يراقب المتابعون بخشية احتمال انزلاق الصومال في دائرة العنف والعزلة الدولية بعد أن ترجم الرئيس محمد عبدالله فرماجو تعنته بإجراء انتخابات برلمانية، كانت مقررة في فبراير الماضي، وفق ما تمليه عليه حساباته السياسية، بتمديد فترة رئاسته إلى عامين آخرين، في تحرك واجه معارضة داخلية قوية وتحذيرات دولية متواترة.
ووقع الرئيس الصومالي، الذي يحظى بدعم من تركيا وقطر الأربعاء الماضي على تمديد ولايته وولاية حكومته، مما دفع بكل من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين وغيرهم إلى التلويح بفرض عقوبات على مقديشو عبر ممارسة ضغوط عليها للتراجع عن الخطوة، كما حذرت قوى دولية عديدة من تفاقم عدم الاستقرار في واحدة من أكثر دول العالم هشاشة.
تحدي القانون
قاد خلل الأولويات بالنسبة إلى الأقاليم في كيفية إجراء الانتخابات، إلى السيناريو الأسوأ، والتي قد تجعل الدولة التي تعاني من ويلات الإرهاب تدور في حلقة مفرغة قد لا تتمكن من إرضاء كافة الأطياف السياسية، بعد تجاوز موعد إجراء الانتخابات رغم وجود قانون انتخابي جديد يتوقع مراقبون أن يؤسس إلى عدالة سياسية في بلد الكلمة الفصل فيه للقبائل.
ومهد توقيع فرماجو نهاية العام الماضي قانون الانتخابات الجديد المسمى “صوت واحد لشخص واحد” بعد مصادقة البرلمان الطريق إلى تنظيم أول انتخابات برلمانية عبر الاقتراع المباشر منذ عقود، بدلا من نظام المحاصصة القبلية، على أن ينتخب الفائزون رئيسا للبلاد كما يقتضيه الدستور.
غير أن المواجهة بين فورماجو والقوى المعارضة في بعض الأقاليم تطيل من أزمة الانتخابات، التي استمرت شهورا بعد تأجيلها في فبراير الماضي. ويقول منتقدون إن فترة رئاسته قد انتهت وأنه لا شرعية دستورية له في المنصب.
ولم تتمكن الحكومة الفيدرالية منذ أشهر من التوصل لاتفاق حول كيفية إجراء الانتخابات مع باقي الأقاليم، حيث اعترضت ولايتا بونتلاند وجوبالاند على قضايا معينة، وحذر المجتمع الدولي من إجراء انتخابات جزئية، وتسبب الجمود في نهاية المطاف في أعمال عنف دامية ضد المتظاهرين الذين عارضوا تأجيل الانتخابات.
وشملت القضايا الخلافية خلال المحادثات حول العملية الانتخابية بين الحكومة الفيدرالية وحكام الأقاليم، تشكيل لجنة إدارة الانتخابات واختيار أعضاء اللجنة لمنطقة صوماليلاند الانفصالية. ولم يشهد الصومال انتخابات مباشرة منذ عقود.
ويقول الناشط عبدالله محمد شروا في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية إن ما حدث يمكن تفسيره على أنه “انقلاب نفذته مجموعة من الناس المتعطشين للسلطة لفترة طويلة وهذا تماما مثل أكثر المقامرة السياسية جنونا”.
وتواجه خطوة تمديد التفويض لفورماجو كرئيس للصومال معارضة شديدة من المجتمع الدولي، الذي يحذر من أن جماعة الشباب المتطرفة المرتبطة بالقاعدة يمكن أن تستفيد من الانقسامات السياسية الساخنة في البلاد.
ووقع فرماجو على القانون المثير للجدل بعد أن صوّت مجلس النواب في وقت سابق هذا الأسبوع لتمديد ولايته لمدة عامين بينما دعا إلى انتخابات مباشرة خلال ذلك الوقت، لكن زعماء مجلس الشيوخ وصفوا التصويت بأنه غير قانوني واحتجت المعارضة الصومالية.
سلاح المساعدات
يعتمد الصومال بشكل كبير على المساعدات الخارجية لإطعام وإيواء ورعاية عدد كبير من السكان النازحين بسبب انعدام الأمن والصدمات المناخية، فضلاً عن تدريب قواته الأمنية وتجهيزها. وأي عقوبات محتملة قد تجعل البلاد في مأزق أكبر لا يمكن لها مواجهته لاسيما وأن اقتصادها ضعيف للغاية في ظل عدم الاستقرار.
