الصومال اليوم

في الذكرى الــ 60 لاستقلال الصومال: حديث عن ضياع حلم إعادة الصومال الكبير!

يحيي الصوماليون هذه الأيام الذكرى الـ 60 لاستقلال بلادهم من الاحتلال الأوروبي، ذلك أن الأقاليم الشمالية في البلاد حصلت على استقلالها من بريطانيا في 26/يونيو/1960م، بينما نالت جيبوتي على استقلالها من فرنسا في 27/يونيو/1977م، في حين تحرّرت الأقاليم الجنوبية من الاحتلال الإيطالي في 1/يوليو/1960م، وفي هذا اليوم الأخير، تم توحيد الأقاليم الشمالية والجنوبية ليكونا بذلك أساسا للجمهورية الصومالية الوليدة

هذا، ويعرف بالفترة ما بين 26/يونيو – 1/يوليو من كل عام بأسبوع الحرّية والاستقلال، فتكثر فيه إقامة المناسبات والمهرجانات التي من شأنها تعظيم هذه الأيام، وتذكير الناشئة بجهود الأجداد المناضلين الّذين بذلوا الغالي والنفيس لتحقيق حرّية البلاد واستقلالها عن درن الاحتلال ورجسه.

وقد أقيم قبل أيام وتحديدا في 26/ من الشهر الجاري مناسبات لإحياء الذّكرى الـ60 لاستقلال الصومال في كل من مقديشو وهرجيسا شارك فيها مسؤولوا الطرفين، كما أنه من المقرر أن يُقام في مقديشو بعد يومين إحياء الذكرى الــ60 لاستقلال الأقاليم الجنوبية وتوحيد شطري البلاد باسم جمهورية الصومال.

وتأتي الذكرى الـ60 لاستقلال الصومال، هذه المرة، في وقت تتوالى فيه دعوات الانفصال الآتية من الأقاليم الشمالية في البلاد، كما تتزامن هذه الذكرى – أيضا- مع وقت تتبنى فيه الأقاليم الجنوبية في البلاد نظاما فيدراليا لم تتضح معالمه بعد، مما يبدو للمتابع وكأنه تقسيم للمقسّم وتجزئة للمجزّأ، حيث إن السلطات في صوماليلاند ما زالت تتشبّث بموقفها الدّاعي إلى الانفصال والاستقلال عن الصومال الأم، مفسّرة ذلك بأنه احتجاج على تهميش سياسي، تعتقد أنه مورس ضدّ هذه الأقاليم منذ عشية الوحدة، واستمر على ذلك إلى أن انتهت الأمور بقصف جوي نفذته الطائرات الحربية الصومالية أواخر الحكم العسكري السابق الّذي ثارت في وجهه الحركات القبلية والسياسية، بسبب تعسفه السياسي واستبداده بالأمر دون غيره!  

وتعلن صوماليلاند منذ 18/مايو/1991م، انفصالها واستقلالها عن الصومال الأم، وإنشائها لدولة خاصة بها تعرف باسم جمهوية أرض الصومال التي لم تحصل بعد على اعتراف دولي يمنحها الشرعية السياسية والسيادية على حدود جمهوريتها المزعومة.

أما بالنسبة للأقاليم الجنوبية، فقد دخلت، هي الأخرى، بعد إسقاط النظام العسكري في مرحلة حرب أهلية ضروس، أتت على كلّ المؤسسات الحكومية والدّستورية، مما سبب انهدام أدنى مقومات الحياة: كالأمن والسلام، وذلك بسبب غياب دور حكومي يتولى شؤون إدارة البلاد، وهو ما دفع بعض القوى الإقليمية والدولية إلى تنظيم وعقد مؤتمرات مصالحة صومالية تضع حدّا للنزيف الدموي، وتنهي حالة الاقتتال والفوضى القائمة في البلاد منذ انهيار الحكم العسكري.

وقد توّجت هذه الجهود ببعض الثمار المتمثلة في إيجاد أنظمة حكم هشة قائمة على مصالحة ضعيفة تمت بين الشركاء والفرقاء السياسيين. ويمثل مؤتمر عرتا للسلام(2000م) في جيبوتي والّذي انبثقت منه الحكومة الانتقالية برئاسة عبدالقاسم صلاد حسن، من أكبر إنجازات الجهود الإقليمية والدّولية، غير أن هذه الدولة لم تنجح في إعادة النظام بسبب تلقيها معارضة قوية من زعماء الحرب الموجودين في البلاد.

وفي 2004م، تم دعوة الشركاء السياسيين في الصومال إلى مؤتمر إمبكاتي الّذي تم فيه تبني نظام فيدرالي غير محدّد المعالم، ظنّا منهم أن ذلك سيساهم في حلّ المعضلة الصومالية، غير أنه يبدوا أن النظام الفيدرالي أضاف عليها عبئا سياسيا آخر! حيث إن الولايات الفيدرالية التي قامت على هذا الأساس تتصرّف وكأنها دول مستقلة ذات سيادة كاملة على قراراتها السياسية والمصيرية وعلاقاتها الخارجية، معتقدة أنها لا حاجة لها إلى الرجوع إلى الحكومة الاتّحادية، وذلك بسبب غياب حكم مركزي قوي ودستور ثابت متوافق عليه، مما جعل هذه الولايات الفيدرالية في خلاف دائم مع الحكومة الاتحادية!

وهنا تلاشى حلم إعادة الصومال الكبير المتمثل في استرجاع الأراضي الصومالية في كلّ من إثيوبيا (الصومال الغربي أو أوغادينيا) وكينيا (إنفديNFD )،وانصبت كلّ اهتمامات المواطن البسيط على البحث عن طريقة أو طرق تساهم في الحفاظ على وحدة الجمهورية الصومالية التي قامت في 1/يوليو/1960م، حيث لم يبق لديه -في الوقت الراهن على الأقلّ- القدرة على التفكير في إعادة الأراضي المسلوبة منه بقوانين الاحتلال الغاشم وتشريعاته الجائرة!

إنّه ومع إحياء المواطن الصومالي الذكرى الـ60 لاستقلال بلاده، إلاّ أنه يبدي تحسّره على ضياع نضال الأجداد، وشعوره بالتقصير في الحفاظ على إرث الآباء، مما يعني العبث بحاضر الأبناء، ووأد مستقبل الأحفاد، غير أن مما يبشّر بالخير ويبعث على السرور، هو وجود دعاة إلى الوحدة ونبذ الخلافات والانقسامات، والعمل على تجاوز المرحلة الراهنة بأفكار ورؤى ثاقبة مع خطوات عملية متئدة تساهم في تحقيق حلم الصومال الكبير”وما ذلك على الله بعزيز”.

Exit mobile version