نحج التحرك الدبلوماسي القطري الذي قادها مطلق القحطاني ، مبعوث وزير الخارجية القطري لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية النزاعات ، في خفض منسوب التوتر بين الحكومة الصومالية والمعارضة، واستئناف العلاقات بين الصومال وكينيا.
لقد أجرى المبعوث القطري الذي زار كلا من مقديشو وهرجيسا ونيروبي لقاءات مع القيادات الصومالية في الحكومة والمعارضة تناولت سبل إيجاد حل للأزمة السياسية والأمنية على خلفية قرار مجلس الشعب الصومالي الصادر في 12 أبريل الماضي والقاضي بتمديد فترة ولاية الرئيس محمد عبد الله فرماجو لمدة عامين، كما أجرى المبعوث مع الرئيس فرماجو وسلمه رسالة لقاء لم تتضح تفاصيلها بعد من الأمير تميم بن حمد أمير دولة قطر ثم أعلن البلدان عن استئناف علاقاتهما الدبلوماسية.
لكن زيارة مبعوث وزير الخارجية القطري إلى الصومال ولقاءاته مع رموز من التيارات السياسية أثارت تساؤلات حول الدوافع وراء التحرك القطري، ودلالات توقيتها وتساءل البعض لماذا لزمت قطر خلال الشهور الماضية الصمت ولماذا دخلت على الخط عندما صعدت المعارضة ضغطها السياسي واحتجاجاتها العسكرية على الرئيس فرماجو ، وبدأ الاتحاد الإفريقي بالدخول على خط الملف؟
في تقديري يمكن تلخيص دوافع التحرك القطري المفاجئ في النقاط التالية :
1- انقاذ الحليف: فالأحداث السياسية والأمنية التي شهدت العاصمة الصومالية منذ نهاية شهر أبريل الماضي هزت سلطة الرئيس محمد عبد الله فرماجو حليف قطر الذي استثمرته طوال السنوات الأربعة الماضية، وبات مستقبل النظام السياسي في الصومال مفتوحا أمام جميع الاحتمالات ، الأمر الذي دفع قطر إلى التحرك وتحسين علاقاتها مع أبرز الأطراف السياسية المعارضة في محاولة لترتيب أوراقها والمشاركة في صياغة المرحلة مع بعد الانتخابات الرئاسية في الصومال.
2- مصالحها في الصومال في خطر. استثمرت قطر الصومال خلال السنوات الماضية بملايين الدولارات. لقد أعلنت الحكومة القطرية في 20 أغسطس 2019 عن بدء الشركة القطرية لإدارة الموانئ “موانئ قطر”، تنفيذ الاستثمار في بناء ميناء هوبيو بإقليم مدغ في الصومال، وهو ميناء استراتيجي يقع بالقرب من خليج عدن دون ذكر قيمة هذا الاستثمار وأنها تمول أيضا مشرعين آخرين لنباء طريقين مهمين يربطان العاصمة مقديشو بإقليمي شبيلي السفلى وشبيلي الوسطى إلى جانب مشاريع أخرى تقدر قيمتها الإجمالي بـ200 مليون دولار ، وكذلك قدمت قطر للصومال في فبراير عام 2019 عشرين مليون دولار لدعم الميزانية الصومالية[1]. وبالتالي ليس من الحكمة بالنسبة لها أن تقف مكتوفة الأيدي عما يحدث في الصومال لحماية مصالحها. وكذلك لا بد من الإشارة إلى أن الصومال ظل منذ عام 2017 جزءا من المحور التركي- القطري وكان مواقفه الخارجية متطابقة إلى حد بعيد مع مواقف هذا المحور وأنه تبنى أكثر من مرة مواقف كانت تصب لصالح المحور التركي- القطري بدأ من موقفه من مقاطعة قطر من قبل عدد من الدول العربية، ومرورا بموقفه إزاء التدخل التركي في ليبيا وسوريا وانتهاء بمواقفه الحيادية للنزاع المصري الإثيوبي حول نهر النيل. لقد تحفظ الصومال على البنود السابع والثامن والحادي عشر من قرار الجامعة العربية، الذي ضم 14 بندا، دعا إلى انسحاب كافة القوات الأجنبية المتواجدة على الأراضي الليبية وداخل مياهها الإقليمية بما فيها القوات التركية[2]. كما تحفظ الصومال على البند الخامس من قرار الجامعة العربية الصادر نهاية يونيو عام 2020، والذي أكد على “ضرورة امتناع كافة الأطراف عن اتخاذ أي إجراءات أحادية، بما في ذلك امتناع إثيوبيا عن البدء في ملء خزان سد النهضة دون التوصل إلى اتفاق مع دولتي المصب[3] ولذلك يتركز التحرك القطري على أن تبقى الصومال في هذا المحور وللحيلولة دون وصول تيارات أخرى إلى السلطة في الصومال لا تتماشى مع أهدافها في المنطقة.
