نذير الخراب.. أردوغان في أفريقيا بالجنود والمرتزقة والمستثمرين إن أمكن
ابتسامة “خبيثة” معهودة حرص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تصديرها لوسائل الإعلام في دول غرب أفريقيا مع كل زيارة لإحدى تلك الدول لكن خلفها يخفي أطماعه الشخصية هناك.
فعلى مدار سنوات، توغل نظام أردوغان في غرب القارة السمراء، حاملا أطماع خلافته الموهومة تحت شعار “رابح رابح” الزائف، مستهدفا نهش خيرات المنطقة واستنزافها، خدمة لنزواته التوسعية، التي أسفرت مؤخرا عن وجه قبيح باحتلال ليبيا عبر مرتزقة سوريين أيديهم ملطخة بدماء عشرات آلاف الأبرياء.
ولقّن الدكتور أنور بن محمد قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، لقن وزير دفاع تركيا درسا دبلوماسيا بعد أن حمل الأخير ادعاءات باطلة بشأن دور الإمارات في ليبيا التي أغرقتها أنقرة بمرتزقة وإرهابيين في محاولة بائسة لسرقة البلد الغني بالنفط إثر فقدان نظام أردوغان نفط داعش الذي تاجر به لسنوات على حساب آلام السوريين.
بالاستثمارات تارة وبالتبرعات تارة أخرى، وبدس وتمويل الإرهابيين في مشاهد أخرى، تسلل أردوغان شاهرا أسلحة أطماعه الفتاكة، ضمن سياسة “انفتاح” كاذبة حتى أصبح واضحا للعالم بأسره أن مخالب الشيطان تنهش في الأرض البكر.
ألقى طُعم المساعدات والاستثمارات، ثم أطلق نشرة فرنسية تابعة لوكالته الرسمية تعنى برصد مستجدات المنطقة للتجسس عليها وتأمين قنوات إعلامية للوصول إلى مسؤوليها وشعوبها.
بدأ من السنغال التي زارها 3 مرات منذ 2016، وعلى مدار السنوات العشر الماضية، أصبحت تركيا شريكا تجاريا لداكار بمشروعات خاصة في أعمال البنى التحتية، الأمر الذي يعكس طموحا توسعيا واستعماريا.
ووفق بيانات رسمية بالبلدين ضمن سلسلة تقارير حول أطماع أردوغان في القارة الأفريقية، حصلت أنقرة فعليا على عطاءات تنفيذ مشروعات البنى التحتية الرئيسية في السنغال، منها: بناء مركز عبده ضيوف الدولي للمؤتمرات، وقصر داكار الرياضي، وفندق “راديسون” بمدينة ديامنياديو، والمدينة الجديدة التي تقع على بعد 30 كم من العاصمة؛ والمشاركة في تنفيذ القطار السريع الإقليمي، وإدارة مطار “بليز ديان” الدولي لمدة 25 عاما.
كما واصلت الشركات التركية الحصول على عطاءات وامتيازات سنغالية، ففي 2018، تم الاستحواذ على 29 مشروعا بقيمة أكثر من 460 مليار فرنك أفريقي (يعادل أكثر من 700 مليون يورو).
وحسب تصريحات لـ”عمر سال”، الباحث السنغالي بمركز الدراسات الدبلوماسية والاستراتيجية بالعاصمة الفرنسية باريس، فإنه “منذ إطلاق النظام التركي برنامج الانفتاح على أفريقيا عقب تولي حزب الحرية والعدالة السلطة في تركيا، تسارعت خلال الفترة الأخيرة نفوذ أنقرة في عدة دول أفريقية بينها السنغال”.
ونقلت صحيفة “لوموند” عن سال قوله إن “النظام التركي يلعب على جميع الجبهات في أفريقيا لبسط نفوذه في جميع أنحاء القارة”.
وحذر من أن “الأتراك يعتنون بصورتهم في أفريقيا عبر التمويل المبطن للمشروعات الثقافية والرياضية والمساجد، كإحدى أذرع القوى الناعمة التركية في القارة”، لكنها “مؤذية جدا”، حسب وصفه.
يورانيوم النيجر
في الوقت الذي انشغلت فيه فرنسا ببعض مشاكلها الداخلية عن النيجر، تسلل أردوغان بقوة نحو البلد الغني باليورانيوم، باستثمارات لمجموعة “سوما” الغطاء الخفي لسلب الثروات في الدول الأفريقية.
وفازت المجموعة التركية بعقود ضخمة في النيجر، أبرزها بناء مطار العاصمة نيامي الجديد بتكلفة 154 مليون يورو، كما أنهت أشغال بناء فندق “راديسون بلو” بالمدينة نفسها، وهو مشروع تناهز قيمته 54 مليون يورو، بحسب تقرير لموقع “لو موند أفريك” الفرنسي.
التقرير نفسه ذكر أيضا أن “سوما” فازت بمناقصة البناء الخاصة بوزارة الاقتصاد والمالية المستقبلية في النيجر، بقيمة تتجاوز 31 مليون يورو، فضلا عن تجديد قصر المؤتمرات في نيامي مقابل 6 ملايين يورو.
