أبدت مصر انزعاجها من تسارع التحركات التركية والقطرية على الساحة الليبية، وأوفدت مدير المخابرات الحربية اللواء خالد مجاور، إلى قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، والذي التقاه في مقر القيادة العامة بالرجمة في شرقي البلاد، مساء الثلاثاء، وسلمه رسالة من الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وأكدت القاهرة رفضها تحويل مدينة مصراتة الساحلية إلى قاعدة للقطع البحرية التركية، بعد زيارة أداها إلى طرابلس كل من وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ونظيره القطري خالد العطية، حملت رسائل عديدة، أبرزها عدم استبعاد التحضير لتجاوز الخط الأحمر الذي حدده السيسي بخصوص سرت – الجفرة، ورفع التحشيد في صفوف المرتزقة والميليشيات.
ووصلت المبادرة الأميركية حول المنطقة منزوعة السلاح سرت – الجفرة إلى طريق مسدود، حيث أبدت القاهرة تحفظات كبيرة عليها، بسبب غياب الآليات الواضحة التي تضمن ألا تساعد المبادرة حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج على إرسال مرتزقة إلى هناك في شكل قوات تأمين تابعة لوزارة الداخلية.
وأخفقت الجولات المكوكية التي قام بها مسؤولون أوروبيون في ليبيا ودول بالمنطقة في تحقيق تقدم على مستوى تثبيت وقف إطلاق النار، وإطلاق مفاوضات الحل السياسي، وهو ما اعتبرته أنقرة علامة على تفكك المواقف الدولية، وإشارة إلى مواصلة تعزيز قدراتها العسكرية، وأمعنت في إرسال المزيد من المرتزقة السوريين وغيرهم.
وأشارت وسائل إعلام ليبية إلى قيام تركيا مؤخرا بتجنيد المئات من الصوماليين وإرسالهم إلى قطر للتدريب العسكري في الدوحة، ومنها جرى شحنهم إلى طرابلس لينضموا إلى زملائهم من سوريا وتونس وتشاد والنيجر.
ورصدت القاهرة مجموعة من الخطوات المتسارعة التي تؤكد أن الأوضاع قابلة للانفجار خلال الفترة المقبلة، وقد تضطر إلى استخدام التفويض الذي منحه لها البرلمان والجيش والقبائل الليبية في التدخل العسكري قريبا.
وقالت مصادر مصرية لـ”العرب”، “إن الخط الأحمر الذي حالت عوامل عديدة دون اختراقه حتى الآن، لا يعني أن تمرح تركيا كما تريد بعيدا عنه، لأن أية ترتيبات عسكرية تتم في طرابلس من جانب أنقرة والدوحة لها انعكاسات على مصر”.
وأضافت أن التجهيزات التي تقوم بها تركيا وقطر توحي بأن هناك رغبة عسكرية في التصعيد، وحرصا على اختبار نوايا القاهرة، ورغبة في معرفة ما إذا كانت ستقدم على مهاجمة مواقع بعيدة عن سرت – الجفرة أم لا؟
وأكدت المصادر ذاتها أن ما يجري في مصراتة والخُمس وفي قاعدة الوطية، والغرب الليبي عموما، له علاقة بمستقبل ليبيا وأمن مصر القومي، لأن تأثيراته ممتدة، فالتمركز الكبير هناك سيؤدي إلى فائض عسكري قد يغري بالعدوان، اعتمادا على رصيد الصبر المصري، والذي يفهمه البعض خطأ على أنه ممانعة في دخول الحرب مباشرة.
وبعث اللقاء المعلن بين مجاور وحفتر برسالة مهمة، مفادها أن ما تقوم به تركيا وقطر لن يغير مكونات المعادلة الحالية، ولن يتم السكوت عليه، وبإمكان الجيش الوطني الليبي بمساعدة الجيش المصري إجهاض أية مخططات مبكرا مهما كانت.
وقال رئيس المركز المصري للفكر والدراسات، العميد خالد عكاشة، إن زيارة مجاور تؤكد أن الأجهزة العسكرية المصرية على تواصل مستمر مع الجيش الليبي لضمان حماية النقاط الإستراتيجية للدولة الليبية، والأماكن الحيوية التي تشهد تحرشات تركية من حين لآخر بحثا عن السيطرة عليها.