3- رسالة إلى القوى الإقليمية الأخرى. ما يشهد في منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة من تحولات سياسية وتقارب بين القوى الإقليمية في المنطقة ولاسيما تركيا ومصر من ناحية والمملكة العربية السعودية وتركيا من ناحية أخرى ، إلى جانب التحول الذي جرى في الولايات المتحدة الأمريكية تفرض على قوى منطقة الشرق الأوسط إعادة ترتيب أولوياتها وبالتالي فإن قطر باعتبارها عضو في المحور التركي تسعى إلى تعزيز حضورها في مناطق النفوذ الأخرى غير الشرق الأوسط وخاصة في منطقة القرن الإفريقي وأن تحركها الدبلوماسي الأخير في الصومال يندرج في هذا السياق، “فالشريط الساحلي الطويل للصومال الذي كان منذ القدم -ولا يزال- بوابة العبور إلى دول القارة الإفريقية بات اليوم في حيازة قطر[4]” وأنها لا تريد أن تفرط هذه الفرصة لتأكد للقوى الإقليمية الأخرى أنها أكثر من لاعب إقليمي وأنها قادرة على أن تلعب بالعديد من الأوراق لإستمرار هيمنتها على السياسة الخارجية الصومالية.
4- حماية مصالحها في المنطقة فلدى قطر أيضا استثمارات في كينيا المجاورة للصومال وخاصة في مجال البترول، حيث وقعت قطر عام 2019 قطر للبترول اتفاقية مع شركتي (إيني) الإيطالية و(توتال) الفرنسية تستحوذ بموجبها على 25 بالمائة من امتياز أعمال الاستكشاف والمشاركة بالإنتاج في ثلاث مناطق بحرية قبالة شواطئ كينيا، وهذه المناطق تقع بالقرب من الحدود البحري بين الصومال وكينيا ، ويشكل جزءا من منطقة بحرية غير مستكشفة من حوض لامو شرقي كينيا، وتبلغ مساحتها الإجمالية 15 ألف كيلومتر مربع، ويتراوح عمق المياه فيها ما بين ألف إلى 3 آلاف متر[5] وبالتالي يمكن أن تؤثر الأوضاع السياسية غير المستقرة في الصومال لاستثماراتها البترولية في كينيا؛ لأن هناك نزع في الحدود بين كينيا والصومال معروضة أمام المحكمة الدولية وهناك توقعات بأن تصدر المحكمة حكما لصالح الصومال.
5- تهميش دور الاتحاد الإفريقي: تحاول قطر أيضا إلى تهميش دور الاتحاد الإفريقي الذي خيب آمال الرئيس فرماجو بعد أن رفض دعمه في الصراع السياسي بين الحكومة والمعارضة . لقد قام الرئيس فرماجو بزيارة كينشاسا في 19 أبريل للتحدث مع الرئيس فيليكس تشيسكيدي، الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي. ووافق الاتحاد الأفريقي على تعيين مبعوث خاص للصومال، لكن فرماجو انزعج بحسب صحيفة الشرق القطرية نقلا عن صحيفة نيشن الكينية من بيان صادر عن مجلس السلام والأمن بالاتحاد الأفريقي، والذي رفض التمديد تمامًا وحذر من أنه قد يتسبب في عدم الاستقرار. وبحسب صحيفة نيشن الكينية ، فإنه يبدو أن الخطوة القطرية ألغت الحاجة إلى مبعوث خاص للاتحاد الأفريقي إلى الصومال، بعد إلغاء تمديد التفويضات والاجتماع مع المبعوث القطري”[6]. وأوضحت الصحيفة الكينية أن جهود قطر بدأت منذ فترة وكان هناك زيارة سرية قام بها وزير الداخلية الكيني إلى كل من الدوحة ومقديشو لتطبيع العلاقات بين الصومال وكينيا، وكذلك زار الرئيس الكونغولي الدوحة في شهر مارس الماضي لبحث القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين فيما يتعلق بمنطقة شرق إفريقيا.
ونظرا لهذه الأسباب فيما يبدو أن قطر لم تكتف بحلفائها في الصومال لحل الأزمة السياسية وانما بادرت بالتدخل المباشر وأرسلت مبعوثا ساميا إلى الصومال والمنطقة وأنها لا تريد سوى تحقيق هدف رئيسي يتمثل في بقاء الصومال حليفا لها وتعزيز تواجدها بمنطقة القرن الإفريقي الاستراتيجية وفيما يبدو لديها خيارات أخرى ضمن الأطراف السياسية في المشهد السياسي الصومالي غير الرئيس فرماجو وحلفائه؛ لأن فقدانها لتلك البقعة الاستراتيجية من إفريقيا، يعد نكسة لسياساتها الإقليمية والعربية ويشكل خطورة على مصالحها الآنية والمستقبلية في منطقة القرن الإفريقي.