ولم تكن التنمية هي الهدف كما يزعم أردوغان، فوجود “سوما” في النيجر جعل الدولة الغنية باليورانيوم تحت سيطرة تركيا، عبر استغلال مطار “ديوري حماني” الدولي في نيامي لمدة 30 عاما.
وبالأشهر المقبلة، سيتعين على المسافرين المغادرين من نيامي دفع ضريبة المطار الجديدة بقيمة 52 يورو، وستحتفظ مجموعة “سوما” بسيطرتها على صفقة التحكم المربحة جدا في المطار، دون أن تستفيد النيجر إلا من حفنة دولارات تمثل قيمة الضرائب البسيطة.
وعلاوة على ذلك، تسعى أنقرة للسيطرة على منجم “إيمورارين” لليورانيوم الذي ينتج 5 آلاف طن في السنة، مستغلة إغلاق شركة “أورانو” (أريفا سابقا) شركة “أكوتا” للتعدين (كوميناك)، وهي إحدى فروعها في النيجر، بعد انهيار سعر اليورانيوم بالسوق العالمية.
نفط ليبيريا
علاوة على النيجر، تتربص تركيا بليبيريا، خصوصا منذ إعلان حكومة البلد الأخير، في فبراير/ شباط الماضي أنها بصدد طرح مناقصة تشمل 9 مناطق بحرية للاستكشاف، تشمل بالأساس حوض هاربر أقصى جنوبي البلاد.
وبعد سنوات استغرقتها ليبيريا لتسوية الجوانب الفنية التي تتعلق بشروط استكشاف وإنتاج النفط خصصت خلالها أجزاء كبيرة من مناطقها البحرية لكبرى شركات النفط عبر جولتين من إصدار التراخيص، بدأت بجولة جديدة من التراخيص الخارجية.
تغيير يبدو أن أنقرة تترصده وتنتظر بفارغ الصبر الحصول على أي تذكرة تمنحها شارة وضع أقدامها بالبلد الأفريقي، لتستنسخ فيه سيناريو بقية بلدان القارة التي استنزفتها وحولتها إلى بؤر توتر.
ومن المقرر أن يقوم الرئيس الليبيري جورج ويا، هذا العام، بإطلاق البرنامج الشامل للتطوير النفطي في ليبيريا.
إرهاب في نيجيريا
منذ صعوده إلى الرئاسة، زحف أردوغان بقوة نحو نيجيريا التي تعد واحدة من أهم مناطق إنتاج الطاقة، ولكنها أيضا معقل تنظيم “بوكو حرام” الإرهابي.
وسعت الحكومة التركية إلى تحويل نيجيريا إلى سوق كبيرة لمنتجاتها، والهيمنة على اقتصادها الذي يخدم أكثر من 200 مليون نسمة، كما كانت المشاريع الخدمية إحدى طرق الوصول إلى النفوذ المطلوب.
لكن سرعان ما ظهرت تركيا بوجهها الحقيقي، عندما ضبطت سلطات الجمارك في لاغوس النيجيرية شاحنة تنقل 661 بندقية تركية مهربة، وأثبتت التحقيقات أنها كانت في طريقها لـ”بوكو حرام”.
وبعد مرور 5 أشهر من الواقعة، اعترضت جمارك نفس الميناء شحنة جديدة من الأسلحة تضم 440 بندقية، وذكر المتحدث باسم الشرطة النيجيرية جوزيف آتا، آنذاك، أن “الشحنة جاءت من تركيا”.
وتعد نيجيريا واحدة من أكبر شركاء تركيا التجاريين في أفريقيا، وهي سادس شريك تجاري لها، والثانية بين الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى.
ومطلع الثمانينيات، وقع البلدان اتفاقية تجارية مكنت أنقرة من استيراد الكاكاو وجوز الكولا والمطاط والزنك والنفط الخام والفحم والقصدير، بينما قامت نيجيريا بشراء مواد البناء والسلع الإلكترونية والأدوات الزراعية من تركيا.
لكن الزخم الحقيقي في العلاقات الاقتصادية الثنائية كان في 1999 عندما بدأت تركيا شراء الغاز الطبيعي المسال من نيجيريا، وأصبح هذا المورد يمثل مع النفط 90 بالمئة من الواردات التركية، كما أصبحت أنقرة أكبر مستورد للسمسم من نيجيريا.
ومطلع 2018، بدأ بيع النفط الخام النيجيري في تركيا، ليصل حجم التجارة الثنائية إلى 2.3 مليار دولار، وفق أرقام تركية رسمية.
وفي 2019، بلغ حجم التجارة بين البلدين نحو 500 مليون دولار، باستثناء النفط والغاز، منها 340 مليون دولار مجموع مبيعات البضائع التركية إلى الدولة الواقعة غرب أفريقيا.
وتنشط أكثر من 40 شركة تركية في نيجيريا، بطاقة توظيفية تصل إلى 500 تركي وأكثر من 2500 نيجيري.