إذا كان الجندي هو حامي حدود الوطن، والمدافع عن شرف وكرامة أمته وسلامة ترابه من هجمات الأعداء وأطماع الطامعين؛ فإن الدبلوماسي هو العين الساهرة للدفاع عن مصالح الوطن العليا داخل حدود الأعداء والأصدقاء، والمكمل لمهمة الجندي المثابر والمرابط بالثغرات والحدود الجغرافية، وإذا كان من المفترض أن يكون الجندي ذو مهارة قتالية فائقة، ومجهز بأحدث أنواع الأسلحة والتدريبات الحربية، لكي يؤدي مهامه بالوجه المطلوب؛ فأن الدبلوماسي يجب أن يكون ذو مهارات وقدرات أكبر بكثير من الجندي العادي، وذلك لطبيعة عمله التي تحتاج إلى جمع صفتين متناقضتين وهما “رجل الحرب ورسول السّلام”.
وبما ان وزارة الخارجية في أي دولة هي جهاز الدولة الرئيسي المسؤول عن تنفيذ وإدارة علاقتها الخارجية، فهي أيضا الورشة التي تصنع كوادرها الدبلوماسية والمدربة التي تصقل مهاراتهم وقدراتهم لكي يكونوا قادرين على تمثيل دولتهم، بصورة لائقة، في المحافل الدولية، وأداء مهماتها الدبلوماسية بكفاءة، وحماية مصالحها، بما يتفق ومستجدات العمل الدبلوماسي، والمتغيرات الدولية المتابعة. ومتي ما كانت الوزارة الخارجية هيكل ينخر أركانه سوس الفساد لا يمكن أن تنتج سوى حثالة من المنتفعين لا يهمها سوي مصالحها الشخصية الضيقة.
الفساد في تعيين المناصب
اعتاد بعض المسؤولين والمتنفذين بدفع أشخاص مقربين لهم من خارج السلك الدبلوماسي لتعيينهم في مناصب عليا في البعثات الدبلوماسية بالخارج دون خبرات سياسية ودبلوماسية سابقة، وخلافا لقانون الخدمة الدبلوماسية مما يضع الدبلوماسية الصومالية في مهب الريح ويجلب لها الفضيحة تلو الاخرى، مع وجود كوادر دبلوماسية مدربة ولديها خبرة في ديوان الوزارة.
أضف إلى ذلك ان التعيينات في البعثات الدبلوماسية في الخارج صار تذكرة باتجاه واحد؛ فمن النادر إرجاع الدبلوماسيين إلى مقر الوزارة كل ٢-٤ سنوات حسب اللوائح والأنظمة مما جعل الطاقم الدبلوماسي في البعثات وديوان الوزارة مشلولا نتيجة لعدم تفعيل بند التنقلات الدبلوماسية من المقر والبعثات وبين البعثات نفسها؛ إذ تجد أن معظم السفراء والوزراء المفوضين والمستشارين والسكرتيرين تجاوزوا المدد النظامية المحددة بأربع سنوات كحد أقصى؛ أما الدبلوماسيين في ديوان الوزارة من مدراء ادارات وأقسام الوزارة فحدث ولا حرج؛ فمنهم من ظل على رأس منصبه عشر سنوات دون نقله إلى إدارة أو قسم آخر ناهيك عن تعيينه في البعثات الخارجية.
و هذه الخطوة من شأنها تحطيم آمال الدبلوماسيين في ديوان الوزارة والذين لهم سنوات طويلة دون ترقيات أو بدلات، وكان من حقهم طبقا للقانون أن يتدرجوا بهذه المراتب حسب مبدأ الأسبقية والخبرة؛ فالدول التي تسعي الى تحقيق غاياتها الأبدية توكل تلك المهام لفرسان مروضة تكون بقدر هذا الحِمل. أما التي تتخبط في طريقها وتوفد من يملأ الكرسي ويكونوا في مضمار المنافسة مثل الأحصنة الهزيلة التي لن تحقق لها غاية، فتصدق عليها المقولة الدبلوماسية الشهيرة “الدول التي لا تتقدم تتقهقر”.
