الصومال اليوم

عودة قطرية مكشوفة لشمال أفريقيا

منى المحروقي

أرسلت قطر رسالة ثانية خلال أقل من يومين تشير إلى أن اهتمامها الكبير بشمال أفريقيا لم ينته، وأنها عائدة بقوة إلى ليبيا عقب سنوات من التواري والتعويل على تركيا في إطار سياسة الانحناء للعاصفة بعد أن تزايدت عليها الضغوط الدولية والإقليمية من أجل وقف التدخل لصالح المجموعات الإسلامية وسط اتهامات بدعم وتمويل الإرهاب في البلاد.

وذكرت وسائل إعلام ليبية وتركية أن وزير الدفاع القطري خالد العطية وصل إلى طرابلس الإثنين، تزامنا مع زيارة لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار ووزير الخارجية الألماني هايكو ماس.

وجاءت زيارة العطية بعد ثلاثة أيام من اتصال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بالرئيس التونسي قيس سعيد عرض خلاله تمويل مشاريع تنموية في المناطق الداخلية التونسية، في خطوة اعتبرت محاولة لحماية نفوذها في تونس، لاسيما في ظل تصاعد التكهنات بتوسع نفوذ الرئاسة على حساب البرلمان خلال الفترة القادمة، ما يعني فعليا تراجع دور حركة النهضة برئاسة راشد الغنوشي، حليفة الدوحة الأولى في البلاد.

وفسر متابعون إبرام الخطوط الجوية القطرية اتفاقية رعاية فريق النادي الأفريقي بداية من الموسم الرياضي المقبل بأنه توظيف سياسي من قبل الدوحة يهدف إلى تحسين صورتها بعد الانتقادات اللاذعة التي طالتها خلال السنوات الماضية واتهامات لها بالوقوف وراء حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها تونس.

وتؤشّر زيارة العطية التي تعد أول زيارة لأرفع مسؤول قطري يزور ليبيا منذ سنوات على انضمام قطر إلى الجهود العسكرية إلى جانب تركيا في ليبيا، الأمر الذي يعكس فشل الحراك الدبلوماسي الذي تقوده الولايات المتحدة لاسيما مع تواتر الأنباء بشأن رفض البرلمان المعترف به دوليا خطة أميركية لإنشاء منطقة منزوعة السلاح تشمل سرت والموانئ النفطية تجبر الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر على الانسحاب إلى ما بعد أجدابيا دون تقديم ضمانات بعدم دخول المرتزقة السوريين وميليشيات مصراتة إليها.

ونجحت حكومة طرابلس بدعم من حليفها التركي في صد الهجوم الذي شنه الجيش على طرابلس في أبريل 2019، واستعادت في يونيو السيطرة على كامل شمال غرب البلد. وعقب 14 شهرا من القتال الشرس، انسحبت قوات الجيش باتجاه سرت، المدينة الساحلية الواقعة 450 كلم شرق طرابلس.

ويقول مراقبون إن زيارة العطية إلى طرابلس تدشن المرحلة الثانية من الفوضى القطرية في ليبيا، بعد نحو ثلاث سنوات من التواري لإيهام المجتمع الدولي بالتوقف عن دعم المجموعات المتطرفة في البلاد، وكان من نتائج ذلك التواري إقصاؤها عن مؤتمر برلين الذي تم فيه استدعاء أغلب الدول المعنية بليبيا.

ويعزو مراقبون تقلص الدور القطري في البلاد إلى عوامل دولية من بينها وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الحكم، والذي توعد في حملته الانتخابية بوضع حد للمجموعات المتطرفة في ليبيا، إضافة إلى الضغوط الإقليمية التي تعرضت لها الدوحة بعد المقاطعة التي فرضت عليها من قبل جيرانها، الإمارات والسعودية والبحرين إضافة إلى مصر.