ولفت عكاشة في تصريح لـ”العرب” إلى أن الزيارة تبرهن على أن القاهرة ماضية في تقديم الدعم إلى الجيش الليبي في حربه ضد العناصر الإرهابية التي تحشدها أنقرة، بما لا يؤدي إلى فشل الجهود السياسية، وضمان عدم تغيير التوازنات العسكرية، والوقوف أمام المحاولات الرامية إلى إيجاد أمر واقع جديد على الأرض.
ووصلت فرقاطتان تركيتان إلى ميناء الخُمس، “135 كيلومترا شرق طرابلس” قبل أيام، في محاولة أكدت تمسك أنقرة بالهيمنة على موانئ الغرب الليبي، وتحويلها إلى قاعدة خلفية لعملياتها العسكرية، ما يسمح لتركيا بنشر عتاد بحري، وتثبيت وجودها العسكري والتجاري في جنوب البحر المتوسط وشمال أفريقيا.
وقامت أنقرة بتجهيز قاعدة الوطية بالدفاعات الجوية والطائرات المسيّرة وإصلاح بنيتها التحتية مرة أخرى، بعد تعرضها للقصف والتدمير من قبل طائرات مجهولة وسط مخاوف من وجود مخطّط للهجوم على سرت والجفرة.
وتتواتر الأنباء بشأن اتفاق أنقرة والدوحة مع السراج على إصدار جوازات سفر ليبية للمرتزقة، ودمجهم ضمن قوات حكومة الوفاق بإشراف تركيا، ويمكن أن تسند إليهم مهمة تأمين وحماية مقرات تابعة للحكومة، على أن تقوم قطر بتوفير الدعم المالي اللازم لهذه الخطوات.
ووافق السراج على بناء تعاون معهما لرفع قدرة قوات حكومته، وتسهيل عملية تمركز عسكريين من تركيا وقطر في مناطق تسيطر عليها حكومة الوفاق وإرسال مستشارين قطريين إلى ليبيا ومنح مقاعد لعناصر تابعة للسراج في كليات عسكرية تركية وقطرية.
ورأى مصدر مصري في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية أن هذه التطورات “تعد خروجا عن المنطق الذي بني عليه اتفاق الصخيرات والولاية المنبثقة عنه وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.. وتمثل خطورة على مستقبل الشعب الليبي”.
وإذا صحت معلومات إعادة التموضع التركي سيكون ذلك بمثابة تجاوز من الجهات الليبية المتورطة، باعتبارها تدعو إلى استخدام مدن وموانئ ليبية لمصلحة دول أخرى على نحو ينشئ حالة غير شرعية، ويهدد استقرار منطقة البحر المتوسط برمتها، شمالا وجنوبا، ويزيد من المخاطر على استقرار المنطقة وأمنها.
وشدد العميد عكاشة على أن القاهرة حريصة على تقديم الدعم لمؤسسات الدولة الوطنية في ليبيا، وتراقب في الوقت نفسه محاولات تركيا للالتفاف على المواقف الدولية بشأن وقف إطلاق النار، وإفساح المجال للحل السياسي، وترصد انتهاكات أنقرة بدقة وعن كثب.
وأوضح أن قطر وتركيا تحاولان الاستحواذ على مفاصل السلطة والنفوذ لإدارة المشهد في طرابلس من خلف الستار، في محاولة لسباق الزمن قبل انتهاء مهمة حكومة الوفاق الحالية، والتي سوف تزول عن المشهد عاجلاً أم آجلاً، وهما تدركان أن المعاهدات والاتفاقيات الأمنية والعسكرية والبحرية الموقعة مع حكومة الوفاق لن يكون لها مكان في ظل عدم اعتراف المجتمع الدولي بها.
وتمضي السياسة المصرية على خطين متوازيين، أحدهما التنسيق مع الجيش الوطني الليبي، وقياس حدود التحرك عسكريا داخل ليبيا وشكله وتوقيته، والآخر حض المجتمع الدولي على القيام بمسؤوليته، وضرورة تخلي القوى الكبرى عن صمتها حيال ما تقوم به تركيا، وزادت عليها في العلن قطر، التي تريد أن يكون لها موطئ صريح في الحرب، والتسوية إذا قدر أن تبدأ، بعد فترة طويلة من عزل الدوحة عنها.