قانون معطّل
صدر قانون رقم 112 للخدمة الدبلوماسية تعديل عام 2013 الذي ينظم شؤون تعيين ونقل وترقية الدبلوماسيين من الديوان إلى البعثات الدبلوماسية في الخارج؛ وقد تم وضعه على الرف؛ فلا وزراء الخارجية المتعاقبين عملوا به ولا البرلمان استجوب الوزير حيال انتهاك القانون لأن كلهم يسعون لتامين تعيينات مخالفة للقانون والقواعد المعمول بها.
ومن المعلوم أن جميع وزارات الخارجية تراعي القوانين والقواعد والأنظمة عند تعيين وترقية كوادرها الدبلوماسية؛ وأصبح من الممارسات الشائعة في العرف الدبلوماسي اتباع الاعراف المستقرة في المراتب الدبلوماسية التي تبدأ من الملحق والسكرتير والمستشار الوزير مفوض وهي أعلى درجة قبل السفير . ويمر الدبلوماسيون المسلكيون هذا السّلم للتدرج من بين المراتب الدبلوماسية وفق شروط كل درجة يرتقي بها، وتكون أقل السنوات التي يحتاج اليها الشخص للوصول إلى منصب مستشار أول مثلا ما بين ١٠-١٢ سنة. غير أن معظم الدول تشترط قضاء مدة أطول للترقية من بين الرتب المختلفة. وتلجأ الدول إلى هذه الأنظمة لإعداد كوادرها الدبلوماسية المستقبلية وصقل مهاراتهم وقدراتهم الفردية.
نحو دبلوماسية واعدة
في العقدين الأخيرين كانت الدبلوماسية الصومالية محتوى بلا مضمون في بلد يكون بأمس الحاجة إلى دبلوماسية نشطة وواعدة ليعود الى الساحة الدولية من جديد ويستعيد حضوره في المحافل العالمية بحكم موقعه الاستراتيجي وثرواته الطبيعية؛ وهناك جملة من العوامل تؤدي الى ضعف أداء الدبلوماسية الصومالية منها الفساد وشح الكوادر والخبرات، ولكن تظل الأسباب التي تقف حجر عثرة في طريق إعداد كوادر مستقبلية؛ هي:
المحاصصة العشائرية:
تعتبر المحاصصة القبلية أحد أكبر العوائق الرئيسية في تحقيق تكافئ الفرض حسب الكفاءة داخل السلك الدبلوماسي الصومالي، حيث يؤدي نظام المحاصصة إلى هيمنة ذوي الصلات والقرابة والنفوذ السياسي في الحصول على فرص التعيينات والترقيات، كما أنها تشكل عقبة أمام وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، إذ أنها تساعد بتقلد أشخاص غير أكفاء في المناصب الدبلوسية بحجة ترضية قبيلة معينة.
عدم العمل بقانون السلك السلك الدبلوماسي والخدمة الخارجية:
يبقى السبب الرئيسي أعلاه العقبة الحقيقية في تطبيق القانون السلك الدبلوماسي، إضافة الى ضعف النظام الإداري لوزارة الخارجية كمؤسسة مسؤولة عن تنفيذ السياسة الخارجيه الصومالية، ويعود العيب الأول طبعا على الأشخاص الذين يحطون على رأس هذه المؤسسة المهمة. والجدير بالذكر أن الخارجية الصومالية هي الوحيدة في العالم التي تسمح بتعيين المظفين الدبلوماسين دون التدرج في سلم الدرجات الدبلوماسية والمراتب المدنية المعروفة. ولا يحتاج الشخص الى إنتظار سنوات طويلة حتي يرتقي بل فقط عليه أن يلجأ إلى “قانون” الواسطة ويبدأ من مرتبة “مستشار أول” وهي درجة تعادل عميد في الجيش بالرتب العسكرية!. ولك أن تتخيل عميد بالجيش لم يلتحق بكلية عسكرية أبدا ولم يخضع لأي نوع من التدريب قط! وقام بقيادة الجيش الى المعركة!
وأخيرا؛ نأمل أن يتم إصلاح هذه الأسباب قبل فوات الأوان ووقوع الفأس على الرأس وإلا لن تحظي الخارجية الصومالية بدبلوماسيين مسلكيين وكوادر مستقبلية تستطيع قيادة سفينة الدبلوماسية الصومالية.