بدأت قناعات الحكومات الأفريقية التي تواجه تعثرا في مواجهة التمرد الجهادي تتغيّر وتتجه إلى فتح قنوات تواصل مع الجهاديين والحوار معهم بعد أن فشل البعد العسكري المدعوم دوليا في تحقيق المنشود. ويرى مراقبون في الحوار مع حركة طالبان نموذجا يمكن الاقتداء به.
وهدّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد بسحب قوات بلاده من مالي في حال سارت باماكو باتّجاه إسلام راديكالي، فيما بات سيناريو الحوار مع الجهاديين بدل قتالهم مطروحا بقوة لدى القادة الماليين والأفارقة وحتى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وصرّح ماكرون في مقابلة مع صحيفة لوجورنال دي ديمنش خلال زيارته لرواندا وجنوب أفريقيا، “كنتُ قد قلتُ للرئيس المالي باه نداو. الإسلام الراديكالي في مالي مع وجود جنودنا هناك؟ هذا لن يحصل أبدًا.. لكن إذا سارت الأمور في هذا الاتّجاه، سأنسحب”.
وتدعم فرنسا عبر قوة برخان التي تضم نحو 5100 عنصر، مالي التي تواجه منذ 2012 هجمات جهادية بدأت في الشمال وأغرقت البلاد في أزمة أمنيّة قبل أن تمتد إلى وسط البلاد.
وفي أوائل عام 2020، اعترف الرئيس المالي المعزول إبراهيم أبوبكر كيتا برغبته في الحوار مع جماعات جهادية وأرسل مبعوثين إلى اثنين من قادتها الرئيسيين، آغ غالي والداعية الفولاني أمادو كوفا.
وخلال زيارة قام بها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى باماكو في نهاية أكتوبر الماضي، دافع رئيس الوزراء المالي الانتقالي المعزول مؤخرا مختار عوان عن “ضرورة عرض حوار مع الجماعات المسلحة” الجهادية في إطار “الحوار الوطني الشامل” وهي المشاورات الوطنية الواسعة التي جرت في نهاية 2019. لكن باريس لم تغير خطها العسكري البحت في مواجهة الجهاديين.
ويوضح جان هيرفيه جيزيكيل، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، أن الجهاديين في الساحل “متأصلون في مجتمعاتهم التي تتعاطف معهم أحيانًا”. وقال إنهم يشاركون بشكل متزايد في الشؤون المحلية، ولهذا السبب “يحاول الكثيرون استكشاف مسار الحوار”.
ويبدو أن هناك اتصالات غير رسمية جرت بالفعل بين الحكومة الجديدة في باماكو والجماعات الجهادية.
وقالت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي “لا يمكننا التحاور مع الجماعات الجهادية التي لم تتخل عن القتال الإرهابي”. وأضافت “إنها مسؤولية السلطات المالية وليست مسؤوليتنا، لكن التواصل مهم”.
وتؤكد الضربة الجوية الأخيرة التي نفذتها باريس ضد الجهاديين أن الخيار العسكري يبقى مفضلا لدى فرنسا التي أعلنت عن عمليات منفصلة ضد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وتنظيم الدولة الإسلامية وأعلنت تحييد نحو مئة جهادي.
وتمكنت فرنسا من السيطرة على عملية للجهاديين في شرق مالي عام 2013، لكنها تبدو غير قادرة على منع النزاع من التمدد. ورغم تكثيف الفرنسيين لعملياتهم المضادة، فإن “النجاحات” العسكرية ليست بالقدر الكافي.
ويرى متابعون لأنشطة الجماعات الجهادية في مالي ومنطقة الساحل الأفريقي أن تحييد فرنسا لقيادات جهادية من الصف الأول في مالي يبقى نصرا معنويا بالأساس ولا يغيّر المعطيات الأمنية على الأرض.
ويقول النائب الفرنسي توماس غاسيلو “بعد سبع سنوات، على الرغم من نجاحاتنا الاستراتيجية الكبيرة، فإن الوضع لا يتطور ميدانيا. نشهد حصيلة ثقيلة، وثقيلة للغاية”.
وبدأ السياسيون في مالي وأفريقيا عموما، يطرحون ما لم يكن متصورًا في يوم من الأيام وهو التفاوض مع المتطرفين كبديل عن قتالهم بعد فشل الحل الأمني في استتباب الأمن.
ويقول أمبرواز داكو من تحالف إعادة بناء هياكل الحكم في أفريقيا، وهو مركز أبحاث، أن “كل تحليل للأزمة المالية يظهر أن الحل العسكري البحت ليس ممكنًا. لا يمكننا أن نكون متصلبين في رأينا. لا بد أن نكون منفتحين على الحوار مع هذه المجموعات لمعرفة ما إذا كان التوفيق ممكنًا. علينا أن نعرف ماذا يريدون وما الذي يمكننا التنازل عنه”.
والآن يدفع مراقبون بما في ذلك العديد من الشخصيات السياسية البارزة، نحو استراتيجية مختلفة تمامًا تتمثل في التفاوض مع الجماعات الجهادية.
وأحد هؤلاء تيابيله دراميه، وهو وزير خارجية سابق ساعد في التفاوض حول ما يسمى باتفاق واغادوغو، الذي مكن سكان المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة من التصويت في الانتخابات الرئاسية في مالي عام 2013 ويشاركه في ذلك أيضا رئيس الاتحاد الأفريقي موسى فكي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
ومقترح الحوار ليس جديدًا تمامًا حيث تمت مناقشته خلال مؤتمر التفاهم الوطني 2017 في باماكو. وفي نهاية المناقشات، دعا المشاركون – وهم نحو 300 ممثل عن الحكومة والمعارضة والجماعات المسلحة والمجتمع المدني – إلى عقد لقاءات مفتوحة لمعرفة مطالب الجهاديين.
وبعد مرور 4 سنوات على المؤتمر، يبدو أن الفكرة بدأت تلقى رواجًا على الرغم من بعض التحديات.