ودعت دول المقاطعة الدوحة إلى قطع جميع الصلات مع جماعة الإخوان المسلمين، ومع الجماعات الأخرى، بما في ذلك حزب الله وتنظيم القاعدة وتنظيم داعش. وكثيرا ما اتهم الجيش الليبي ومجلس النواب، قطر بدعم الجماعات المتطرفة في البلاد.

ويرى أغلب الليبيين أن التدخل القطري في الشؤون الداخلية في ليبيا منذ سنة 2011 كان تدخلا مشبوها أذكى الصراع المسلح وجرّ ليبيا إلى حرب أهلية بعد أن دعمت الدوحة انقلاب ميليشيات فجر ليبيا على الانتخابات التشريعية التي جرت سنة 2014 ما تسبب في الانقسام السياسي الذي تشهده البلاد حاليا.

ورجحت مصادر ليبية أن تكون زيارة العطية وأكار إلى ليبيا تهدف إلى مناقشة خطة الحرب على سرت والموانئ النفطية، وهي الخطوة التي تباركها الولايات المتحدة القلقة من تنامي النفوذ الروسي في البلاد.

واعتبر عضو مجلس النواب الليبي، محمد عامر العباني، أن زيارة العطية تعظم من حجم التواجد التركي وآلته العسكرية المتمركزة في الغرب الليبي، على أمل تجهيز الاستعدادات اللازمة للعدوان على سرت والجفرة، وتشجع أنقرة على الاستمرار في غطرستها.

وبدوره قال عضو المجلس الأعلى للقبائل الليبية، الشيخ عادل الفايدي “ليس صدفة أن تتزامن زيارة العطية مع السيطرة التركية – القطرية على ميناء الخُمس، وتحويله إلى قاعدة بحرية لعمليات أنقرة والدوحة المتعددة في ليبيا، والذي يشرف عليه حاليا نحو مئة تركي، وترسو على جانبه سفينتان تابعتان لأنقرة، ما ينذر بأن هناك استعدادات لتحركات عسكرية جديدة لمد المرتزقة والإرهابيين بالمزيد من الدعم تمهيدا لمعركة سرت والجفرة”.

وأضاف الفايدي، في تصريح لـ”العرب”، أن وجود العطية في هذا التوقيت يمثل تحديا واضحا للإرادة الدولية، ونوعا من الإصرار على استمرار الدعم القطري، بجانب التركي، وتجاهل المواقف الدولية المنددة بالتدخلات الخارجية، وتأكيد أن الدوحة موجودة في ليبيا ولن تغادرها، كما أنها لم تعد بحاجة إلى التدثر برداء أنقرة أو المضي سرا في فلكها، ومصممة على دعم المتطرفين والإرهابيين.

وتدعم روسيا الجيش الوطني بينما يتسم الموقف الأميركي بالارتباك حيث يبدو موقف البيت الأبيض أقرب إلى الحياد، في حين تدعم وزارة الخارجية التي أحكمت سيطرتها على الملف الليبي حكومة طرابلس (حكومة الوفاق) التي يهيمن عليها الإسلاميون وتعول على مرتزقة سوريين من بينهم عناصر إرهابية من جبهة النصرة وتنظيم داعش.

ويحذر مراقبون من عواقب اتخاذ خطوات تصعيدية في سرت والموانئ النفطية التي من شأنها إشعال حرب بالوكالة على الأرض الليبية حيث سبق أن حذرت مصر من تجاوز خط سرت – الجفرة الذي وصفته بالخط الأحمر، كما يستبعد مراقبون أن تمارس فرنسا وروسيا دور المتفرج على تلك المعركة.

وحذّر وزير الخارجية الألماني خلال زيارته العاصمة الليبية الاثنين من “هدوء خادع” يسود حاليا البلد الغارق في الفوضى. وأكد هايكو ماس أن “الطرفين وحلفاءهما الدوليين يواصلون تسليح البلد ويتشبثون بشروطهم المسبقة لوقف إطلاق النار”.

*صحافية تونسية

Exit mobile version