأن الحركة من جانبها تسعى، عبر تكثيف هجماتها في “العام الأخير” من عمر النظام، إلى “خلط الأوراق السياسية والأمنية”، على أمل تغيير النظام الحاكم، الذي ألحق بها الكثير من الهزائم، خلال السنوات الثلاث الماضية.
وبعد تراجع نسبي لوتيرة العمليات الإرهابية في العاصمة مقديشو، منذ يونيو 2019، تجددت هجمات حركة الشباب، لتأخذ مسارا تصعيديا منذ بداية أغسطس الجاري، وضربت سلسلة هجمات مختلف أنحاء البلاد، ما أسقط أكثر من 40 قتيلا ونحو مئة جريح، وفق تقديرات رسمية.
وكان الهجوم الانتحاري على فندق “إيليت”، المطل على ساحل ليدو، هو الأكثر دموية، حيث تسبب في مقتل 17 شخصا وإصابة أكثر من 30 آخرين، بينهم مسؤولون حكوميون.
وفي 26 يوليو الماضي، سحب البرلمان الثقة من حكومة حسن علي خيري، لإخفاقها في تنفيذ وعدها بإعداد خطة لإجراء انتخابات برلمانية على قاعدة صوت واحد لشخص واحد، أي إجراء أول انتخابات مباشرة، منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد عام 1991.
وفي اليوم نفسه، كلف الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو، نائب رئيس الوزراء مهدي خضر جوليد، برئاسة حكومة تصريف أعمال. وأمام الرئيس 30 يوما لتعيين رئيس جديد للوزراء، وفقا للدستور.
ومنذ فقدان حكومة خيري ثقة البرلمان، تتعالى أصوات في الصومال محذرة من خطورة التأخير في تشكيل حكومة جديدة، تحسبا لدخول البلاد في حالة فراغ سياسي وأمني تستفيد منها حركة الشباب.
وحذر إسماعيل طاهر عثمان، النائب الأسبق لجهاز الاستخبارات، من أن “الفراغ الحكومي الحالي قد يؤدي إلى عدم الاستقرار، لعدم تحمل وزراء حكومة تصريف الأعمال مسؤولية ما يحدث حاليا، مما أدى إلى غياب الرقابة الكاملة، خاصة داخل المؤسسات الأمنية، وهو ما يتيح للإرهابيين زعزعة استقرار البلاد”.
واعتبر أن “البلد المفتوح أمنيا لا يمكن أن يصمد، ولو أسبوعا من دون حكومة، والتفجيرات الأخيرة دليل على ذلك، فحركة الشباب كثفت هجماتها رغم الإجراءات الأمنية المفروضة بطول وعرض العاصمة”.
وشدد على أن البلاد بحاجة إلى حكومة دائمة تحشد إمكانياتها وتضع خططا أمنية، إضافة إلى رفع مستوى الرقابة الأمنية داخل مقديشو، ومحاسبة المسؤولين في الأجهزة الأمنية.
ومن المألوف في الصومال، بحسب محللين، أن تكثف حركة الشباب هجماتها في الفترة الانتقالية، أي العام الأخير من عمر النظام الحاكم، سعيا لخلط أوراقه السياسية ورفع معنويات مقاتليها، الذين خسروا ميدانيا أمام القوات الحكومية، بدعم من القوات الأفريقية (أميصوم).
ومن المتوقع أن تبدأ الانتخابات التشريعية مطلع نوفمبر المقبل، تليها رئاسية متوقعة مطلع فبراير 2021.
ورأى اللواء عبدالرحمن توريري، الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات، أن “الفترة الانتقالية تشكل بالنسبة للحركة فرصة العمر لخلط الأوراق السياسية والأمنية، مستغلة انشغال المؤسسات الحكومية بالانتخابات العامة، على أمل إعادة نفوذ الحركة الذي خسرته في السنوات الثلاث الماضية”.
