كانت المقابلة الأخيرة التي أجريت مع الرئيس محمد عبدالله فارماحو مقابلة مهمة في توقيتها، كونها جاءت بعد أسوأ غارة على النظام التداولي للسلطة الذي كان صمام الأمان الوحيد للسياسة الصومالية؛ لذلك كان الجميع يتوقع منها أن ترقى إلى مستوى التحديات التي يواجهها الوطن بسبب التصرفات غير الدستورية التي اتخذها البرلمان المنتهية ولايته لتمديد فترته وفترة مولاه.
وتابعت المقابلة الطويلة التي استمرت قرابة ساعة وعشر دقائق بشغف، ولكنها كانت مخيبة للآمال، لأنها كانت فارغة من المحتويات السياسية، ويمكن أن تدخل ضمن الدعاية السياسية التي تعودنا سماعها من أبواق النظام طيلة السنوات الأربعة الماضية، ومن باب الخداع تم اعطاء المقابلة لقناة غير رسمية، ولكن أسئلتها كانت ضعيفة ومعدة سلفا كما يتضح من طريقة تذلل المذيع، والمونتاج الذي وضع بعض المساحيق عليها، ورغم ذلك أن الرجل كان ضعيفا في طرح اجاباته، وكرر كلمته العربية المشهورة أكثر من خمس مرات “حقيقةً” المنونة، وكأنه يفهم موقعها من الاعراب!
أجوبة مكررة:
وفي البداية سئل عن سبب الخلاف بينه وبين حكام ولايات بونتلاند وجوبالاند، وكرر اسطوانته التنازلات التي أشرنا إليها في خطبة “بيع الوهم” أمام البرلمان، وكلنا يعرف أنه كان يحاول وضع العربية أمام الحصان حتى لا يتقدم المسار السياسي.
وعندما سئل عن سبب استعجاله لتوقيع مشرع التمديد الذي اتخذه البرلمان، ارتبك وتعلثم ولَم يحر جوابا إلا أنه حاول أن يشرح للمشاهدين أن للبرلمان حق أن يعود إلى الدستور ويعيد العملية الانتخابية إلى الشعب، ولم يقل لنا لماذا استعجل في التوقيع، وتمكن المذيع اعادة السؤال نفسه، ولكنه لم يستطع أن يقول أكثر من أنني لا استطيع رفض قرار البرلمان، وفي رأيي كانت أهم سؤال في المقابلة، ولكنه “فسر الماء بعد الجهد بالماء”.
نورت المحكمة!
وفي أثناء المقابلة ما فتئ فخامته أن يلقي باللائمة على غرمائه السياسيين، وكأنه يقول كل المشكلات التي يتعرض لها البلد وراءها حكام بونتلاند وجوبالاند، وزيادة على ذلك اتهمهم بصريح العبارة أنهم عملاء حيث قال: يحملون املاءات خارجية ولا ينطلقون من قراراتهم الذاتية! وهذا غريب في الشأن السياسي الصومالي منذ انطلاقة العملية السلمية؛ لأن هذا الاتهام يحمل معنى الخيانة الوطنية، واتهام السياسيين بالخيانة الوطنية يماثل التكفير في العرف الديني، ومع هذا لم يستطع ذكر الدول التي تستخدم هؤلاء الساسة غير “كنينا” بحجة أنه سيذكرهم لاحقا.
وكلنا يدرك أن النغمة التخوين كانت تصدر في السنوات الأخيرة من بعض الإبواق الإعلامية المؤيدة للرئيس في شبكات التواصل، وصدورها اليوم من الرئيس تؤكد تهمة توظيف تلك الأبواق، وينطبق عليها المثل: “شنشنة أعرفها من أخزم”!
وفي الختام لم تكن المقابلة مشوقة كما حاول البريمو الإعلاني أن يصورها؛ لأن الرجل لم يجد ما يقول عن انجازاته إلا أنه أعاد روح الوطنية وبنى الجيش وغير ذلك من الكلمات الانشائية التي قد ينخدع بها بعض المساكين، ولكننا نستطيع ادراك حقيقتها اذا القينا نظرة سريعة إلى تاريخ بداية بناء الجيش والعلاقات التركية الصومالية وفتح القاعدة العسكرية، وغير ذلك من الأمور. وكذلك نحتاج إلى عمل مقارنة بسيطة فيما يتعلق بهذه الوطنية المزعومة، والعودة السريعة للنعرات القبلية وإشتعال نيرانها التي كادت أن تنفجر قبل يومين بعد أن تمرد قائد شرطة العاصمة وما تلاها من أحداث مؤلمة كادت أن تشعل نيران الحرب في العاصمة، وهذا كله يوضح لنا قيمة هذا الشعار المسمى بالوطنية الذي لم يتجاوز حناجر شبكات التواصل الاجتماعي.
ومع هذا كله لم يتحدث الزعيم المفدى عن مشكلة تلك النعرات المتنامية والتي قد تعيق مسيرة المصالحة الوطنية برمتها،وكيفية اخماد نيرانها، ولكنه مازال يضرب النغمة الوطنية التي لن تجدي نفعا اذا فقدنا السلم الأهلي الذي بدأ يتأرجح بعد فضيحة التمديد والتوقيع المستعجل الذي أكد للجميع ما وراء أكمة.
حفظ الله الصومال وشعبها من كل سوء.