الصومال اليوم

تقنين الإرهاب

تتجاوز خطورة الوضع في ليبيا التدخل العسكري العدواني من قوة إقليمية إلى محاولة ترسيخ نواة لتوتر طويل الأمد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل وربما يمتد في القارة الإفريقية كلها من الساحل إلى القرن حتى الجنوب.

إذ لا يقتصر العدوان التركي على ليبيا، بتسهيل من ميليشيات محلية ورافد من مرتزقة إرهابيين من بقايا داعش والقاعدة الذين كانوا في سوريا والعراق وبتمويل من قطر الغنية بالغاز، على منافع اقتصادية من نفط وغاز ليبيا فحسب.

أدى انهيار كيان داعش في سوريا والعراق إلى بحث الداعمين للإرهاب ورعاته والمستفيدين من وجوده دوما (ولو كمبرر وهمي لتحقيق مصالح وأطماع) عن كيان جديد تتحقق له الاستدامة، وتوفر جماعة الإخوان، الجذر الأساسي لكافة الجماعات الإرهابية، الوسيلة تحت ذريعة أنها “جناح سياسي” أو ما يراه الغرب تطرفا معتدلا، وذلك ستار مناسب ربما لم يتوفر في سوريا والعراق بقدر ما يتوفر في ليبيا.

ثم إن الوجود التركي في الصومال، دعما لحركة الشباب الإرهابية، لم يفد كثيرا ولا حتى في زعزعة استقرار كينيا ودول الجوار الأخرى. كذلك الدعم المالي القطري للإرهابيين في مالي وجوارها لم يسفر أيضا عن إنجازات إرهابية مهمة.

ومع فشل الأميركيين في تحقيق نفاذ إستراتيجي مهم في إفريقيا في مواجهة المد الصيني وغيره لا مانع من تحويل القارة السمراء إلى ساحة مواجهة لإزعاج مصالح الصين، وربما حتى الفرنسيين، بواسطة كيان إرهابي مستدام.

وحين نقول “إفريقيا حتى الجنوب” لا نبالغ، فيوم الثلاثاء الماضي حملت وكالات الأنباء خبرا لم يلتفت إليه أحد عن هجوم إرهابي في موزمبيق، وبعد ذلك أعلن تنظيم داعش الإرهابي سيطرته على ميناء إستراتيجي في شمال شرق موزمبيق بالقرب من منطقة إنتاج الغاز في موزمبيق التي تعمل فيها بشكل أساسي شركة توتال الفرنسية وتستعد أكسون موبيل الأميركية لبدء العمل في امتياز آخر في المنطقة العام المقبل، ومنذ ذلك الوقت استنفر الجيش التنزاني للبحث عن عناصر داعش قرب حدود تنزانيا مع موزمبيق.

صحيح أيضا أن الجماعات الإرهابية من مالي والنيجر تستهدف مناجم الذهب في بوركينا فاسو وغيرها من دول المنطقة، لكن الهدف في النهاية هو تفكيك تلك الدول من غينيا غامبيا على الساحل الغربي حتى الصومال وجيبوتي على الساحل الشرقي مرورا بنيجيريا الغنية بالنفط والتي تعيث فيها فسادا بوكو حرام الإرهابية المدعومة من الثنائي تركيا وقطر. وتشكل ليبيا، في حال وصلت تلك القوى إلى مرحلة التمكين، نواة رفد رئيسية لكل تلك الجماعات من الجزائر والمغرب حتى تنزانيا وموزمبيق. وهذا هو البديل، الذي يبدو أن بعض الغربيين لا يرون فيه مشكلة. ربما باستثناء فرنسا التي ترى تهديدا مباشرا لمصالحها وإن كانت بعض النخبة الفرنسية أيضا لا تجد غضاضة في التعامل مع “إرهابيين معتديلن” إذا تقاطعت المصالح.

وبدلا من كيان شيطاني يصعب ترسيخه مثل داعش، يجري الآن تقنين الكيان المتوقع بأن يكون له “أب وأم” بشكل مباشر، هما تحديدا تركيا وقطر، وليس تعاملات ودعما وتقاطعات كما في السابق. يرعى الأب والأم الجنين الإخواني/الإرهابي في الرحم الليبي حت يتم تثبيته وتمتد أذرعه في كل اتجاه، ولن يكون بعيدا عليه أبدا غرب آسيا والهلال الخصيب.

صحيح أن البعض في المنطقة منتبه لخطورة تقنين الإرهاب المحتملة تلك، ولم يكن التحرك الدبلوماسي السعودي قبل أسبوعين بجولة وزير الخارجية في دول شمال إفريقيا العربية وفرنسا إلا حلقة من حلقات الجهود الخليجية، بالتعاون مع مصر والأردن، لمواجهة هذا الخطر ووأد المولود الإرهابي في مهده، لكن للأسف يبقى الغرب في وضع من يتصور أنه قد يستفيد من هذا التقنين في ليبيا.

فالمقترح الأميركي الأخير بمنطقة منزوعة السلاح في الخط الذي حدده الرئيس المصري كخطر مباشر على أمن بلاده إذا وصله الإرهابيون وداعموهم الأتراك لا يختلف كثيرا عن تكتيكات سابقة لأشرطة ومناطق عازلة انتهى بها الأمر إلى احتلال تركي مباشر في سوريا والعراق، وتوطين للإرهابيين من كل الجماعات المنبثقة من الإخوان ومن مختلف جنسيات الأرض.

تلك هي البداية الخطرة حقا لتقنين الإرهاب، فليبيا وضعها أخطر. على الأقل في سوريا والعراق هناك حكومات مركزية – مهما كان ضعفها وموقفنا منها – لكن في ليبيا لا توجد سوى ميليشيات تسيطر على طرابلس قادتها في الدوحة وإسطنبول، ونواة جيش وطني في الشرق يحتاج إلى الدعم الهائل. وما اقتراح “منزوعة السلاح” هذا سوى تقنين للميليشيات المحلية والمرتزقة الإرهابيين من داعش والقاعدة وشرعنة الأب التركي والأم القطرية. وهذا ما لا يجب أن يمر، وعلى العرب المعنيين التصدي له.

Exit mobile version