وبرأيه من “مصلحة حركة الشباب تغيير النظام الحالي، الذي تأقلم مع خططها الأمنية في السنوات الثلاث الماضية، ولتقليص الرصيد الشعبي لهذا النظام وإثارة المعارضين، الذين يتصيدون ثغرات النظام، لذا تكثف الحركة هجماتها النوعية، وتستهدف مواقع حساسة قد تفقد القوى السياسية الثقة في النظام”.
وأردف “كل نظام جديد يصل سدة الحكم في البلاد يشرع في تصفية حسابات النظام السابق، عبر تغيير رؤساء المؤسسات الأمنية وتعيين موالين له، وهو ما يؤثر سلبا على الخطط الأمنية ضد حركة الشباب، وربما يعطيها فرصة للملمة جراحها، استعدادا لمواجهة الخطط الأمنية الجديدة”.
وتعتمد حركة الشباب على ثلاث آليات في حربها ضد الحكومات الصومالية، التي تمتد فترتها الدستورية أربع سنوات. وأوضح توريري “في العامين الأولين تتبع استراتيجة الكر والفر، وفي العام الثالث تتراجع عملياتها، ثم تصعد هجماتها في العام الرابع لإفشال النظام الحاكم، وإظهار أنها لا تزال تملك ما يكفي من الإمكانيات القتالية لتهديد أمن واستقرار البلاد”.
وضع أمني متدهور في الصومال
وتوقع متابعون أن تكون التفجيرات الأخيرة بمثابة بداية لتصعيد أمني، ومن المحتمل وقوع هجمات إرهابية في العاصمة وأقاليم أخرى في الأيام القادمة.
وقد تخطط حركة الشباب لاستهداف أماكن حساسة، في المؤسسات الحكومية أو المراكز العسكرية أو السفارات، لإيصال رسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أن الصومال ليس مستقرا رغم كل الجهود الدولية لدعمه أمنيا وسياسيا.
وأشار حسن شيخ، المحلل السياسي والأمني، إلى أن “المؤسسات الأمنية تبدو منخرطة في الحياة السياسية خلال الفترات الانتقالية في كل الحكومات، مما قد يؤدي إلى تراجع العمليات العسكرية ضد حركة الشباب، ما يسمح لها بتكثيف هجماتها، مستغلة الفراغ الأمني والحكومي”.
ورأى أن الهجمات المحتملة لا تقتصر على الهجمات النوعية فقط، بل من المتوقع أن تركز حركة الشباب أيضا على الاغتيالات في صفوف العاملين في السلك الحكومي أو الهيئات الأممية، لإحباط معنويات الشعب والمستثمرين الأجانب، الذين يتطلعون إلى استقرار دائم للصومال.
وحسب شيخ يحتاج الوضع الأمني المتدهور حاليا إلى تكثيف للعمليات الاستخباراتية لمواجهة الهجمات الإرهابية، فالتكتيك الذي تتبعه حركة الشباب لتنفيذ هجماتها الانتحارية يخضع للعمل الاستخباراتي، من حيث تحديد الموقع المستهدف وسبل الوصول إليه والساعة المناسبة لتنفيذ العملية.
وتعد حركة الشباب في الصومال واحدة من الحركات الإرهابية التي احتفظت ببيعتها لتنظيم القاعدة، رغم الصعود القوي لتنظيم داعش الإرهابي خلال السنوات الأخيرة، ومبايعته من طرف تنظيمات إرهابية كثيرة في أفريقيا، على غرار جماعة بوكو حرام النيجيرية، إلا أن حركة الشباب ظلت متمسكة بولائها لتنظيم القاعدة، رغم ما أصاب الأخير من وهن وضعف.
وتسعى قوات دولية لمساعدة الصوماليين في حربهم ضد الإرهاب وضد حركة الشباب، على غرار الأميركيين الذين يشكلون رأس الحربة في مواجهة الحركة الإرهابية. ويعبر مراقبون عن مخاوفهم بشأن قدرة الجيش الصومالي المتعثر على الصمود في وجه حركة الشباب المتشددة، إثر رحيل قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي من البلاد.