بدأت انعكاسات التقارب مع مصر تفتح الطريق أمام قطر للتحرك بمرونة أكبر في نقاط التماس الإقليمية، والتي كانت تزعج القاهرة من قبل كلما وضع أحد المسؤولين القطريين قدميه فيها، فبعد أن قام وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني بزيارة لطرابلس حط منها مباشرة في الخرطوم.
وثمنت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش خلال لقائها مع الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الأحد التقارب المصري – القطري، في إشارة توحي بالأهمية التي يحملها لحكومة الوحدة الوطنية، حيث يجنبها الكثير من التناقضات مع القاهرة التي تعد من أبرز داعميها، وتريد الحفاظ معها على علاقات متوازنة.
ونسجت القاهرة علاقات متينة مع كل من طرابلس والخرطوم مؤخرا، وتعمل على تطويرها، وتراجعت هواجسها السابقة بشأن التحركات القطرية، والتي أصبحت تصوراتها الظاهرة حاليا بعيدة عن المناكفات التقليدية، السياسية والأمنية والإعلامية، التي عرفت بها خلال فترة التوتر الطويلة مع القاهرة.
وبحثت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي في الخرطوم الاثنين مع نظيرها القطري تفعيل آليات التشاور السياسي بين البلدين وإجراء الترتيبات اللازمة لانعقاد اجتماعات ثنائية لبحث فرص التعاون في مختلف المجالات.
وتعد زيارة الوفد القطري للخرطوم أكبر زيارة لوفد رسمي منذ سقوط نظام الرئيس عمر حسن البشير، تأكيدا للتطور الحاصل في العلاقات على خلفية زيارة قام بها رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، وقبلها زيارة نائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو، حيث وضعتا نواة لانفتاح جديد محسوب.
ولوحظ أن الزيارتين تمتا عقب انعقاد القمة الخليجية في مدينة العلا السعودية في يناير الماضي والتي دشنت مصالحة سياسية بين دول الخليج ومصر من ناحية وقطر من ناحية ثانية.
تتزامن زيارة الوفد القطري مع اقتراب إجراء مناورات عسكرية بين جيشي البلدين في قاعدة جبيت العسكرية، تنفيذا لبروتوكولات موقعة منذ سنوات بين البلدين، ما يشي بأن هناك رغبة كبيرة في عودة الدفء إلى مجالات مختلفة بين الخرطوم والدوحة.
ويقول مراقبون إن الإعلان عن إجراء هذه المناورات، وسط حديث عن مناورات مشتركة بين الجيشين المصري والسوداني باسم “نسور النيل” خلال الفترة من 26 إلى 31 مايو، يوحي بأن هناك تنسيقا بين الأطراف الثلاثة، الأمر الذي يشير إلى تجاوز جانب مهم من مرحلة الفتور السابقة.
وعبّرت كلمات الثناء التي وجهتها المهدي لنظيرها القطري تجاه إحلال السلام في دارفور عن تغير واضح في الخطاب السوداني، بعد أن قررت لجنة إزالة التمكين حل عدد من الجمعيات ذات الارتباط الوثيق بقطر واتهامها بأنها تعبث بأمن الإقليم.
وأكد الدبلوماسي السوداني السابق السفير علي يوسف أن التغيرات السياسية على مستوى عودة العلاقات بين دول الاعتدال العربي وقطر كانت لها انعكاسات على علاقات الخرطوم بالدوحة.
وأضاف لـ”العرب” أن التقارب المصري – القطري أدى إلى المزيد من الارتياح لدى السلطة الانتقالية في الخرطوم من جهة الاستفادة من الأدوار القطرية السابقة بدارفور، في ظل رغبتها في المساعدة لإنزال اتفاق سلام جوبا على الأرض.
ويعوّل السودان على إقامة علاقات متوازنة مع قطر، بعيدا عن تلك التي نسجها نظام البشير وقامت على أساس التقارب الأيديولوجي، وكان ذلك من الأسباب الرئيسية التي قادت إلى تدهور العلاقات بعد الإطاحة بنظامه.
مع خفوت حدة الاستقطاب المصري – القطري أصبحت هناك فرصة لبناء علاقات جديدة بعيدة عن دعم الدوحة السافر لجماعات الإسلام السياسي والذي أرق السودان بعد ثورته ضد البشير، كما أرق مصر قبلها وبعدها.
ويبدو أن الحكومة الانتقالية السودانية أكثر حاجة إلى المزيد من الانفتاح الاقتصادي على قطر لصعوبة الأوضاع المعيشية التي تهدد تماسك السلطة الراهنة، وترى أن ذلك لن يأتي على حساب مصر ومن الضروري وضعه في إطار من التعاون الثنائي على مستوى المؤسسات في البلدين ومن دون أن تنتقل آثاره إلى فلول النظام البائد الذين كانوا ينتظرون الفرصة لاستعادة نفوذهم مرتكزين على دعم سياسي قطري.
وكشف متابعون أن مساعي الدوحة للظهور بوجه جديد مغاير لما اعتادت عليه أثناء فترة حكم عمر البشير ليست كافية لتقييم طبيعة دورها مستقبلا في ليبيا أو السودان.
وأكدوا أن ما يحجّم طموح قطر ارتباطها بتفاهمات مع الجانب المصري الذي يدعم مسألة تحسين العلاقات معها بعيدا عن أي حسابات خفية لها علاقة بتنظيم الإخوان والمتطرفين في المنطقة.
وألمحت دوائر سياسية إلى أن ما يجري الآن بين الدوحة وكل من طرابلس والخرطوم يندرج ضمن عملية جس النبض لما يمكن أن تكون عليه علاقات قطر الإقليمية.
وأوضح الخبير بمركز الفكر للدراسات السياسية والإستراتيجية في القاهرة أحمد عليبة لـ”العرب” أن زيارة وزير خارجية قطر إلى طرابلس جاءت دون وزير الدفاع ما يعني غياب البعد العسكري والتركيز على الجانب السياسي، مع غياب الزخم على مستوى لقاءات قيادات الإخوان في ليبيا.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن علاقات قطر الجديدة في ليبيا تقوم على مراجعة مذكرات التفاهم السابقة التي أبرمتها حكومة فايز السراج مع الدوحة، وأن عدم ارتقائها للاتفاقيات الدولية جعل هناك فرصة لتدشين تعاون مشترك على أسس جديدة دون توظيف ورقة الميليشيات، وهو أمر يتماشى مع وجهة نظر القاهرة.
وشدد أحمد عليبة على أن الدور المصري الفاعل في ملفات إقليمية متعددة لديه قدرة على أن يفرض نفسه في حسابات الكثير من الأطراف الإقليمية داخل دول الجوار، تحديدا ليبيا والسودان، وقطاع غزة، غير أن مسألة التبدل في التحالفات الحاسمة تبقى غير واردة في المرحلة الحالية، وأن بوصلة التحركات المصرية المتباينة لا تبرز هذا السياق لأنها تتعامل وفقا لمصلحتها الوطنية فقط.