قراءة في خطاب فرماجو
انتظر الشعب الصومالي الليلة الماضية خطاب الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو بفارغ الصبر بعد أن أعلن حلفاؤه من الولايات الإقليمية والقائم بأعمال رئيس الوزراء محمد حسين روبلي يوم أمس الثلاثاء 27 أبريل 2021 رفض قرار تمديد ولايته وولاية البرلمان الصومالي الذي صادق عليه في 12 من شهر أبريل الجاري مجلس الشعب الذي انتهت فترته في 27 ديسمبر الماضي ومطالبتهم بالعودة إلى مائدة المفاوضات ومواصلة المناقشات في اتفاقية 17 سبتمبر 2020 المبرمة بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات وتوصيات اللجنة الفنية في 16 فبراير 2021.
وكان الشارع الصومالي يأمل في أن يقدم فرماجو تنازلات كما كان يقوله دائما بعد تردي الأوضاع في البلاد، ونشوب معارك شرسة في العاصمة مقديشو في الأيام الفائتة بين القوات الموالية له وقوات حكومية أخرى رفضت التمديد وتأثر سكان العاصمة بذلك والذين بدأوا منذ أكثر من عقد من الزمان النزوح من ديارهم بعد أن تحولت أحياء العاصمة مقديشو إلى ساحة مفتوحة للقتال.
ولم يكن جديد في خطاب فرماجو ، فقد ذكر كما جرت به العادة أن حكومته مستعدة لإجراء انتخابات آمنة في البلاد وفي وقتها، وأنحى باللائمة على من وصفهم بشخصيات خاصة في إشارة إلى رؤساء بعض الولايات الإقليمية التي عارضت مشروعه الهادف إلى التمسك بالسلطة وعلى دول أجنبية- يقصد بها تلك التي رفضت محاولات التمديد وطالبت مرارا وتكرارا بإجراء الانتخابات الفيدرالية في أسرع وقت ممكن على أساس اتفاقية 17 سبتمبر 2020، وأشار إلى أن تلك الجهات أصبحت عقبة أمام الانتخابات، وأضاف أن هدفها كان إعادة البلاد إلى مرحلة الدمار وحدوث فراغ دستوري.
وأشاد فرماجو بالجهود الي بذلها رئيس الوزراء ورؤساء ولايات غلمدغ وهيرشبيلي وجنوب الغرب ومحافظ إقليم بنادر ورحب بدعوتهم مجددا إلى العودة إلى الاتفاقيات السابقة بشأن الانتخابات الفيدرالة ودعا جميع الأطراف الصومالية إلى إيقاف كل ما من شأنه أن يقود البلاد إلى عدم الاستقرار بما في ذلك تسييس القوات الوطنية وتقسيم الشعب وتدمير ممتلكات المواطنين.
ولا شك أن تسييس القوات الأمنية هو أحد أشد العقبات التي تواجهها البلاد في هذه المرحلة، ومعلوم أن حكومته هي التي فعلت ذلك حيث استخدمت قواتها للإطاحة بثلاث إدارات إقليمية وأرسلت قواتها أيضا إلى إقليم غدو لفصل الإقليم من ولاية جوبالاند كما استخدمت الشرطة والجيش لمنع مظاهرات سلمية دعت المعارضة إلى عقدها في مقديشو في فبراير الماضي وهاجمت على مقر إقامة الرئيسين السابقين حسن شيخ محمود وشريف شيخ أحمد ورئيس البرلمان السابق شريف حسن شيخ آدم، ثم استخدمتهما مرة أخرى لمهاجمة منزلي الرئيس السابق حسن شيخ وزعيم حزب ودجر عبد الرحمن عبد الشكور مطلع الأسبوع الجاري، الأمر الذي كان السبب في اندلاع معارك عنيفة في بعض مديريات العاصمة.
