الصومال اليوم

هل وصلت الأزمة السياسية الانتخابية في الصومال إلى خواتيمها؟

بعد فترة عصيبة عاشتها العاصمة الصومالية، إثر التصعيد العسكري الذي شهدته المدينة، نتيجة مضي طرفي الخلاف السياسي حول الانتخابات نحو المواجهة السياسية، جاء الاتفاق السياسي الذي تم إثر انعقاد “مجلس التشاور الوطني” في مقديشو، واستكمل غرضه في 27 من مايو (أيار) ليكون الخطوة الأخيرة في سبيل تنفيس حالة الاحتقان السياسي والتوتر العسكري الذي عايشته البلاد خلال الأشهر القليلة الماضية.
وقد شارك في الاجتماع ممثلون للولايات الفيدرالية التابعة للحكومة الفيدرالية، ومحافظ محافظة بنادر، وفي الجهة الأخرى شاركت الحكومة ممثلة برئيس الوزراء محمد حسين روبلي الذي تولى مسؤولية الملف الانتخابي أخيراً، ليخرج المؤتمرون باتفاق تم تلخيصه في 8 نقاط رئيسة، ومثلت موضوعات الخلاف الرئيسة بين أطراف المعارضة والرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو.
أهم نقاط الاتفاق
غطت المناقشات التي حدثت في مقديشو بين رؤساء الولايات ورئيس الوزراء، نقاط الخلاف الرئيسة، وفي البيان المشترك الذي صدر من المجلس التشاوري الوطني، تم الإعلان عن نقاط الاتفاق، وكان منها فتح المجال لاستقبال الاعتراضات على اللجان الانتخابية بمستوييها، بحيث يصبح ممكناً تبديل أعضاء اللجان الانتخابية بناءً على طلب الجهات المعترضة، حسب لوائح متفقٍ عليها، كما تم الاتفاق على حل الخلاف القائم بين القيادات السياسية لممثلي “صوماليلاند” حول تعيين أعضاء اللجان المتعلقة بالانتخابات، على أن يتولى رئيس مجلس الشيوخ عبدي حاشي تعيين عدد من أعضاء اللجان الانتخابية ولجنة حل الخلافات الانتخابية، وقد أسفر الاتفاق عن حل الخلافات حول محافظة “غيدو” وصدرت فقرات تفصيلية لإزالة العقبات السياسية والأمنية التي تسبب بها الخلاف، والتي أثرت على ملف الانتخابات. 
أما الخلافات حول الترتيبات الأمنية المتعلقة بالانتخابات، فقد أعلن المجتمعون عن نقاط متفق عليها لإزالة أي اعتراضات متعلقة بتلك المسألة، وبخصوص حصة “كوتة” المرأة فقد أعادوا تأكيد الاتفاق على منح المرأة نسبة 30 في المئة من المقاعد البرلمانية، وقد تم تحديد موعد جديد لإجراء الانتخابات ليكون خلال 60 يوماً من تاريخ انفضاض المؤتمر التشاوري، والتقيّد بالاتفاقات السابقة والتنسيق بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات بوضع جداول انعقاد الانتخابات ضمن المدى الزمني المقترح. وفي ختام البيان أكد المجلس التشاوري استمرار انعقاده، للقيام بدوره في استكمال بناء مؤسسات الدولة الصومالية.
ماذا قدم الاتفاق؟
يتفق كثير من المحللين الساسيين الصوماليين على أن الاتفاق بنصه لم يقدم جديداً في العملية الانتخابية، سوى أنه أتى بمخرج للأزمة السياسية، بحيث لم يعد أن يكون أداة لحفظ ماء وجه طرفي الخلاف السياسي، الذي كاد يجعل العاصمة الصومالية ساحة لإراقة الدماء. وفي هذا الصدد تقول الناشطة هبة شوكري: “لم يخسر أحد المؤتمر التشاوري، بل تنازعوا النصر فيما بينهم، فقد خرج فرماجو كشخص وثق برئيس وزرائه، موكلاً إليه مهمة إيجاد الحل، لذا كان رئيس الوزراء نجم الحدث بلا منازع. وخرج رؤساء الولايات الفيدرالية المعترضة بصفتهم منتصرين للدستور، وخرجت المعارضه بمظهر من أوصل البلاد إلى انتخابات، طبعاً الرابح الأكبر هو الشعب الذي يعنيه أن تصل البلاد إلى بر الأمان من دون إراقه الدماء”.