ويبدو أن تلويح دول غربية بمراجعة مسألة المساعدات المقدمة للصومال سيجعل جميع القوى السياسية تدخل في معارك جانبية قد تطول. وقد قالت بريطانيا إن خطوة تمديد ولاية فرماجو “تقوض مصداقية القيادة الصومالية” وهددت بالعمل مع الشركاء الدوليين “لإعادة تقييم علاقتنا وطبيعة مساعدتنا للصومال”.
وقبل ذلك، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان إن “الولايات المتحدة تشعر بخيبة أمل شديدة” بسبب هذه الخطوة، وهدد فيها باحتمال فرض عقوبات وقيود على التأشيرات وإعادة تقييم “علاقاتنا الثنائية”. ودعا البيان الحكومة الفيدرالية الصومالية ودول المنطقة إلى العودة بشكل عاجل إلى المحادثات بشأن أزمة الانتخابات.
وكان الاتحاد الأوروبي قد حذر من أن التوقيع على القرار ليصبح قانونا من شأنه أن يقسم الصومال و”يشكل تهديدا خطيرا للسلام والاستقرار في الصومال وجيرانه”. وهددت بروكسل بالنظر في اتخاذ “إجراءات ملموسة” ردًا على ذلك. لكنها لم توضح بدقة طبيعة تلك الإجراءات.
ومع ذلك، حاولت مقديشو الدفاع عن قانونية الخطوة، حيث ردت وزارة الخارجية على الانتقادات الغربية بأنها تشعر بالقلق إزاء “التصريحات المضللة والمثيرة للقلق” من قبل بعض الشركاء الدوليين، واتهمتهم بـ”تحريض الشعب الصومالي ضد حكومته الشرعية”. وأضاف البيان أن الصومال “سيرفض أي محاولات لاستخدام المساعدات الإنسانية لابتزاز البلاد”.
تهديدات الجهاديين
بدأ الصومال في الانهيار في العام 1991، عندما أطاح أمراء الحرب بالدكتاتور سياد بري ثم انقلبوا على بعضهم البعض. وتركت سنوات الصراع والهجمات التي شنتها حركة الشباب، إلى جانب المجاعة البلد ممزقًا بشكل كبير.
لكنه اليوم قد يواجه نفس السيناريو مع بعض الاختلافات التي قد تكون أخطر، حيث قد تؤدي في كل الأحوال إلى عدم الاستقرار في بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 12 مليون نسمة.
ويسعى المتطرفون إلى استغلال حالة التشرذم في الحياة السياسية الصومالية التي لا يؤمنون بها أصلا من أجل شن بعض الهجمات. وهذا تحد آخر سيجعل البلد في خضم إصرار فرماجو على تنفيذ مشروعه أمام وضع قد لا يستطيع أحد مواجهته خاصة مع تقليص أعداد القوات الأميركية.
وتعمق الإحباط بسبب الفوضى السياسية في العاصمة، ففي وقت سابق، قال المتحدث باسم الشرطة الصومالية صادق عدن علي إن “14 شخصا على الأقل قتلوا في الهجوم الأخير عندما انفجرت حافلتهم الصغيرة في عبوة ناسفة في جيرادا غولولي شمال مقديشو”.
وألقت أجهزة الأمن الصومالية كالعادة باللوم على حركة الشباب الإسلامية المتشددة. وقالت إنه في اليوم السابق فقط لحادثة جيرادا، قامت قوات الأمن الصومالية بتفكيك 5 متفجرات بأمان على طول ذلك الطريق.
وتسيطر حركة الشباب على أجزاء كبيرة من جنوب ووسط الصومال وغالبا ما تستهدف العاصمة بتفجيرات انتحارية. وكانت الجماعة المتطرفة هدفًا متكررًا للضربات الجوية العسكرية الأميركية.
وتتّبع حركة الشباب طريقتين لفرض أجندتها على سكان القرى والبلدات عبر فتح قنوات اتصال مع أعيانها لإخضاعهم ليكونوا حبل التواصل مع السكان عند جمع الإتاوات مقابل تأمين أموال الأعيان، بينما تلجأ للقوة في حال امتناع قاطنيها.
وتسعى قوات دولية إلى مساعدة مقديشو في حربها ضد الإرهاب وضد حركة الشباب، على غرار الأميركيين الذين يشكلون رأس الحربة في مواجهة المتشددين. ولطالما عبر مراقبون عن مخاوفهم بشأن قدرة الجيش الصومالي المتعثر على الصمود في وجه حركة الشباب المتشددة، إثر رحيل قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي من البلاد.