وكال فرماجو الاتهامات لمعارضيه ومن وصفهم بسياسيين شغلوا مناصب في الدولة وأشار إلى أنهم يعملون على زعزعة الاستقرار في البلاد، في إشارة إلى الرؤساء السابقين وغيرهم من السياسيين الكبار المعارضين لتشبثه بالسلطة والذين صبروا على المضايقات التي تعرضوا لها في السنوات الماضية بما في ذلك منعهم من السفر وتنظيم مظاهرات سلمية واالذين انتظروا حتى انتهت ولايته الدستورية في 8 فبراير 2021 حيث يطالبونه الآن بإجراء الانتخابات رافضين بقاءه في السلطة بطريق غير قانونية.
واستمر الرئيس المنتهية ولايته في اتهاماته لمن يقول إنهم أجانب يبذلون الجهد والمال لتقويض التقدم الذي أحرزته البلاد ليحصلوا على مصالحهم الخاصة، وذكر أن حكومته رفضت اتخاذ الشباب الصومالي وقودا للحرب، مشيرا إلى أنه اتضح للشعب من يرفض الانتخابات ويريد تدمير الدولة ويبحث عن الحكم بإراقة الدماء ومن ينتصر للسلام والدولة والشعب الصومالي ويريد أن يكون صندوق الاقتراح هو الفيصل، ولكن لا يخفى على المتابعين للشأن الصومالي أن الأزمة الحالية في البلاد سببها فشل حكومته في إجراء الاتنخابات البرلمانية والرئاسية في موعدها وإفشالها كل المؤتمرات التي عقدت في تحقيق ذلك والتي كان آخرها مؤتمر أفسيوني الذي أعلنت حكومته فشله لإعلان التمديد غير القانوني الذي كانت تصبو إليه منذ زمن بعيد.
ولفت فرماجو إلى -أنه لكونه المحافظ على الدستور وأن من مسئولياته التوفيق بين الاتفاقيات السياسية السابقة وبين قانون التمديد الذي صادق عليه مجلس الشعب- سيمثل أمام مجلس الشعب الصومالي يوم السبت المقبل للعودة إلى النظام الانتخابي المتفق عليه في السابق، مشيرا إلى أنه يرى أن الحل يكمن في الحوار وتقديم التنازلات وإتمام اتفاقية 17 سبتمبر 2020 وتوصيات اللجنة الفنية في 16 فبراير 2021، داعيا الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات إلى اجتماع سريع دون شروط مسبقة لإتمام ما تبقى وأمر الأجهزة الأمنية بالمحافظة على أمن العاصمة وسلامة الشعب الصومالي.
ومعلوم أن انتهاكات فرماجو للدستور وقوانين البلاد الأخرى هي التي أوصلت البلاد إلى الوضع الراهن، فهو الذي أوعز مجلس الشعب الصومالي إلى تمديد عامين في ولايته ووقع هو على ذلك، مغلقا بذلك باب الحوار إلا أن النتائج السيئة المترتبة على ذلك أجبرته مرة ثانية على العودة إلى مائدة المفاوضات وعلى مثوله أمام مجلس الشعب الذي ساهمت رئاسته في إثارة الفوضى في البلاد لحفظ ماء الوجه وإلا فإن المجلس انتهت شرعيته في أواخر ديسمبر الماضي وتعتبر جميع القرارات التي صادق عليها بعد ذلك لاغية وباطلة.
والحقيقة الوحيدة التي كشف عنها خطاب فرماجو هو فشل مشروع التمديد وإعلان وفاته بعد أن عارضته الولايات الحليفة له، والعودة إلى المربع الأول وإلى المحادثات بشأن الانتخابات التي لن تسفر عن نتيجة، وكيف تسفر عن نتائج وفرماجو يتهم في خطابه أصحاب المصلحة السياسية الآخرين برفض الانتخابات وتدمير الدولة وغيرهما من الاتهامات كما يتهم المجتمع الدولي الذي يقدم الدعم للصومال بأنه يعمل على تقويض التقدم الذي حققته البلاد.