وفي السياق نفسه، أكد الباحث في الشأن السياسي الصومالي سعيد الطيب أن “قطار العملية الانتخابية عاد إلى مساره الطبيعي الذي كان متوقعاً، وأن ما تم الاتفاق عليه لم يتجاوز قيد أنملة ما سبق الاتفاق عليه في مؤتمر “بيدوا” في التاسع عشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، وأن تعنت الأطراف المتخالفة قد لان، وأصبح من خلال البيان المشترك الذي صدر فهم المسائل التفصيلية التي استخدمتها الأطراف في الضغط على مناوئيها”.
المكاسب السياسية للمعارضة
وتضيف شوكري، “على الرغم من أن دخول الرئيسين السابقين على خط المعارضة كطرفين بالمفاوضات، وخلقا سابقة تاريخيه قد تتكرر مستقبلاً، فقد لعب الرئيسان السابقان دوراً مهماً وحيوياً في الوصول إلى التوافق الذي حدث، خصوصاً تجمع المرشحين الرئاسيين المعارض تحت قيادتهما كان له دور كبير في إخراج فرماجو من المشهد، ولو مؤقتاً، لكنه في الحقيقة وعلى طاولة المفاوضات لم يكسب التجمع أي بند أو مطلب: مسائل مثل مقام مقديشو أو حفظ أمن العاصمة أو حتى الدخول كطرف مباشر في المحادثات كما كانت مطالبه”.
ويشير المحلل السياسي زكريا آدم إلى أهم ما حققته أطراف المعارضة ممثلة بتجمع المرشحين الرئاسيين ورؤساء ولايتي “جوبالاند” و”بونتلاند”، فيقول: “استطاعت الأطراف المعارضة بمجملها، الخروج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه، بعد التصعيد العسكري الذي تم من طرفها، فخيارها التلويح بالسلاح القبلي أفقدها الكثير من التأييد والمصداقية، وجعلها تخضع لضغط سياسي كبير من أطراف دولية، فوق أن ذلك الخيار لم يكن مستداماً، وعليه فإن الاتفاق الأخير أعاد إليها توازنها، وساهم في إثبات قدرتها على جر الرئيس إلى طاولة المفاوضات، عبر تنازله عن إشرافه على العملية الانتخابية لصالح رئيس الوزراء”.
المكاسب السياسية للرئيس
على الرغم من تنازل الرئيس عن الإشراف على العملية الانتخابية، والفشل الذي واجهه في إيصال البلاد إلى مرحلة الانتخابات المباشرة التي وعد بها، يؤكد “الطيب” أن الرئيس فرماجو خرج من الأزمة بخسائر لا تذكر، فيقول: “إن عودة البرلمان عن تنفيذ اتفاق 17 سبتمبر والتصويت على التمديد لنفسه وللرئيس، لم يكن سوى مناورة سياسية من الحكومة حتى ينفذ الطرف المعارض الاتفاق من دون شروط مسبقة، وهو ما تحقق للرئيس بانعقاد المؤتمر التشاوري، في حين تم استثناء المعارضة من الحضور، تلك المعارضة التي تخشى احتمال عودة فرماجو إلى الحكم مرة أخرى، وهو احتمال ما زال قائماً بقوة، فهدفها الرئيس كان أن لا يترشح للانتخابات من الأساس، وهو هدف شبه مستحيل التحقق الآن”.
ويؤكد “آدم” قوة موقف الرئيس الذي استهدفت خياراته المعارضة والولايات المعترضة، مشيراً إلى شعبية الرئيس التي لم تتأثر، وكثرة التساؤلات حول دوافع الرئيسين السابقين والولايات في التصعيد، قائلاً: “لقد واجه فرماجو موقفاً عصيباً لدى محاولة المعارضة تنفيذ وعودها باللجوء إلى السلاح، إلا أن حالة النزوح التي شهدتها العاصمة، على يد جزء من تجمع مرشحي الرئاسة، أثبت للشعب الصومالي أن هنالك من لا يعبأ بسلامتهم وأمنهم، وأن ذلك الطرف ليس سوى معارضي الرئيس، إضافة إلى أن دعوة الجهات المعارضة السياسية والولائية، إلى تخلي الرئيس عن صلاحياته وإقالة قيادات عسكرية وأمنية لم تتحقق، فالدولة بمؤسساتها بقيت موالية للرئيس، بما في ذلك البرلمان ومجلس الشيوخ، كما أن عدم تأثر أجهزة الدولة بكل ما جرى، زاد من الثقة الشعبية بالرجل، في وجه رئيسين سابقين عانى في ظلهما الشعب من اضطراب كبير في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية”، بحسب تعبيره.

Exit mobile version